وهيب عبدالفتاح صوفيأنا ممن يؤمنون بأن الإدارة الحكومية يمكن أن تكون خلف أعظم الإنجازات البشرية. فقط... "لو تم تمكينها". مشكلة الإدارة الحكومية عندنا أنها تعاني من وطأة الأنظمة التي يجب أن تعمل من خلالها (وبالذات أنظمة المالية والخدمة المدنية) والتي تدفع الكثير من المسؤولين فيها إلى الاحتماء بها في حال عدم رغبتهم في إنجاز الأمور الملقاة على عاتقهم وإلى الالتفاف حولها إذا ما أرادوا إنجازها. أما إذا أرادوا الإبداع فلا داعي لذلك وليبحثوا عن مكان آخر غير الإدارة الحكومية. وجهة النظر هذه يشاركني فيها الكثير، وعادة ما يدور بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات وفي قسمي إدارة الأعمال والإدارة العامة بالذات لغط ونقاش وتشدد مهني بين جهابذة التنظير حول مفاهيم الإنتاجية والإبداع عند تطبيق هذه المفاهيم في مقارنة واقع المنظمات الخاصة والعامة. وبعيدا عن التنظير الأكاديمي أقول بأنه قد شدني خبر في إحدى الصحف السعودية مؤخرا عن اختيار كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد الأمريكية لـ "الهيئة العامة للاستثمار" السعودية، لإجراء حالة دراسية عملية تطبق على الهيئة السعودية كنموذج للإبداع في العمل الحكومي. الخبر يقول أيضا إن هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها جامعة هارفارد بإجراء حالة دراسية عملية على جهة حكومية في الشرق الأوسط. الخبر يضيف أن هذه الدراسة ستركز على جوانب الشفافية، والمسؤولية، والإبداع، والإنجاز في مؤسسة حكومية تتعاون مع القطاع الخاص بأسلوب مبتكر، وتحاول الاندماج في مجتمع القطاع الخاص وبيئته وستظهر إمكانية أن تكون المملكة مصدراً للإبداع ونموذجاً يحتذى للقيادة الحكومية.مثل هذه الأخبار في الصحف لا شك يشيع البهجة والسعادة في نفسي في وقت نكاد لا نرى في الصحف إلا ما يكدرنا. حقيقة خبر جهة يطلق عليها "إدارة حكومية" استطاعت أن تفك الحصار المطوق حولها لتبدع... هذا شيء عظيم واستثنائي. ولعل من الواجب على كل جهة حكومية أن تبحث عن الأسباب لعل العدوى تصيبها وتتحول من مقبرة للإبداع إلى حدائق للإبداع. هذا الخبر ولد عندي إحساساً بالفرح الذي يعتريه بعض الشك حول أخبار بعض الصحف اليومية مما دفعني للدخول إلى موقع هذه الهيئة على شبكة الإنترنت. تصفحت هذا الموقع فوجدته سلسا يتم تحديثه بعناية... فوجئت بأنه قد صمم ليخدم المستثمرين بلغات عديدة... كان طبيعيا أن أرى اللغة الإنجليزية... لكن عندما رأيت صفحات اللغات الفرنسية والألمانية وحتى الصينية احتل هذا الموقع مكان إعجابي. ليس هذا فقط.. وجدت أن كل موقع يخاطب المستثمرين الأجانب كلاً بلغته وبيئته حيث لم تأت صفحات الموقع باللغات المختلفة بطريقة ترجمة ونقل حرفي للموقع العربي. وقتها اكتشفت أن هذا الموقع (ولا أقول الهيئة) تم تصميمه في إطار رؤية ورسالة وأهداف الهيئة.أحلام الهيئة الحالية مشاريع ضخمة يصعب الإحاطة بها أهمها المشروع الجبار "مدينة الملك عبد الله الاقتصادية" الذي يضم ست مناطق رئيسية، يلعب كلّ منها دوراً رئيسا في تحقيق الأهداف الاقتصادية المخططة للمدينة التي ستضم ميناءً بحرياً عالمياً ومنطقة صناعية ومنتجعات شاطئية وجزيرة مالية تستهدف المؤسسات المالية العالمية والإقليمية مع فنادق ومركز للمعارض والمؤتمرات وأحياء سكنية ومدينة تعليمية تفتح أبواباً للطاقات الإبداعية نحو مجالات غير مسبوقة.الهيئة أمامها مستقبل ينتظره المجتمع السعودي بفارغ الصبر وسيسجل التاريخ إنجازاتها بإذن الله وسيسجل أي إخفاق (لا قدر الله)... تماما كما سجل التاريخ بناء القلاع الصناعية في الجبيل وينبع والتي شكك الخبراء الاقتصاديون الأمريكيون في إمكانية ظهورهما على وجه الأرض ودعوا المملكة لإيداع ثروتها في البنوك الأمريكية. الجبيل وينبع قلعتان اقتصاديتان نجحت الحكومة السعودية في بنائهما بتكلفة جيدة لو أردنا بناءهما اليوم لكلفتانا عشرة أضعاف التكلفة في السابق. اليوم مصانع الجبيل تنتج وتنافس أقوى الصناعات العالمية. وأمام الهيئة تحديات جبارة اليوم تختلف في طبيعتها وحجمها عن تحديات الفترة الماضية.... وإذا كتب الله لمشاريعها النجاح فإنني أعتقد أن هذه الهيئة يمكنها أن تقود قاطرة التنمية والتحديث في المملكة. * نقلاعن / صحيفة (الوطن ) السعودية
هل يمكن أن تكون الهيئة العامة للاستثمار قاطرة انطلاقة المملكة؟
أخبار متعلقة