إهداء إلى من قال لي : (اللحظات الجميلة تتجاوز الألقاب والسحر العذب يبعث الشذى)
سحر صقراندعني أتعلم الابتسام دعني اقبل الحب إذا اقبل بوجه قبيح فرغم قبحه ارتاح إليه وأحبه... واراه جميلافي إحدى الليالي التي كساها القمر بضيائه ارتعشت زهور الشتاء ووروده النائمة، ورقصت بحياء في هدوء الليل رياحه الساهرة. وتألق الصمت بين حفيف الأوراق المعلقة على أغصان الشجر.وفي النافورة القديمة سكن الماء يرتاح يسير على سطحه بريقاً بخطى حذرة ، وتتخلله الق بتنهداتها وكلماتها المعبرة. كانت الق تغني على الحان قيثارتها من تحت سطح الماء النائم ، وكان بريق يسمع ألحانها العذبة كل ليلة ويزداد بريقه بريقاً لكلماتها الموسيقية ، كان غناؤها يمتد إلى حيث يعجب به هو ، وكانت لا تحسن التألق إلا بالصمت إذا اخترق بريق سطح الماء ليكلمها كما فعل مرات عديدة فقد كانت تهابة كما تهاب أعماق السماء.. كان بريق متحفظاً في كلامه حذراً في شعوره ، وفي هذه المرة قرر بريق أن يبادل ألق حبها الساحر فارسل لها من فوق سطح الماء كلمات بصوته الحائر، حارت الكلمات في فمه فاحتار بها ثم نطقها اخيراً قال لها : لا تظني أني لا أحب.. أنت عزيزة علي جداً ... وأنا سعيد بالاستماع إلى هذه الأعماق والقيثارة المتألقة .. يا أيتها العذبة.. فغنت الق من فرط سعادتها وخفق الماء وارتعش سطحه فاهتز بريق واهتز تحفظه فدار حوار على الماء جمع البريق المنبعث من السماء والالق العذب من تحت سطح الماء يفصلهما خط أفقي شفاف رسم بريق نفسه أعلاه وغنت الق روحيهما داخله. قالت: لا اقدر بخيالي أو بواقع مقدرتي أن اقدر جم سعادتي بإحساسها المهيب حين استمعت إلى كلمة منكم انغمست بالسكر قبل أن تقع من منطقكم. ثم قال : سأخلد إلى كلماتكم الليلة وكل ليلة كوسادة مريحة تتوسد عليها ابتسامات وأفكار ، همس صوتكم ببحة الانتشار الموغلة في دواخلي والوجدان.. فأرسل لها بريق يقول : اشعر بدفء أنفاس الغالية... فأرسلت له ألقاص تقول : أغلى ما يخطر ببال أو خيال هو انتم والحب الإلهي. ثم قالت: الآن أدرك تماماً كيف تمتلك الحياة بالحب ومنتهى الانتماء إلى روح أخرى.. تسمو أعلى درجة من السماء .. كروحكم. قال لها من أعلى سطح الماء : اللحظات الجميلة تشتاق إليها الروح وتنتشي لها المشاعر حين تنساب نسائم الأحباب فردت عليه من تحت الماء القائلة : الهذا حين قابلتكم أحسست أن روحي مرآة تقابل مرآة فكانت معاني وأفاقاً لصور لا نهاية لها؟! قال بريق : يا سيدتي ... حين تتحد الروح مع مثلها ويذوبان معاً يتوهج معنى الروح في جماليات الإحساس ثم قال: فهل نستطيع أن نسبح فوق أمواج من جمال بحر خيالنا؟ فأجابته ألق : نعم أبحر ولو إلى المجهول ما دمتم انتم القبطان فرد عليها بريق بعد أن أخذه صمته مع نفسه لحظات من الزمن : الإبحار يا سيدتي .. لا يكون في أحلى تجلياته معكم بل مع ذات في نشوة إحساسها بذوبانها في الآخر. وبمجرد أن كتب بريق هذه الكلمات على سطح الماء اهتزت صورة القمر عليه وتشوهت ، حتى إذا قرأتها الق انقطع احد أوتار قيثارتها المرهفة فحزنت كثيراً وخفت الالق الذي كان يعطر سكون الماء الذي لو لاه لكان موحشاً ، لم تجد الق ما تسد به الثقب الذي أصاب قلبها جراء الكلمات المسننة كشظايا زجاج مكسور ، وعندما أحست الألحان المتدفقة من تحت سطح الماء بما ألم بعازفتها من ألم حاد وقاهر، عادت وأمدتها بالقوة ريثما تستعيد إدراكها فاستعادته الق وتوقف الثقب الذي في قلبها عن الاتساع. نزل الحب في تلك الليلة إلى أدنى منزله ، وصل إلى القاع حيث كانت الق مريضة مستلقية ، سالت من عينيه دمعة ، وكانت دمعة الحب التي اختطلت بماء النافورة ، نظر الحب بقسوة إلى بريق ، الذي أبى حتى أن ينظر إلى الق والتزم الصمت والوقوف، اقترب الحب من الق ثم مزق من جسده قطعة صغيرة ، وسد بها ثقب قلبها ثم ارتفع عالياًَ وصعد مرة أخرى إلى السماء السابعة وعلى صدره بقعة دم كبيرة لطخت رداءه سأله الكوكب المضيء عن الدماء التي تلطخ صدره لكن أبى الحب أن يخبر القمر عن سر ذلك ،رفع الق رأسه بوقار ثم سأله هل تشعر بالبرد يا عزيزي ؟ فأجابه نعم فدثره بدثار من سحاب ثم سلك سبيله إلى أعلى بصمت عميق وقد رأته الأجرام والمجرات خزيناً لأول مرة فلم تكلمه استمرت في التوهج كل شمس ونجمه ترسل ضوءاً على سطح الماء كقطرات الذهب . خفت البريق المرسوم أعلى السطح وهمس غناء الق يقول : الخيال زود المتأملين والمفكرين وكذلك المحبين ، ولكنني لا أظن أن احداً في هذه الدنيا يباريني في حبي أو في قدسية مشاعري . فالحب هبتي والخيال ارضي والإحساس فطرتي والانتماء عبادتي . ثم قالت تتجلون دائما كباراً وأبقى أنا الصغير كما أنا، وهل تظنون انه لم يقذفني البحر بموجة إلى دنيا اصدق ما فيها خيال؟ وانتم الموج والبحر والصدق والخيال ! فهل تقبل مني بعنف مشاعري وصدقها كلماتي المقصرة ، شيئاً من مشاعركم الحذرة؟ لقد اعتقدت الق أنها أساءت بتصرفها وعادت تؤكد لنفسها إن بريق ارق من في الأرض وأعذب ، بل حتى الأحب ، ثم نظرت إليه بتألق ومدت ذراعها لتمد ألحانها إلى بريق في الأعلى تقول له : معاليك ... لا تحرمني إذ أنا اشتقت وإذ أنت أعطيت ، أنت أمل لا ينتهي فإذا انتهى .. أنا انتهيت. بعدها قرر بريق أن يتكلم من أعلى سطح الماء دون أن يخترقه فبريقه كان خافتاً وضياؤه احتجب خلف الظل. قال بريق لألق : لعل كل ما قلتيه يشكل الصدق فيه أوضح ملامح الأعماق المدثر بحياء العذارى وتصبحين على خير وأحلاماً هانئة. فردت الق على بريق قائلة: تصبحون على خير، اقدر لكم جداً لحظاتكم الثمينة من أعماق قلبي... شكراً ، افهم تمام معانيكم وان صغر سني. وأضاف في آخر الحديث الذي دار بينهما : أحلاماً سعيدة يا صاحب المكان العالي كانت الساعة في تلك اللحظة المتأخرة من الليل ، الثانية والنصف فأوشك الفجر على الطلوع . انهمر دمع الوردة من أجفانه المغلقة وتحركت الرياح بحركات مرتبكة في تلك الليلة.. وعندما زحف الصباح إلى الأرض وغزا نوره الأفئدة ، عادت النافورة تنبض من جديد وعاد الماء إلى الحركة والدوران ، ممتزجاً بدمعة الحب الحزينة ، الذي اقسم بالا ينزل إلى الأرض مرة أخرى ، ومنذ تلك الليلة بقي بريق يرسم نفسه على الماء كل ليلة ، وتألقت الق في الوجود كوناً .. في صمته وحركاته ، وظلت دائماً كما اعتادت محبة للكون هائلة.