الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد فوز الديمقراطيين
لم تأت نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي مفاجأة لأحد، فالمحللون والمراقبون كانوا يتوقعون هذه النتيجة، كما أن معظم استطلاعات الرأي أشارت إلى توقع فوز الديمقراطيين وسيطرتهم على مجلس النواب ولو بأغلبية بسيطة، لكن ما أتى مفاجئا هو سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ).فهل سيؤثر فوز الديمقراطيين في السياسة الخارجية الأميركية؟ سبق للديمقراطيين أن أشاروا خلال الحملات الانتخابية لمرشحيهم إلى أنه في حالة حصولهم على الأغلبية في أحد أو كلا المجلسين، ومن ثم الفوز برئاسة لجنة الشؤون الخارجية أو الاستخبارات أو غيرهما من اللجان، سوف يشنون حملة لاستعادة الرقابة على أنشطة السلطة التنفيذية التي سيطرت على السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الخمس الماضية. واستخدام الإدارة لسلطة المخابرات قبل الحرب وقضايا مثل التمويل وإعادة الإعمار في العراق ودور سلطة الائتلاف المؤقت في تلك العمليات بخاصة، كما سيكونون أكثر تشددا في عمليات التحقيق ، الأمر الذي يعني أننا سنشاهد بلا شك توترا بين الإدارة والكونغرس. فالعامان الأخيران من ولاية الرئيس بوش سيكونان الأكثر صعوبة له خاصة إذا ما علمنا أن القضايا التي تواجهها الإدارة الحالية للرئيس بوش كثيرة وكبيرة ومتعددة ولا تحظى في معظمها بتأييد غالبية الشعب الأميركي.فالكونغرس الأميركي يلعب دورا هاما في صياغة السياسة الأميركية ، الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الداخلي مثلا يجب أن يوافق الكونغرس على جميع القوانين المتعلقة بالضرائب، كما يمنح الدستور الأميركي للكونغرس حق رفض التعيينات القضائية والإدارية التي يجريها الرئيس بالنسبة للمناصب العليا والمناقشة فيها.وأما على الصعيد الخارجي لا يحق لرئيس الولايات المتحدة توقيع المعاهدات أو استخدام القوات المسلحة إلا بموافقة الكونغرس (مع ملاحظة أنه يحق للرئيس الأمريكي دستوريا استخدام هذه القوات بدون موافقة الكونغرس لكن لمدة لا تتجاوز الستين يوما). فالكونغرس مثلا أوقف الحملة التي قام بها الرئيس نيكسون ضد كمبوديا وأمر بسحب القوات وإعادتها إلى الولايات المتحدة.لكن هذا لا يعني أن صراعا سيدور حتما بين الرئيس والكونغرس في حال لم يسيطر حزبه على الأخير، كما لا يعني أيضا أن سيطرة حزب الرئيس على الكونغرس من شأنه أن يسهل ولاية الرئيس، فعلى سبيل المثال واجه كارتر الديمقراطي كونغرسا ديمقراطيا كان مغلقا في وجهه معظم الأوقات ووجد صعوبة كبيرة في التعامل معه.نعم سيغير سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس في سياسات الولايات المتحدة، حيث يمكن أن نرى تغيرا في قوانين الضرائب أو تخفيض نسبة الفائدة بالنسبة للتعامل مع المصرف المركزي، كما قد نشهد تعاملا مع قضايا من نوع الهجرة مختلفا بعض الشيء عما قدمه الجمهوريين (بناء جدار عازل بين الولايات المتحدة والمكسيك مثلا)لكن ما يعنينا نحن العرب هو سياسة الولايات المتحدة الجديدة إزاء قضايانا. فالكونغرس الجديد لن ينهي احتلال العراق، ولن يغض النظر عن الملف النووي الإيراني، وهو بالتأكيد لن يزيل حماس وحزب الله من قائمة المنظمات الإرهابية، ولن يزيل كوريا وإيران وسورية من قائمة الأنظمة التي ترعى الإرهاب. ولن ينتهج سياسة أكثر عدالة تجاه القضية الفلسطينية، ولن تتوقف أميركا عن استخدام حق الفيتو لمنع صدور أي قرار يدين إسرائيل. باختصار فإن الكيل بمكيالين باقٍ. فالتغيير الذي قد يطال سياسة الولايات المتحدة لن يشمل القضايا الإستراتيجية، أو أكثر تحديدا قضايا " الأمن القومي". فالإستراتيجية الأميركية واحدة بالنسبة للحزبين فيما يتعلق بهذه القضايا حيث يشترك الحزبان برؤية واحدة في ملفات عدة أهمها:- مصلحة الولايات المتحدة أولا وفوق كل اعتبار.- لا مساومة بشأن برامج التسلح النووي بالنسبة لكوريا وإيران وغيرها.- مكافحة الإرهاب والقضايا المتعلقة بأمن الولايات المتحدة: فالديمقراطيون لن يتساهلوا البتة في هذا الملف، لكن مقاربته قد تكون مختلفة بعض الشيء عما فعله الرئيس بوش والمحافظون الجدد المتعطشون للحروب، فقد نلحظ توقفا عن قرع طبول الحرب، وميلا أكبر تجاه حل الأزمات بطرق دبلوماسية،الأمر الذي سيمنحهم -الديمقراطيون- في حال نجاحهم في الحفاظ على أمن الولايات المتحدة ومكافحة الإرهاب دفعا قويا في الانتخابات الرئاسية القادمة، حيث سيظهر الديمقراطيون بصورة المحافظين على أمن البلاد دون كلفة بشرية ومالية كبيرة (320 مليار دولار كلفة احتلال العراق حتى اليوم).- الاستمرار بالهيمنة على منابع الطاقة والثروة.- الالتزام بتفوق إسرائيل العسكري على جيرانها العرب، لا بل إن الديمقراطيين أكثر تشددا من الجمهوريين بالنسبة للبند الأخير.إذا ، فإن رؤية الكونغرس الجديد تجاه مثل هذه الملفات لن تتغير، وإنما قد تتغير الطريقة التي سيتعاطى بها معها، من هنا خطأ التحليلات التي رأت أن السياسة الأميركية ستتغير، الأمر الذي حدا ببعض الأنظمة "بتنفس الصعداء" بعد صدور نتائج الانتخابات، وكأن الإدارة الأميركية قد سقطت وحلت إدارة مسلمة مكانها، الأمر الذي بلغ "بتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" الثناء على هذه الانتخابات ونتائجها واعتبارها انتصارا للتنظيم. لقد سبق أن أوضح الأمريكيون أنفسهم هذه الرؤية، ومنها تعليق الكاتب الأمريكي توماس فريدمان على الفوارق بين حزبي بلاده بقوله: إن الفارق الذي تراه بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي هو ذات الفارق الذي تراه حين تنظر إلى زجاجتين فارغتين.ـــــــــــــ [c1]كاتب سوري[email protected] [/c]