ما هذا السعار الجاري اليوم في عالمنا العربي والإسلامي تجاه كل ما يتعلّق بالمرأة من قريب أو بعيد؟! لماذا أوضاع المرأة في عالمنا العربي والإسلامي في تقهقر مقارنة بما كانت تتمتع به في الماضي القريب؟! هل المرأة تتحمّل المسؤولية كاملة فيما آلت إليه أوضاعها من تردٍّ، أم أن المناخ الفكري والاجتماعي والسياسي يتحمّل جزءا كبيراً من المسؤولية؟! هل تقليم أظافر المرأة على الدوام، أدّى إلى أن تُصبح هشّة الإرادة في الدفاع عن حقوقها؟!لقد تملكتني الدهشة كما تملّكت الكثيرين غيري، من الحملة التي قادتها مجموعة من النساء داخل السعودية تحت شعار “ولي أمري أدرى بأمري”! قاصدات من ورائها إلغاء الحقوق التي تُنادي بها النساء المثقفات داخل السعودية، متغاضيات الطرف عن القصص المحزنة التي تقع يوميّا من زواج الصغيرات إلى طلاق النسب وغيرها من القضايا الشائكة!هل هذا يعني أن مقولة المرأة عدوة المرأة لها جانب كبير من الصحة، أم أن هناك قوى ظلاميّة خفية تصرُّ على العبث بمقدرات النساء السعوديات وتقنين أوضاعهن الاجتماعية؟! هل هذا يدل على أن أغلبية النساء السعوديات غير واعيات لحقوقهن، أم أن هناك عمليات غسيل مخ تجري أمام الملأ تقوم بها المؤسسات التربوية وبدعم من وسائل الإعلام، لإيهام المرأة أنها غير قادرة على إدارة شؤون حياتها بمفردها، والتشكيك في قدراتها الفكرية والعقلية لتظل تابعة للرجل؟!لكن لنكن صرحاء! هل هذه الهجمة على المرأة والنظر إليها كعورة بحاجة للاختباء عن الأعين طوال الوقت مقتصرة على المجتمع السعودي أم أن هذا الفكر المتطرف انتشر مثل النار في الهشيم في عدد من الدول العربية والإسلامية؟!أتذكّر في صغري عندما كان أبي يأخذنا إلى القاهرة لنمضي عطلتنا الصيفية، كنتُ أتأمل مبهورة النساء المصريات وهن يتبخترن في زيهنَّ العصري، ولم يكن حينها للنقاب أو العباءة السوداء أي أثر في شوارع القاهرة. لكن في السنوات الأخيرة صرت أراقب مستغربة تزايد أعداد المنقبات والمرتديات العباءات السود حتّى غدت رؤيتهن بهذا الشكل أمرا عاديّاً!كنتُ أتساءل... ما الذي أوصل مصر رائدة حركة التنوير في العصر الحديث إلى هذه الصورة القاتمة؟! أين ذهبت أفكار طه حسين وقاسم أمين والطهطاوي؟! متحسّرة على هدى شعراوي التي تلقّت سهام التقريع بصدرها بعد أن قامت بنزع “اليشمك” بيدها وقادت بنفسها حركة النضال ضد الاستعمار بجانب الرجل.لقد قامت الدنيا ولم تقعد، حينما صرّح رجل الأعمال المصري “نجيب سويرس” في تعليق له على تزايد أعداد المنقبات في مصر وانتشار العباءة السوداء فيها بأنها ليست مصر التي يعرفها! واتهمه مشايخ الدين وقتذاك بأنه يتدخل في شأن ليس من اختصاصه كونه قبطي الديانة!الحقيقة أن “نجيب سويرس” لم يُبالغ في الأمر، ويكفي أن يمشي المرء على كورنيش النيل في مصر ليرى العجب العجاب من شابات متلفعات بالسواد وهن ملهيات بتبادل النظرات مع الشباب!في زمن الفن الجميل كما يقولون، صدح عندليب الغناء عبدالحليم حافظ بأغنيته الشهيرة “يا أهلا بالمعارك”، ولو كان يعيش بيننا اليوم لغنّى “ يا أهلا بالبراقع”! بعد أن أضحت قضية النقاب معركة حامية الوطيس ما بين مؤيد ومعارض لها.القضية لم تعد مقتصرة على حرية ملبس، وإنما تجاوزتها لتُصبح قضية مسيّسة! قضية لا تنفصم عراها عن قصور فكري! فالمرأة لم تكن يوما فتنة تمشي برجلين على الأرض! والمرأة لن يكفل لها النقاب أو العباءة السوداء الحماية، كون الحماية تنبعث من العقل والوعي الاجتماعي، ونظرة المجتمع إلى المرأة كمخلوق مساوٍ للرجل، في قدرتها على أن تُُنتج وتعمل وتكون عضوا نافعا لمجتمعها.الكثيرون يتساءلون... ما الذي يجري؟! لماذا تراجع الفكر الواعي وتقدّم الفكر المتطرّف؟! لماذا أصبحت قضية المرأة هاجسا يقضُّ مضاجع رجال الدين، تاركين خلفهم تخلّف التعليم والأفكار المتطرفة التي تعبث بعقول شبابنا وتقوده إلى هوة الهلاك؟! لماذا غدا الجميع يسير إلى الخلف ويرفض المضي إلى الأمام بحجة الخوف على معيار الأخلاق من الانفلات؟! ألسنا بحاجة اليوم إلى صحوة فكرية واجتماعية وتعليمية لكي تنهض مجتمعاتنا من كبوتها، يُساهم فيها رجال الفكر المستنيرون كما حدث في عصور التنوير؟![c1]*عن/ صحيفة “الاتحاد” الإماراتية[/c]
|
اتجاهات
يا أهلا بالبراقع!
أخبار متعلقة