هذه هي واحدة من المقالات التي تستوجب منذ البداية تحديد الموقف حتى لا يحدث لبس أو التباس خاصة وأن الموضوع يتعلق بحرية الصحافة والصحفيين؛ والموقف القطعي هنا هو أنني من المطالبين والمؤيدين لضرورة رفع عقوبة الحبس في قضايا النشر والرأي .هذا الموقف لا يختلف في كثير أو قليل عن الموقف الذي اتخذته الجماعة الصحفية في مصر منذ عبرت عن وحدتها وموقفها خلال ما عرف بأزمة القانون 93 لعام 1995 وحتى الوقت الراهن، والذي جعل من القانون ــ بالإضافة إلي قوانين أخري خاصة برفع حالة الطوارئ وقانون استقلال السلطة القضائية ــ من أهم لبنات عملية الإصلاح السياسي في البلاد.وبعد هذا الاتفاق الأساسي في المبدأ يبدأ الافتراق في الجماعة الصحفية المصرية حول تعريف القضية وسبل التعامل معها؛ فكثيرا ما نجد تعريفا لها يجعل عقوبة الحبس وكأنها وجدت علي ما ينشر أو يكتبه صحفي أو مواطن سلك سبيلا إلي النشر، بينما في الحقيقة فإن العقوبة التي يقررها قاض عدل تكون علي ما ينشر من سب وقذف. هذا يختلف كثيرا عن ذلك الاعتقاد الذي يتصور القضية علي أن العقوبة تحدث لمجرد النشر في موضوع، أو نقد قاس لشخص بعينه، حتى وصل الأمر إلي الاستنكار التام لعمليات الصلح التي جرت من أجل التعامل مع جرائم سب وقذف حكم فيها القضاء بالفعل علي أساس أنه تخل إخلالا كبيرا بحقوق الصحفيين في نشر ما يعتقدون حتى ولو جاء هذا الاعتقاد في أشكال عدها القانون جريمة لأنها تتجاوز التعبيرات الخاصة بالرأي إلي التشهير بالأشخاص أو الحكم في قضية لم يصدر بشأنها حكم قضائي وبالتالي تجاوز القاعدة الشهيرة بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.لا يوجد في كل الأبواب المعروفة لحرية الصحافة ما يعطي الصحفيين الحق في تداول القضايا ثم الحكم فيها بالإدانة وفوقها تشويه السمعة حتى قبل أن تنتهي إجراءات التقاضي المختلفة. وكم من القضايا عرضت علي الرأي العام وجري تداولها في المحاكم بينما كانت صحف متعددة قد حسمت القضية وحكمت عادة ضد كل موظف عام باعتباره لصا للمال العام ثم بعد ذلك حكمت المحاكم له بالبراءة التامة ثم لم يصدر اعتذار واحد أو رد اعتبار من هذه الصحف.الحقيقة الثابتة هي أن عددا غير قليل من الصحفيين أصبحوا الآن في ساحات المحاكم، وبدأت الأحكام تصدر بسجن الصحفيين بالفعل، وكان ذلك ناتجا من الناحية القانونية وحسب ما حكم به القضاة أن جريمة للسب أو القذف أو كلاهما معا قد تم ارتكابها، ولكن ذلك لا ينبغي له أن يغفل وقوع الجريمة في المقام الأول. ولذلك فإنه بالقدر الذي يسعى فيه جميع الصحفيين للتخلص من جريمة الحبس الجائرة، فإن جهدا مضاعفا يجب أن يبذل لمكافحة جرائم السب والقذف والافتراء الشائعة بين صحف مصرية مختلفة، بل أن قدرا غير قليل من السباق بينها علي أي منهم سوف يحرز سبقا في الإهانة والتشهير دون أدلة كافية، وبقدر غير قليل من غلظة اللفظ وسفاف التعبير والخلط بين ما هو عام وما هو خاص.ولعل في ذلك نوعاً من الامتهان للفن الصحفي والحرفية الصحفية وشرف المهنة ، فبشكل ما بدا أن الشجاعة في إبداء الرأي لا تكون إلا بتوزيع الاتهامات القاسية ذات اليمين واليسار استنادا إلي شائعات وتوقعات وافتراضات، أما الجرأة في النقد فلا تكون الا بالتشهير بالأعراض والطعن بالذمة والسمعة والشرف . أما المشكلة التي تقل أهمية فهي أن الصحافة قد باتت مسجونة في سجن التقييمات الأخلاقية للسياسات العامة، مع عجزها عن تقييمها ونقدها من خلال البدائل الممكنة. * كاتب مصري
|
مقالات
هذه ليست عقوبة الحبس التي نطالب بتحرير الصحفيين منها !
أخبار متعلقة