دفاعاً عن البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية.. دفاعاً عن الدولة الوطنية الحديثة ليمن 22 مايو (الحلقة الرابعة)
[c1]احذروا..مشروع دولة طالبانية في اليمن[/c]أصدر الأستاذ الدكتور حسن مجلي كتاباً بعنوان : ( ملاحظات على مشروع قانون العقوبات ) المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مجلس النواب - التي تخضع لهيمنة حزب التجمع اليمني للإصلاح وجامعة الإيمان - بدلاً عن مشروع التعديلات الذي تقدمت به الحكومة تنفيذاً لتعهدات فخامة رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي .ونظراً لأهمية ما جاء في الكتاب تنشر صحيفة ( 14أكتوبر ) محتوياته على حلقات. المــادة (28)حدود الدفاع الشرعيالنــص الحالــي((لا يبيح الدفاع الشرعي القتل العمد إلا إذا قصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة من الجرائم الآتية إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة:1 - القتل أو جراح بالغة إذا كانت الجراح على المدافع نفسه أو أحد أقاربه.2 - الشروع في الزنا أو اللواط بالقوة على المدافع أو زوجه أو محرم له.3 - اختطاف المدافع أو زوجه أو ولده أو أحد محارمه بالقوة أو التهديد بالسلاح.ويؤخذ في كل صور الدفاع الشرعي بالقرائن القوية فإذا دلت على ذلك فعلاً قصاص ولا دية ولا أرش.)).النص بعد التعديل((لا يبيح الدفاع الشرعي القتل العمد إلا إذا قصد به دفع فعل يتخوف منه وقوع جريمة من الجرائم الآتية إذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة:1 - القتل أو جراح بالغة إذا كانت الجراح على المدافع نفسه أو زوجه أو أحد أقاربه.2 - الشروع في الزنا أو اللواط بالقوة على المدافع أو زوجه أو أحد أقاربه.3 - اختطاف المدافع أو زوجه أو أحد أقاربه بالقوة أو التهديد بالسلاح.4 - الشروع في جرائم الحريق العمد.5 - الشروع في النهب أو السرقة الجسيمة.6 - الدخول ليلاً في منـزل مسكون أو أحد ملحقاته.ويؤخذ في كل صور الدفاع الشرعي بالأدلة إن وجدت أو بالقرائن القوية، فإذا دلت على ذلك فلا قصاص ولا دية ولا أرش.)).ونورد الملاحظتين التاليتين فيما يخص المادة (28) من مشروع القانون:الملاحظة الأولى : نرى أن تشطب كلمة ((زوجه)) من البند (1) بالمادة (28) من مشروع التعديلات لأن الكلمة المذكورة تزيُّد لا لزوم له، فالزوجة هي أحد أقارب المُدَافع، والقول بغير هذا يجعلها كأنها ليست قريباً له.فيصير النص بعد تعديله طبقاً لاقتراحنا كالتالي:((1 - القتل أو جراح بالغة إذا كانت الجراح على المدافع نفسه أو أحد أقاربه.)).الملاحظة الثانية : إذا كان هناك إصرار على بقاء كلمة (زوجه) في النص فيمكن إضافة كلمة ((الآخرين)) بعد كلمة ((أقاربه))، بحيث يصير النص كالتالي:((1 - القتل أو جراح بالغة إذا كانت الجراح على المدافع نفسه أو زوجه أو أحد أقاربه الآخرين.)).الملاحظة الثالثة : شطب كلمة (الشروع) الواردة في الفقرات (2 ، 4 ، 5) لأنها لا تنسجم مع المفهوم القانوني للدفاع الشرعي الذي يقوم إذا واجه المدافع خطراً حالاً من جريمة على نفسه أو عرضه أو ماله أو نفس الغير أو عرضه أو ماله.فإذا توافر الخطر الحال جاز الدفاع الشرعي لدفع الجريمة التي يتوقع حدوثها، كما أن صياغة المادة على النحو الوارد في المشروع لا مبرر له، لأنه لا يجب على المدافع أن ينتظر حتى يبدأ المعتدي بالاعتداء عليه (يشرع في الاعتداء).مادة مضافة بعد المادة (30)(إباحة الإيذاء الجسيم) تحت ذريعة (تجاوز الحق في التأديب)تنص المادة المضافة بعد المادة (30) بعنوان (تجاوز الحق في التأديب) على ما يلي:((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة - دون الإخلال بحق المجني عليه في الدية أو الأرش على حسب الأحوال - كل من له الحق في التأديب وارتكب أحد الأفعال الآتية:1 - الضرب الشديد المفضي إلى عاهة أو جراحات.2 - التشويه أو بتر أحد الأعضاء.3 - التحريق واستخدام المواد المتلفة للبدن أو المؤثرة عليه.4 - الحرمان من الطعام أو الشراب على نحو يضر بالصحة.5 - الطرد للصغير من المنـزل.)).ويلاحظ على النص المعدل في المشروع ما يلي:الملاحظة الأولى : ينطوي النص المضاف على حكم خطير يبيح الضرب وكافة صنوف الإيذاء الجسماني في التأديب، مهما كان عنيفاً ومؤلماً ما لم يؤد إلى عاهة أو جراحات، وهذا الحكم مخالف لأحكام الشريعة المتعلقة بالتأديب والتي تشترط أن يكون الضرب غير مبرح، كما أن النص يتعارض مع حقوق الإنسان المكفولة دستوراً ومقتضيات العصر الحديث فيما يخص العلاقة بين كافة الأشخاص المخولين حق التأديب وفي مقدمتهم الآباء وأولادهم (بنين وبنات).ومن المعلوم أن طائفة الأشخاص الذين يملكون حق التأديب يدخل ضمنها المعلمون في المدارس وغيرها.الملاحظة الثانية : تجيز المادة المذكورة ارتكاب جريمة حجز الحرية، سواء كان المؤدب ولياً أو معلماً أو زوجاً أو من في حكم هؤلاء لمن يجري الاعتداء عليه أو حجز حريته تحت ذريعة التأديب.الملاحظة الثالثة : يتناقض النص المعدل بواسطة اللجنة، مع الدستور اليمني وكافة المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل والمرأة، التي وقعت عليها اليمن، والتي تنص المادة (6) من الدستور على وجوب الالتزام بها.الملاحظة الرابعة : يخرج النص الوارد في المشروع عن نطاق التأديب المقرر شرعاً والمعروف عرفاً في اليمن، حيث الثابت في الحديث النبوي الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تضربه فوق ثلاث فإنه يقتص منك).الملاحظة الخامسة : يتناقض مع المواد (24 ، 25 ، 26) من الدستور التي تؤكد أن أساس المجتمع اليمني هو التضامن والعدل، وأن الأسرة قوامها الدين والأخلاق، ومن قواعد الدين والأخلاق الحميدة عدم القسوة في تأديب الأولاد.المــادة (31)أطوار مسؤولية الصغيرالنــص الحالــي((لا يسأل جزائياً من لم يكن قد بلغ السابعة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة وإذا ارتكب الحدث الذي أتم السابعة، ولم يبلغ الخامسة عشرة الفعل أمر القاضي بدلاً من العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير المنصوص عليها في قانون الأحداث، فإذا كان مرتكب الجريمة قد أتم الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة حكم عليه بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانوناً، وإذا كانت هذه العقوبة هي الإعدام حكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وفي جميع الأحوال ينفذ الحبس في أماكن خاصة يراعى فيها معاملة مناسبة للمحكوم عليهم ولا يعتبر الشخص حديث السن مسئولاً مسئولية جزائية تامة إذا لم يبلغ الثامنة عشرة عند ارتكابه الفعل، وإذا كانت سن المتهم غير محققة قدرها القاضي بالاستعانة بخبير)).النص بعد التعديل((أ - لا تتخذ أي عقوبات أو تدابير في حق الطفل الذي لم يتم العاشرة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة فإذا كان قد أتمها ولم يتم الخامسة عشرة من عمره أمر القاضي بديلاً عن العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير الاحترازية المنصوص عليها في قانون رعاية الأحداث.ب- إذا أتم الشخص الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره متمتعاً بقواه العقلية صار مسئولاً مسئولية جنائية تامة.جـ- تنفذ عقوبة الحبس في حق من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره في دور تأهيل ورعاية الأحداث فإذا أتم الثامنة عشرة ولم يقض ما عليه من عقوبة ينقل إلى السجن العام.)).جاء تعديل اللجنة للمادة المذكورة في قانون العقوبات النافذ، متناقضاً مع بعضه البعض، حيث تضمنت المادة المعدلة رفع السن الذي تنعدم فيها المسئولية الجنائية إلى (عشر سنوات) بدلاً عن (سبع سنوات)، وفي ذات المادة تم خفض سن المسئولية الجنائية التامة إلى (خمسة عشر عاماً) بدلاً عن (ثمانية عشر عاماً).ليس ذلك وحسب، بل إن التعديل ألغى مرحلة هامة من مراحل المسئولية الجنائية للصغير وهي مرحلة المسئولية الجنائية الناقصة حيث نص التعديل المقترح على ما يلي:((أ - لا تتخذ أي عقوبات أو تدابير في حق الطفل الذي لم يتم العاشرة من عمره وقت ارتكاب الفعل المكون للجريمة فإذا كان قد أتمها ولم يتم الخامسة عشرة من عمره أمر القاضي بديلاً عن العقوبة المقررة بتوقيع أحد التدابير الاحترازية المنصوص عليها في قانون رعاية الأحداث.ب- إذا أتم الشخص الخامسة عشر سنة شمسية من عمره متمتعاً بقواه العقلية صار مسئولاً مسئولية جنائية تامة.جـ- تنفذ عقوبة الحبس في حق من أتم الخامسة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره في دور تأهيل ورعاية الأحداث فإذا أتم الثامنة عشرة ولم يقض ما عليه من عقوبة ينقل إلى السجن العام.)).ويتضح من خلال ذلك أن تعديل النص على النحو الوارد في المشروع ينطوي على عيوب خطيرة أخرى نبين بعضها فيما يلي:أولاً : تعارض الفقرة (أ) من النص المقترح مع الفقرة (ب) من ذات النص، حيث تنص الأولى على انعدام المسئولية الجنائية بالنسبة للطفل الذي لم يتم العاشرة من عمره، بينما تنص الثانية على توافر المسئولية الكاملة بتمام الخامسة عشرة، هو أمر لا يصح قانوناً كما أنه لا يستقيم عقلاً ولا منطقاً، ذلك أنه، إذا كان المناط في تحديد المسئولية الجنائية هو القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، فمن البديهي أن الطفل الذي لا يقدر على التمييز إلا في تمام العاشرة، فهو، كقاعدة عامة، لن يمتلك القدرة التامة عليه ببلوغ سن الخامسة عشرة سنة، ما يجعل مقتضى العقل والمنطق أن تكون سن المسئولية الجنائية التامة هي الثامنة عشرة، وفي الوقت ذاته وجود منطقة وسطى بين هذه وسن عدم المساءلة الجنائية، كما أن من شأن رفع سن المسئولية الجنائية إلى عشر سنوات، تشجيع الأحداث على ارتكاب الجرائم دون مساءلة، وهو أمر الملاحظ فيه عدم مراعاة ظروف اليمن التي يبلغ فيها الحدث الوعي الملائم بالجريمة في سن مبكرة، بسبب كثرة جرائم القتل بباعث الثأر وانتشار السلاح الناري والأبيض ... الخ، وانتشار الأمية، وتدني الوعي القانوني لدى المواطنين ... الخ.ثانياً : إن إلغاء مرحلة المسئولية الجنائية الناقصة في النص المعدل، والتي يحكم فيها على الحدث بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة، والاكتفاء بإيقاع أحد التدابير المنصوص عليها في (قانون الأحداث) على الحدث الذي يرتكب إحدى الجرائم الجسيمة أو غير الجسيمة بين العاشرة والخامسة عشرة، من شأنه أن يشجع الأحداث الذين توجد لديهم قابلية الجنوح، ومن باب أولى الجانحون منهم، على الولوج إلى عالم الجريمة والتغلغل في مستنقع الإجرام لعدم وجود المساءلة والعقاب، بل قد يؤدي هذا التهاون في النص القانوني إلى أن يدفع بعض الأقرباء، كالآباء، بأبنائهم والإخوة بإخوتهم، إلى ارتكاب جرائم خطيرة كالقتل والاغتصاب وهتك العرض والإيذاء الجسماني الجسيم، واثقين بأن المجرمين الأحداث من أقربائهم سوف يتم إلحاقهم بأحد دور رعاية وتأهيل الأحداث بدلاً من عقابهم على نحو رادع على الجريمة التي ارتكبوها بتحريض من ذويهم.ثالثاً : يتعارض النص المعدل مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها اليمن بشأن حقوق الطفل، والتي تعتبر أن سن الثامنة عشرة هو الحد الذي تكتمل فيه المسئولية الجنائية للشخص.رابعاً : من عيوب النص المعدل الوارد بالمشروع، اعتبار الشخص الذي لم يبلغ الثامنة عشرة سنة حدثاً عند تنفيذ العقوبة السالبة للحرية، بينما يجري اعتباره كامل الأهلية إذا كانت العقوبة بدنية أو مالية، وهذا الازدواج في المعاملة الجنائية غير مبرر، لأن المقرر عالمياً هو أنه لا يجوز أن يخضع المحكوم عليه الذي لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره للعقوبات البدنية (إعدام - قطع - جلد).خامساً : إن النص البديل المقترح من قبل اللجنة متضارب في صدره وعَجُزِه، فالصدر قد نص على اتخاذ أحد التدابير ضد من لم يبلغ الخامسة عشرة، بينما ورد في عَجُزه أنه بمجرد بلوغه هذه السن يساءل مساءلة جنائية تامة، بحيث يتم إعدامه إذا ارتكب جريمة عقوبتها الإعدام، بينما الثابت هو أن الفترة المقدرة بـ (خمس سنوات) من العاشرة حتى الخامسة عشرة، غير كافية لنضوج قدرات وإدراك مقترف الجريمة إلى الحد الذي يصير بها إلى الاكتمال، ناهيكم عن أن الأهلية التجارية هي سن الثامنة عشرة فيلزم، من باب أولى، أن تكون المساءلة الجنائية التامة هي هذه السن، فإذا لم يبلغها فيسأل مسئولية غير تامة أي ناقصة.ويتضح مما أوردناه أن النص القانوني النافذ [المادة (31)] من القانون أكثر ملاءمة وصلاحية من التعديل المقترح من قبل اللجنة.المــادة (33)العيـــب العقلـــيالنــص الحالــي((لا يسأل من يكون وقت ارتكاب الفعل عاجزاً عن إدراك طبيعته ونتائجه بسبب:1 - الجنون الدائم أو المؤقت أو العاهة العقلية.2 - تناول مواد مسكرة أو مخدرة قهراً عنه أو على غير علم منه بها أو لضرورة، فإذا كان ذلك باختياره وعلمه عوقب كما لو كان الفعل قد وقع منه بغير سكر أو تخدير.)).النص بعد التعديل((لا يسأل جنائياً من يكون وقت ارتكاب الفعل عاجزاً عن إدراك طبيعته ونتائجه بسبب:1 - الجنون الدائم أو المؤقت أو العاهة العقلية.2 - تناول مواد مسكرة أو مخدرة قهراً عنه أو على غير علم منه بها أو لضرورة أو إكراه، فإذا كان ذلك باختياره وعلمه عوقب كما لو كان الفعل قد وقع منه بغير سكر أو تخدير.)).الاقـــتراحيتعين إبقاء النص كما هو في القانون الحالي.أخطأت اللجنة، في مضمار تعديلها للمادة (33) من القانون النافذ، بإضافة عبارة ((أو إكراه)) إلى الفقرة الثانية من المادة المذكورة بحيث صارت:((تناول مواد مسكرة أو مخدرة قهراً عنه أو على غير علم منه بها أو لضرورة أو إكراه)).والواضح أن هذا التعديل مجرد تزيُّد في الألفاظ، يتعارض مع الدقة والإيجاز اللذين يجب أن تتسم بهما النصوص القانونية وخاصة العقابية منها، فتناول الفاعل للمخدر أو المسكر (قهراً عنه) يتضمن معنى الإكراه، ومن ثم، فليس هناك داع أو مبرر لإفراد الإكراه بلفظ خاص، اللهم إلا إن كان المراد من التعديل هو التلاعب بالألفاظ والإكثار منها دون توخي المدلولات، ليقال فحسب، أنه تم التعديل؟!لذلك يتعين إبقاء النص كما هو في القانون الحالي.المــادة (35)والمادة المضافة بعدهاالإكراه المادي والقوة القاهرةالنــص الحالــي((لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط إكراه مادي يستحيل عليه مقاومته، أو بسبب قوة قاهرة، ويكون فاعل الإكراه مسئولاً عن الجريمة التي وقعت. ويستثنى من ذلك القتل وتعذيب الإنسان فلا ترفع المسئولية فيهما عن المكره ومن أكرهه)).النص بعد التعديل((لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط إكراه مادي يستحيل عليه مقاومته، أو بسبب قوة قاهرة، ويكون فاعل الإكراه مسئولاً عن الجريمة التي وقعت)).النــص المقتــرح((لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط إكراه مادي يستحيل عليه مقاومته، أو بسبب قوة قاهرة، ويكون فاعل الإكراه مسئولاً عن الجريمة التي وقعت. ويستثنى من ذلك القتل وتعذيب الإنسان فلا ترفع المسئولية فيهما عن المكره ومن أكرهه)).يلاحظ على المادة (35) المعدلة في المشروع ما يلي:الملاحظة الأولى : شطبت اللجنة عبارة ((ويستثنى من ذلك القتل وتعذيب الإنسان)) من النص النافذ، بحيث لم يعد النص المعدل يشمل، بحمايته، من يقع ضحية للقتل أو للتعذيب. وهذا خطأ جسيم وتحيز ماكر إلى جانب القائمين بالتعذيب، لأن شطب العبارة المذكورة يبيح لذوي الشأن (الشرطة السرية أو العلنية مثلاً) ممارسة التعذيب دون مساءلة، بحجة أنهم إنما ينفذون، مكرهين، أوامر متبوعيهم في التدرج الوظيفي.الملاحظة الثانية : خلت المادة المضافة بعنوان (الإكراه المعنوي) من عبارة ((وتعذيب الإنسان)) واكتفت بعبارة ((الإيذاء الجسيم))، وفي ظن اللجنة، ربما، أن هذا يشمل أيضاً التعذيب، وهو تصور خاطئ واعتقاد مغلوط، لأن التعذيب قد لا يرقى إلى درجة (الإيذاء الجسيم) ومع ذلك يعاقب من مارس التعذيب سواء المادي أو المعنوي عن جريمة لم ترد فقط في قانون العقوبات، بل إن الدستور نص عليها في المادة (48) منه وجعلها من الجرائم الخطيرة التي لا تسقط بالتقادم.ويتضح من خلال التعديل، أنه قد جرى، عمداً، شطب عبارة ((القتل وتعذيب الإنسان))، وذلك لتسويغ أعمال التعذيب الذي يمارسه البعض في الأجهزة ذات العلاقة والحيلولة دون مساءلتهم جنائياً عن أعمال التعذيب لمن يقع من الضحايا في براثنهم، سواء أكان الاشتباه بالمجني عليهم سياسياً أم جنائياً.لذلك يجب بقاء العبارة التي شطبتها اللجنة كما هي في نص المادة (35) وإضافتها إلى المادة المضافة بعدها بحيث يصير نص هذه كما يلي:((لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط إكراه مادي يستحيل عليه مقاومته، أو سبب قوة قاهرة، ويكون فاعل الإكراه مسئولاً عن الجريمة التي وقعت، ويستثنى من ذلك القتل وتعذيب الإنسان فلا ترفع المسئولية فيهما عن المكره ومن أكرهه)).الملاحظة الثالثة : لم تبين اللجنة في المادة المضافة بعد المادة (35) ما هي العقوبة التي تطبق على من يكره غيره على ارتكاب جريمة حدية كالزنا والسرقة والقذف وشرب الخمر، إذ أنه لا يمكن أن يعاقب المكرِه (بكسر الراء) بالعقوبة الحدية، ولا يجوز كذلك أن يترك دون عقاب ولا حتى أن يترك أمر تقدير العقوبة للقاضي، لأن من شأن ذلك تفاوت العقوبة وفقاً لاجتهادات القضاة، وذلك يخل بمبدأ المساواة أمام القانون.وعليه نقترح أن يكون نص المادة المضافة كما يلي:الإكـــراه المعنـــويمادة مضافة :((لا يسأل جنائياً من أقدم على ارتكاب جرم تحت تأثير الإكراه بالتهديد أو الإيلام أو الوعيد من قادر، وتكون المسئولية على الذي أكرهه إلا القتل وتعذيب الإنسان والإيذاء الجسيم فتكون المسئولية على المكره ومن أكرهه، وكذلك في جرائم الحدود يعاقب كلاهما بالعقوبة التعزيرية المقررة للجريمة في حال سقوط الحد أو امتناعه)).المــادة (37)الغلط في الوقائع والقانونالنــص الحالــي((ينتفي القصد إذا وقع الفعل المكون للجريمة بناءً على غلط في واقعة تعد عنصراً من عناصرها القانونية أو في ظرف لو تحقق لكان الفعل مباحاً، على أن ذلك لا يمنع من عقاب الفاعل على ما قد تتخلف عن فعله من جريمة غير عمدية أو أية جريمة أخرى ولا يقبل الاحتجاج بجهل أحكام هذا القانون ومع ذلك يعتد بالجهل بقاعدة مقررة في قانون آخر متى كانت منصبة على أمر يعد عنصراً في الجريمة.)).النص بعد التعديل((ينتفي القصد إذا وقع الفعل المكون للجريمة بناءً على غلط في واقعة تعد عنصراً من عناصرها القانونية أو في ظرف لو تحقق لكان الفعل مباحاً، على أن ذلك لا يمنع من عقاب الفاعل على ما قد ينتج عن فعله من جريمة غير عمدية أو أية جريمة أخرى، ولا يقبل الاحتجاج بجهل أحكام هذا القانون ومع ذلك يعتد بالجهل بقاعدة مقررة في قانون آخر متى كانت منصبة على أمر يعد عنصراً في الجريمة.)).نرى فيما يخص المادة (37) من مشروع القانون ما يلي:إما أن تستبدل كلمة ((نشاط)) بكلمة ((فعل))، ليس فقط في المادة (37) من مشروع القانون، وإنما حيثما وردت فيه، وذلك لأن كلمة ((نشاط)) تشمل الصور المختلفة للسلوك الإجرامي (فعل - امتناع - ترك)، أو أن يضاف إلى كلمة ((فعل)) كلمتيْ ((امتناع وترك))، وإلا صار التجريم قاصراً على شكل واحد فقط من أشكال السلوك البشري هو (الفعل المادي) فحسب دون الترك والامتناع، وهذا قصور بيِّن يلزم تفاديه.المــادة (42)(1)ديـــــة المـــــرأةالنــص الحالــي((يتحدد الأرش فيما عدا ما تقدم بما يلي :1 - في الجائفة أو الأمة أو الدامغة ثلث الدية. 1/ 3 (1/333 مثقال).2 - في الناقلة ثلاثة أرباع خمس الدية. 3/ 20 (150 مثقال).3 - في الهاشمة عشر الدية. 1/ 10 (100 مثقال).4 - في الموضحة نصف عشر الدية. 1/ 20 (50 مثقال).5 - في السمحاق خمسا عشر الدية. 1/ 25 (40 مثقال).6 - في المتلاحمة خمس ونصف عشر الدية. 3/100 (30 مثقال).7 - في الباضعة خمس عشر الدية. 1/ 50 (20 مثقال).8 - في الدامية الكبرى ثمن عشر الدية. 1/ 80 (12.5 مثقال).9 - في الدامية الصغرى نصف ثُمن عشر الدية. 1/ 160 (6.25 مثقال).10 - في الخارصة أو الوارمة نصف عشر الدية. 1/ 200 (5 مثقال).11 - في المخضرة والمحمرة أو المسودة خمسا عشر الدية. 1/ 250 (4 مثقال).ودية المرأة نصف دية الرجل وأرشها مثل أرش الرجل إلى قدر ثلث دية الرجل ويُنصف ما زاد، ويعتمد في تحديد نوع الإصابة على تقرير من طبيب مختص أو أهل الخبرة وإذا طالت الإصابة أو سرت إلى ما لم يقدر أرشه فيلزم حكومة بما تراه وتقدره المحكمة.)).النص بعد التعديلرأت اللجنة إعادة صياغتها وذلك بوضع جدول يبين أنواع الأروش وتفصيلها وتحديد نسب الأروش، ثم تقدير كل أرش بالعملة الورقية وفقاً للتحديد الجديد للدية.نصت المادة (42) من مشروع القانون على حكم يتضمن تكريس قانون العقوبات النافذ فيما يخص عدم مساواة المرأة بالرجل في الدية.وقد كان يجب تعديل نص المادة (42) من القانون النافذ، لتصبح دية المرأة في مشروع القانون مساوية لدية الرجل، وذلك للأسباب التالية:السبب الأول : أن الرأي الفقهي الغالب والمعمول به في شتى أنحاء المعمورة، هو لزوم تساوي المرأة والرجل في الدية لتساويهما في القصاص.السبب الثاني : أن الانتقاص من دية المرأة يتعارض مع المواد (25 ، 31 ، 41) من الدستور اليمني والعهود والمواثيق الدولية الموقع عليها من اليمن، والتي يجب الالتزام بها، وفقاً للمادة (6) من الدستور.السبب الثالث : أن العلة في المساواة واحدة، وهي الحرمان من الحق في الحياة أي قتل الإنسان الموجب للدية، فلا يجوز، من ثم، التمييز، في الحكم، من حيث جنس الضحية رغم اتحاد العلة.وقد ورد في أحد أهم المراجع الفقهية الشرعية اليمنية وهو (شرح الأزهار)، أن مساواة الرجل والمرأة في الدية مقرر لدى العديد من الفقهاء والأئمة وفي مقدمتهم الإمام (زيد بن علي) والإمام الشافعي والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني والإمام أحمد بن عيسى والإمام يحيى بن حمزة، وحجتهم في ذلك عموم قوله تعالى: (النفس بالنفس))، ((والجروح قصاص))، إضافة إلى أن الإمام (علي بن أبي طالب) قد روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن آخر ما عهد إليهم به هو: (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم)، ما يدل على أن علة التكافؤ في الدماء هي الكينونة البشرية ذاتها، لا الجنس، كما أن عموم الحديث النبوي الشريف يقضي بأن لا فرق بين الرجل والمرأة في الدية.السبب الرابع : تعارض ما ورد في مشروع قانون العقوبات بشأن تقرير عدم المساواة في الدية مع الدستور، وذلك من حيث تضاد التمييز بين الرجل والمرأة في الدية مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص في المادة (6) منه على أن الناس يولدون سواسية ولا يجوز التمييز بينهم بسبب الجنس من حيث كون الإنسان ذكراً أم أنثى.المــادة (42)(2)تحديــــد الأرشتنص المادة (42) على أن أرش المرأة (دية الجراح) أقل من أرش الرجل طبقاً للتفصيل الوارد في المادة المذكورة.ويتضح من ذلك أن المادة (42) من مشروع القانون تنطوي على مخالفة صريحة للمادة (25) من الدستور اليمني، والتي تنص على أن المجتمع اليمني يقوم على أساس العدل والحرية والمساواة، كذلك المادة (41) منه التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، كذلك المادة (31) منه والتي تنص على أن النساء شقائق الرجال.وبالإضافة إلى ذلك فإن الإجماع، في عصرنا، هو أن دية المرأة وأرش جراحاتها يجب أن يساوي دية وأرش الرجل.ولا يقتصر تعارض المادة (42) من مشروع قانون العقوبات مع الدستور اليمني فحسب، بل إنها تتعارض أيضاً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يمنع التمييز في الحقوق بين الناس بسبب الجنس.ولذلك لا بد من تعديل المادة (42) من القانون النافذ والمشروع أيضاً، بحيث تتساوى فيها دية المرأة مع دية الرجل وأرشها يصير كأرشه ولا ينصف ما زاد عن ثلث الأرش.الباب الثانيأحكام خاصة بالحدودهناك أحكام مشتركة بين الحدود الشرعية خلا منها (مشروع القانون)، وكان الأولى إيرادها وضمها إلى ما هو موجود فيه من أحكام الحدود في قسم مخصص لها، بدلاً من تكرارها في مواضع متعددة في مشروع القانون، ومن هذه الأحكام المشتركة: شروط المسئولية، ومعاملة الحدث، والإثبات، وتداخل الحدود، وأحكام التقادم، وقواعد التنفيذ، والإحالة فيما لا نص فيه، كما أن هناك مسائل في مشروع القانون أوجزت (اللجنة) فيها غاية الإيجاز أو أغفلتها كلية، وكان التفصيل فيها ألزم أو أنسب، ومنها: موضوع الشبهات والإثبات والتقادم، كما أن هناك أموراً غايرت (اللجنة) في أحكامها لغير علة ظاهرة، رغم أنه كان من اللازم توحيدها، كبعض المسائل المتعلقة بالإثبات في الحدود كما سوف يتضح من خلال الاطلاع على الملاحظات الواردة على المشروع في مواضعها من هذا الكتاب.المــادة (47)إسلام مرتكب الجريمةالنــص الحالــي((يسقط الحد إذا أسلم مرتكب الجريمة بعد ارتكابها ولو بعد الردة ويستثنى من ذلك حد القذف)). النص بعد التعديل((يسقط الحد إذا أسلم مرتكب الجريمة بعد ارتكابها ويستثنى من ذلك حد القذف)).شطبت في مشروعها (لجنة تقنين أحكام الشريعة) في مجلس النواب من نص المادة (47) في قانون العقوبات النافذ عبارة ((ولو بعد الردة))، على الرغم من أن هذه العبارة هي إحدى ثمار الاجتهادات الفقهية لفقهاء وعلماء اليمن المستنيرين منذ زمن طويل، والملاحظ هنا أن الردة المقصودة في المادة (47) من القانون ليست ارتداداً حقيقياً عن الإسلام، وإنما هي عبارة عن إجراء شكلي بقصد التخلص من عقوبة الحد الخطيرة التي قد تكون الإعدام (الرجم) في زنا المحصن أو قطع الأطراف في بعض جرائم الحدود كالسرقة الموجبة للقطع.ولعل السبب في الاجتهاد الفقهي الصحيح الموجود في قانون العقوبات النافذ والذي يتضمن (حيلة) شرعية، هو جعلها ذريعة لإسقاط الحد، باعتباره عقوبة استئصالية خطيرة، والاكتفاء، بدلاً عنه، بالعقوبة التعزيرية، وذلك نزولاً عند الحديث النبوي الشريف: (ادرؤوا الحدود بالشبهات وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم).وقد أخذ المشرع اليمني عبارة ((ولو بعد الردة) الموجودة في القانون النافذ من كتاب (ضوء النهار)، ص (2265) حيث ذكر العالم الجليل مؤلف الكتاب ما يلي :((ويسقط الحد بتجدد إسلامه (الزاني) وسواء أكان إسلامه بعد الردة عن الإسلام أو بلا ردة كالذمي يزني ثم يسلم لحديث: الإسلام يجب ما قبله)).وفي مضمار التبرير الشرعي في ص (2248) من (ضوء النهار): أن (الإمام الناصر) يرى سقوط الحدود بالتوبة محتجاً بما تقدم في حديث ابن هزال لعله أن يتوب فيتوب الله عليه.وعلى الرغم من صحة ورجحان هذه المرجعية الفقهية الشرعية المعتمدة، فقد قامت (اللجنة) بشطب عبارة ((ولو بعد الردة)) في النص الوارد بمشروع القانون المعد من قِبلها.المـادة (48)إسقاط الحدود وتأخيرهاالنــص الحالــي((لرئيس الجمهورية أن يأمر بتأخير إقامة الحد كما له أن يأمر بإسقاطه متى اقتضت المصلحة ذلك، وذلك فيما لا يتعلق به حق الآدمي)).النص بعد التعديل((لرئيس الجمهورية أن يأمر بتأخير إقامة العقوبة في الجرائم السياسية كما له أن يأمر بإسقاطها متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، وذلك فيما لا يتعلق به حق الآدمي)).الاقـــتراحنرى بقاء النص القانوني الحالي كما هو وعدم حذفه أو تعديله.أوجــه الاعــتراض :الوجه الأول : ألغى التعديل الذي أجرته اللجنة على المادة (48) من قانون العقوبات النافذ، حق رئيس الجمهورية المكفول شرعاً ودستوراً، في تأخير إقامة الحد أو إسقاطه فيما لا يتعلق به حق خاص لإنسان، أي فيما هو حق خالص لله تعالى.ويؤخذ على التعديل الخطير الذي أوردته اللجنة وتضمن تجريد رئيس الجمهورية من حقه الشرعي والدستوري في إسقاط الحد للمصلحة ما يلي:أولاً : إن الحدود المقصودة في المادة (48) من القانون النافذ هي ما يتعلق بحق خالص لله تعالى، والمعلوم أن الله سبحانه لا يتولى إقامة الحدود بنفسه، تعالى عن ذلك، بل أوكل أمر إقامتها إلى ولي أمر الأمة وهو في اليمن الآن (رئيس الجمهورية)، الأمر الذي نجد أساسه والشاهد عليه في قوله تعالى: ((إني جاعل في الأرض خليفة)) ، فكما أن لولي الأمر إقامة الحدود فله تأخيرها أو إسقاطها انطلاقاً من ذات الأساس وترجمة لحكمة الله في الاستخلاف، طالما اقتضت مصلحة الأمّة ذلك، وحال الحدود هو حال (الخُمس - مثلاً -) فهو - أي الخمس - مفروض من الله عز وجل بقوله ((واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خُمُسه))، فهو لله وإن كان لا يحتاجه سبحانه جل شأنه، بل يتم تخصيصه لفئات معينة حيث أوكل أمر توزيعه إلى ولي أمر الأمة (الحاكم الزمني أو الديني أو هما معاً حسب ظروف الزمان والمكان).ثانياً : إن القول بأن الحدود فرضها الله على ولي الأمر فلا يجوز له، من ثم، تأخيرها أو إسقاطها، مردود عليه بأن العقوبات التعزيرية فرضها الله أيضاً على الحاكم (ولي الأمر)، إذ يجب عليه، جرياً على معتقد (لجنة تقنين أحكام الشريعة)، تطبيق التعزير طالما تم سنُّ كِلاَ الحد والتعزير، شرعاً، لردع الفعل القبيح المحظور وكانت مصلحة الأمة تقتضي ذلك، وإلا عُدّ ولي الأمر، طبقاً لفكر أصحاب اللجنة، ظالماً جائراً مخلاً بأداء واجب الولاية التي تقلدها، مفرطاً في واجباته الشرعية والدستورية؟!وأما كون الله جل وعلا أفرد للحدود نصوصاً خاصة بها، فإن ذلك لا يعني تجريد الحاكم الإسلامي (رئيس الجمهورية) من ولاية الترجيح في مجال تطبيقها، وإنما يظهر أثر ذلك في أن الحاكم (ولي الأمر) ليس له إقرار حد غير المفروض من الله جل وعلا أو إلغاؤه ابتداءً وكلية بحيث لا يتضمنه القانون اليمني، كما أن الإجماع منعقد على أنه يجوز لولي الأمر (رئيس الجمهورية) الزيادة على الحد للتعزير، وإلا كان في الزيادة خروجاً على النص، لكن المصلحة سوغتها وكذلك الأمر بالنسبة للتأخير والإسقاط، وبالتالي فإن أساس العقوبتين الحدية والتعزيرية واحد وغايتهما وأهدافهما واحدة، فلا يكون، ثَمّ وجه للمفاضلة بينهما، بحيث يصبح الحد واجب التطبيق مطلقاً والتعزير ليس كذلك.ثالثاً : لقد أجمع فقهاء وعلماء الشريعة اليمنيون الأوائل المستنيرون أمثال: (الحسن بن أحمد الجلال) مبدع (ضوء النهار) و (عماد الدين يحيى بن مطهر) صاحب (البيان الشافي) و (أحمد بن يحيى المرتضى) مؤلف كتاب (الأزهار) و(أحمد بن قاسم العنسي) مصنف (التاج المذهب) وآخرين، بأن التعليل بالحكمة والمصلحة للنصوص الشرعية أكثر تحقيقاً لمقاصد المشرع، تأسيساً على أن المصلحة تدور معها الأحكام وجوداً وعدماً . وما دامت مصلحة البلاد والعباد، في عصرنا الحديث، تقتضي تخويل ولي أمر الأمة، وهو رئيس الجمهورية، تأخير الحد أو إسقاطه فله ذلك.وعلـى سبيـل المثال فقد ورد في (ضوء النهار)، المجلد الرابع، ص (2238) ما يلي:((وأما أن الإمام يجوز له إسقاطها عن من استحقها فينبغي أن يقيد بما إذا علم أن في فعلها ضرراً على المسلمين لأن الواجب إنما يسقط بالأضرار)).وفي ص (2239) من ذات المرجع الفقهي، المعتمد رسمياً بواسطة (مجلس القضاء الأعلى) كمرجع شرعي - فقهي أساسي، أن الواجب يسقط بالإضرار وأن التعليل بالمصالح والمفاسد يصح إذا نيط بضابط كما نيطت المشقة بالسفر في القصر. وعند الشيخين وأبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنـه وعند أبي داود أيضاً من حديث يزيد بن نعيم بن هزال أن النبي صلى الله عليـه وآله وسلم قـال لراجمي ماعز حين أخبروه بجزعه من الحجـارة: هلا تركتموه؟!وفي رواية موثوقة أن (ماعزاً) لما وجد مس الحجارة، صرخ: يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قاتلي، قال جابر: فلم ننـزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه قال ألا تركتموه وجئتموني به. وعند أحمد من حديث أبي بكر أن الرجم لا يدل على القتل وإن دل عليه اصطلاحاً.كما ورد في ص (2240) من (ضوء النهار):((نعم في إعراضه صلى الله عليه وآله وسلم عن ماعز وعن الغامدية بعد إقرارهما حتى تكرر الإقرار منهما دليل على عدم وجوب الرجم خاصة بدليل أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرجم أحداً ممن أمر برجمه إلا بعد أن طلب منه التطهير وعندي أن نسخ تلاوة آية الرجم إنما كان لذلك وأما قول ابن عباس فيما أخرجه الجماعة عنه إلا النسائي أن الرجم في كتاب الله لحق على من زنا إذا أحصن ومثله في الموطأ عن عمر موقوفاً مع ظاهر الأمر فغفلة عن أن من معانيه الإباحة فيجوز إسقاطه للمصلحة)).رابعاً : إن مصادر التقنين في اليمن المتمثلة في المدونات الفقهية وأهمها: (متن الأزهار) للإمام المجتهد العلامة أحمد بن يحيى المرتضى و (شرح الأزهار) للعلامة المجتهد أحمد بن مفتاح و (البيان الشافي) للإمام العلامة المجتهد عماد الدين يحيى بن أحمد بن مطهر و (ضوء النهار) للإمام العلامة المجتهد الحسن بن أحمد الجلال ... وغير ذلك من مدونات الفقه الشرعي في اليمن، تتضمن، صراحة، الإجماع على حق الحاكم الإسلامي (الإمام - رئيس الجمهورية - الملك ... الخ) في إسقاط الحدود الشرعية للمصلحة.خامساً : إن الفقه الشرعي والقانوني اليمني المستنير القديم والحديث، حين منح (ولي الأمر) الإمام سابقاً و (رئيس الجمهورية) حالياً، ولاية تأخير الحد أو إسقاطه، فإن ذلك، باعتبار أن ولي أمر المسلمين في اليمن (رئيس الجمهورية)، مؤتمن على تطبيق أحكام الشريعة فيتحرى مقاصدها والمصالح التي ترعاها والغايات التي ترمي إليها، وبالتالي فإن مصادرة حق (رئيس الجمهورية) في إسقاط الحدود أو تأخيرها للمصلحة يعتبر طعناً، دون وجه حق، في ولايته الشرعية وبرهاناً على أن من حرموه من الحق الذي كان يملكه أئمة اليمن عبر الزمن وهو إسقاط الحد للمصلحة، يعتبرون ولاية (رئيس الجمهورية) غير شرعية، لأنه لا يملك مواصفات (الإمام) المعلومة في كتب الفقه حتى يتم تخويله إسقاط الحدود الشرعية كما هو الحال بالنسبة لـ (الإمام).سادساً : إن إيراد النص بالصيغة المعدلة من قبل اللجنة يترتب عليه إلغاء حق العفو عن كافة العقوبات المقرر لرئيس الجمهورية بموجب نص المادة (539) من قانون الإجراءات الجزائية، ذلك أن النص الوارد في مشروع القانون موضوع هذه الملاحظات لاحق لنص المادة (539) المذكورة، فيكون ناسخاً لها، بحيث يقتصر حق رئيس الجمهورية على إسقاط العقوبة في (الجرائم السياسية) فقط دون غيرها من الجرائم التعزيرية، ومعلوم أن حق العفو لا يجوز نسخه، لارتباطه ارتباطاً وثيقاً بالمصلحة التي أناط المشرع برئيس الجمهورية تقديرها والتصرف على ضوئها، طبقاً للمادة (110) من الدستور، أما النص المطبق حالياً [المادة (48) من قانون العقوبات] فلا يترتب عليه القول بالنسخ، لأن إيراده كان من قبيل التأكيد على ولاية الرئيس في تقدير تطبيق الحد، ورفع التوهم بأن الحدود التي هي لله لا يجوز تأخيرها أو إسقاطها، وبالتالي يتبين أن النص الطعين في مشروع القانون يتعارض مع مبدأ تكامل النصوص التشريعية بخلاف النص القانوني النافذ، إذ ثبتت دستوريته ومواءمته وصلاحيته وفائدته الجمة للوطن والناس، خلال تطبيقه، كذلك اتساقه مع كافة النصوص القانونية الأخرى ذات الصلة.سابعاً : إن تطبيق الحدود الشرعية في ظل الظروف القائمة، سيكون مقصوراً على الضعفاء والمستضعفين في اليمن، أما المستكبرون من دهاقنة المال وأصحاب الجاه والممسكين بزمام السلطة، فسوف يكونون بمنأى عن المساءلة وفي منجى من العقاب، لأنهم يملكون من الوسائل والأساليب والإمكانيات ما يحول - كقاعدة عامة - دون تطبيق أحكام الشريعة ونصوص القانون عليهم.ثامناً : إن حقوق الله سبحانه وتعالى مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة بحقوق الإنسان الأساسية، ومن ثم، فإنه بدون تحقق هذه، لا مجال لتحقيق تلك، وحيث أن الثابت هو أن حقوق الإنسان تعاني من انتهاك وانتقاص شديدين، فإن الحدود ستظل مرتعاً للشبهات كما يؤكد ذلك معظم الفقهاء المستنيرين، مما يلزم معه درؤها إعمالاً للحديث النبوي الشريف: (ادرؤوا الحدود بالشبهات وادفعوا عن المسلمين القتل ما استطعتم).الوجه الثاني : ورد في المادة (48) من مشروع القانون محل هذه الملاحظات النقدية لفظ ((الجرائم السياسية))، وهنا يلاحظ ما يلي:الملاحظة الأولى : أنه ليس لهذه التسمية (الجرائم السياسية) وجود في القانون أو فصل أو باب مستقل ينص على تعريفها ويتحدث عن أنواعها، ما يتعين معه الرجوع إلى كتب الفقهاء لتحديد مدلول الجريمة السياسية، الأمر الذي يترتب عليه فتح باب الاجتهاد والآراء في هذا المجال الخطير، وكان الواجب تعريف هذا النوع من الجرائم لكي لا تختلط بغيرها أو تصبح باباً للتعسف وسوء استعمال السلطة.الملاحظة الثانية : إن تخويل رئيس الجمهورية حق إسقاط العقوبات السياسية فقط أو تأخيرها، وكذلك حق العفو الخاص بالنسبة لباقي الجرائم المنصوص عليها في المادة (539) من قانون الإجراءات الجزائية، دون الحدود، فيه تحكم بغير دليل وتخصيص بغير مخصص، ذلك أن من (الجرائم السياسية) ما يعتبر من الحدود كالبغي والحرابة، بل إن جميع (الجرائم السياسية) تدخل، طبقاً لمفهوم المشرع اليمني، ضمن قوله تعالى: ((فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله))، وكذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أراد أن يشق عصا الجماعة فاقتلوه)، وبالتالي فهي تعتبر حدوداً شرعية، وكان حرياً بالقائمين على التعديل، بناءً على نظرهم الخاطئ، أن يحرموا رئيس الجمهورية هذا الحق أيضاً باعتباره يتضمن حداً ورد بشأنه نص شرعي لا يحق له إسقاطه . ولكن (اللجنة) لم تفعل ذلك وإنما أعطت الحق لرئيس الجمهورية في إسقاط العقوبات في الجرائم السياسية ولو كانت حدية بينما حرمته من هذا الحق في غير هذا النوع من الجرائم؟!ولذلك نرى بقاء النص القانوني الحالي كما هو وعدم حذفه أو تعديله.[c1]* أستاذ علوم القانون الجنائي كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء المستشارالقانوني والمحامي أمام المحكمة العليا[/c]