* من ينظر الى مبنى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك يجد أن أعلام الأمم مرتفعة أمام هذا المبنى الشامخ إرتفاعاً واحداً طلباً للمساواة ولكن تناقض هيئة الأمم قد أحتواه بناؤها. فالهيئة لها مجلسان أساسيان أحدهما يسمى الجمعية العامة والآخر - وهو ذو شأن خطير- يطلق عليه مجلس الأمن.* إذ أن الجمعية العامة تدخلها كل دولة في الارض مهما كبر شأنها أو قل قدرها بمعنى آخر سواء كانت دولة كبيرة غنية قوية أو دولة صغيرة فقيرة ضعيفة وهكذا امتلأت القائمة العامة بكثرة كاثرة من الأمم فتشكل هذا المجتمع العالمي الكبير.* وقضت وثيقة هيئة الامم بأن يكون لكل أمة من هؤلاء صوت واحد فقط عند التصويت وكانها تمثل المساواة بعينها ولكن هذه المساواة ناقضت حقائق الحياة الملموسة لأن الدول الكبرى ذي العيار الثقيل رأت أن أصواتها ستتعادل في كفة الميزان مع أصوات أمم ضعيفة - لا حول لها ولاقوة- في الكفة الاخرى من الميزان.< ولهذا تداركت القوى العظمى هذا الامر منذ البداية باعتبارها هي التي صنعت وثيقة الامم المتحدة وذلك بأن خلقت الى جانب الجمعية العامة مجلس الامن وجعلت فيه الخمسة الكبار من الامم بحيث لا يجري قرار في هذا المجلس ملزم إلاّ بموافقتهم جميعاً فكانت قرارات الجمعية العامة قرارات لا تحمل قوة النفاذ إلاّ أن يوافق عليها مجلس الأمن وفي حقيقة الامر أصبح مجلس الامن هو مجلس إدارة هيئة الامم المتحدة ولهذا اصبحت هيئة الامم إنما هيئة الامم الخمس الكبرى التي احتواها مجلس الامن وهي ( بريطانيا ، فرنسا، والولايات المتحدة، وروسيا ، والصين).* وقد سئل - مرة - رجل دبلوماسي أمريكي منذ أكثر من ثلاثين عاماً في هذا الامر : لماذا تتعالى الامم الكبيرة عن الامم الصغيرة فحيث تتساوى الاصوات لا يكون للقرارات نفاذ وحيث تتفق اصواتكم انتم وانتم قلة تحمل القرارات قوة النفاذ؟ فأجاب قائلاً: ماهذا بالتعالي إنما هو الحرص على سيادة دولتنا وذلك لأن القرار الذي تتخذه الجمعية العامة وفيها من فيها قد يمس حاجات لنا سياسية أو أخرى اقتصادية هي في الصميم من سيادتنا والسادة في العالم هم الذين يحملون التبعات وهي ثقيلة.* ثم سئل هذا الدبلوماسي مرة أخرى إذن كيف قبلتم ذلك في مجلس الامن ؟ قال بكل ثقة : من قال إننا قبلنا إن الفيتو (حق النقض) إنما وضع هناك لنستخدمه فيما لا نريد مما يمس سيادتنا.* ونستخلص مما ذكر آنفاً أن الاحتفاظ بسيادة الدولة الكبيرة هو الذي أفشل الجمعية العامة لهيئة الامم وهو الذي افشل مجلس الامن ما لم يكن القرار قد وافق الجميع عليه وفي هذه الحالة فلا حاجة لاستخدام حق النقض فيه.ويتضح لنا جلياً أن الذي يجري سياسة هذا العالم ويحرك سياسته ليس هو العقل وليس هو العدل وليس هو الايمان بالمساواة ولكنها السيادة في ميدان الحرب والسيادة في ميدان الاقتصاد وما يتبعها من ميادين للعلم وتقنية متطورة في المعلومات والاتصالات .* لقد بقيت هيئة الامم منبراً إعلامياً خطيراً تسمع من فوقه الامم الصغيرة أصواتها وينصت العالم ولكن لانفاذ قراراتها لأن الفئة القليلة المختارة من الامم في عضوية مجلس الامن الدائمة هي التي وضعت في يدها القوة كل القوة في نفاذ أي قرار يحافظ على سيادتها القومية ويصون ويرعى مصالحها في العالم .
|
تقرير
كيف نعي أسرار اللعبة السياسية في مجلس الأمن
أخبار متعلقة