سطور
تراكمت في الأعماق ذرات كثيرة وعلى صغر حجمها إلا أنها كونت تلالا من الرمال في قاع المحيط الكائن في قلبي وعلى قوة تياراته العظمى لم يضع منها نثر إلا القليل وغالبا ما كنت قادرة على اختيار ذلك القليل . لم أكن قادرة على الخروج إلى شاطئ الشمس ، فالشمس فيه محرقة والحقيقة فيه قاسية ، يمكن حتى للأصداف في تلك اللحظة أن تخبرني بذلك إذا ما سألتها فألفيت الحياة في قلبي ، أداعب حيتاني الصغير والكبيرة ، ومن بين دروب النثر والأنغام على خطوط التيار الكبير الذي كان يسير نحو الشرق ، ابتلعني حوت ضخم ، عتمة بطنه الشديدة تشبه تماما عتمة المحيط إلى درجة لم استطع فيها تمييز الاثنين واخذ يسبح أو هو يبحر صعوداً ونزولاً على قمم التلال التي اعتلت سقف المحيط جراء تراكم ذرات الرمال الصغيرة المنتشرة بعض منها هنا وهناك، في جوف الحوت المظلم كنت اسمع صوتها تعزف أنغام الليل والظلام وسكون الجوارح وأجزاء من الحقائق المقوقعة وأشرعة من الأوهام المتألقة كانت في جوفه كالنجوم والعيون والأمور المحيرة اجتزت المحيطات ونفضت وإياه تراب قيعان قلبي ذرة ذرة إحساس على حدة. استنشقنا الأحاسيس عطراً وعبقاً وغموضاً فاهدتنا كل ذرة شعوراً جديداً يبتسم له قلبي بين جدرانه الصغيرة فضاءً يمتد اكبر من وحي الفكرة وخلقها ، ويغني أمنياتي وأحلامي التي بذلت من اجلها رحلة الذهاب والسعي والرجاء وحالماً نقشت على صخر المحيط إيماني بأن الله سيحققها ، وجدت نفسي في بطن الحوت اجتاز به دروب قلبي ومسافات المحيط وكأنني اجتازها عبر نفق طويلٍ طويلٍ مظلم ، له أنوار ملونة لكل لون نغمة وصوت كصوت الكهوف الجليدية الصامتة (كبرياء وترفعاً) عن ثرثرة الحر المرهقة وبعيداً عن كل القلق والإرهاق وبكل الراحة كان الوصول عبر نفق الحوت من صنعاء إلى عدن أجر إليها خفية من بين أوشحة الليل، انتظاري همس هاتفي كما وعدني من بعيد وبعض كلماته المنتظرة و رسائله المتوقعة وبجانبي لفائف أوراق مرفقة على كرسي فارغ يشبه تماماً قلبي صالة الانتظار الفارغة ، يشبه أعماق المحيط الهادئة .