الأخطاء الطبية كارثة إنسانية
د. زينب حزام:أخطاء الأطباء... جريمة لا تغتفر، لأن ضحيتها إنسان بريء.. من المسؤول عن انتشار العيادات الطبية العشوائية التي يذهب ضحيتها عشرات المرضى . سنتان ونصف مرت وأنا في رقدتي هذه. مكّومة على نفسي فوق السرير، تحيط بي الوسائد من كل جهة، حتى لا أنزلق مثل إخطبوط أخرج إلى اليابسة من الماء. يمر الوقت بطيئاً جداً وأنا في المكان نفسه أصارع المرض الذي يفتك بعظامي ولا ينقذني منه إلا هذا الدواء المسكن للآلام، أنظر عبر النافذة إلى الشارع، أراقب المارة والسيارات بعينين زائغتين، أحاول أن أفكر فلا أستطيع. وكيف تستطيع امرأة أن تفكر وقد فقدت جسمها الذي بدأ ينحل وعظامها التي يفتتها هذا المرض الخبيث؟!. أعيش كأنني لا أعيش، فالإنسان يعيش إذا كان يتنفس ويأكل، ويشرب، ويحب، ويكره، ويقبل على الحياة ساعياً من أجل المستقبل أما أنا فلا أمارس شيئاً من هذا، أصحو بل أغمض عيني وأفتحهما في نفس المكان، أنظر من حولي فلا أرى إلاّ الجدران، أحاول أن أسمع ضجيج أولادي فلا يتناهى إلى مسامعي أي صوت، لا يدخل أحدهم غرفتي إلا ليعطيني كوب الماء أو الشاي أو الطعام أو الدواء، كل من يزورني في العصرية أو المساء يضع وجهه مقابل وجهي ويتكلم بصوت منخفض رحمة بي وشفقة على حالي، وعندما يفشل في تخفيف آلامي تنحدر دمعة من عينيه، ويطبق الصمت على الغرفة، أمضي ساعات وحيدة، ثم يدخل زوجي من جديد، يحمل بيده حبة الدواء المسكنة للآلام وباليد الأخرى كأس الماء ويمسك رأسي بيده ويسندني إلى صدره، وتندفع حبة الدواء في حلقي ويقرب كأس الماء، يندلق جزء من الماء في حلقي ويتبعه الباقي على ثيابي، “ فيبرطم” زوجي، ويتفوه بكلمات وهو يجفف الماء بمنشفة، وقبل أن يخرج من الغرفة يرفع عينيه إلى السقف، ربما يدعو لي بالشفاء أو يدعو لي بالموت لأريح وأستريح، فالكل قد تعب ومل من خدمتي، لأنني كثيراً ما أصرخ من شدة الآلام التي تمزق جسمي، وعندما ينتهي مفعول الدواء المسكن، أحتاج إلى حقنة مسكنة، ومن كثرة استخدامها لم يعد هناك مكاناً لها، حتى الدماء بدأت تنزف من موضع الحقنة المسكنة، لذا لجأ الطبيب إلى حرف الدواء لي عبر الفم، الكل بدأ يتعب من خدمتي، لذا أقضي ساعات طويلة أجهش بالبكاء، وأعوم في ملكوت الصمت كيف حدث لي هذا؟قبل سنتين ونصف كنت أنهض من فراشي مبكرة أصلي وأعد الإفطار لأفراد أسرتي المكونة من زوجي وولدي الكبير في الرابعة عشرة من عمره والصغير في العاشرة ، يذهبان إلى المدرسة ويذهب زوجي إلى عمله، وتدق الساعة السابعة صباحاً، فأسرع في الذهاب إلى عملي في منطقة التواهي، أتناول لقمتين على الماشي، و”أكرع “ كأس الشاي وأنا على كرسي المكتب أنظر من النافذة إلى البحر حيث ترسو البواخر على ميناء التواهي بعدن، وأسرع إلى الوظيفة وكشوفات الحسابات وأظل منكبة على الفواتير المالية حتى نهاية الدوام، و أعود إلى منزلي الكائن بالشارع الرئيسي في المعلا، أحمل معي ما أستطيع حمله، وأذهب إلى مدرسة ابني الصغير لصحبته إلى المنزل، وأعد وجبة الغذاء بأسرع وقت ممكن، أنظر بفرح إلى الأصابع التي تمتد إلى صحن “ الأرز” الساخن والصلصة بالسمك أو الدجاج، وتمسحه في لحظة، وأستريح قليلاَ ثم أتجه إلى المطبخ لتنظيف الأواني، ثم أستريح قليلاً حتى العصر، ويمضي اليوم هكذا.في مطلع شبابي، كانت لي أحلام واسعة أحياناً أتصور نفسي طبيبة ماهرة، وأحياناً صيدلية تقضي معظم وقتها في فحص الأدوية، كنت لا أمل من قراءة الكتب الطبية، لذا اكتشفت مبكراً أن ما أعانيه هو السرطان الخبيث.[c1]الخطأ الطبي يولد كارثة[/c]ذهبت مع زوجي إلى الطبيب الاختصاصي للأمراض الباطنية، بعد الفحص الأولي قال لي : أنت تعانين من آلام العمود الفقري، لذا سوف أسحب ماء من ظهرك. ثم أعطاني دواء خاصا بالعمود الفقري، لكن الآلام ازدادت بقوة ولم ينفع الدواء، ذهبت إلى طبيب باطني آخرو قلت له أخشى يا دكتور أنني مصابة بالسرطان ضحك الدكتور وقام بالفحص الأولي في مكان الآلام الحادة وأعطاني الدواء وقال ربما تكوني مصابة بمرض نفسي وأخذ يقص علي القصص.مر شهران وأنا من طبيب إلى آخر والآلام تزداد بقوة، لم أستطع المشي إلى مسافات قصيرة. عندما قررت أن أذهب إلى الفحص بالأشعة المجهرية وعندها اكتشفت الطبيبة أنه ورم كبير بين الظهر والرجل اليمنى وقد برز إلى البطن، ونصحت الطبيبة بالذهاب إلى اختصاصي أورام. كشف الطبيب حالتي وعملت عشرات التحاليل للدم والبول، ومنظار المعدة والأمعاء وصور إشعاعية للصدر، وصور ملونة لجهاز البول وتصوير محوري طبقي من قمة الرأس إلى أسفل القدم. ثم قرر الطبيب أن يفتح بطني ,اخذ عينة لمعرفة نوع الورم. وقدم لنا كشف فواتير العملية التي تقدر بمئتين وخمسين ألف ريال. دفعتها نقداً وعملت العملية الجراحية الكبيرة، فتح الطبيب الاختصاصي بطني ولكن المفاجأة لم يكن الورم في البطن، بل كان عبارة عن عضل في الظهر، لم يتمكن الطبيب قطعه. فأخذ عينة منه، وأعلن عن فشل العملية، ثم فحص العينة وإذا بها سرطان خبيث، نصح الطبيب بضرورة سفري إلى الهند لإجراء العملية الجراحية، ولكن إجراءات السفر عبر الأجهزة الحكومية من وزارة الصحة تستغرق ستة أشهر .بدأ المرض يتسلل إلى عظام فخدي، ثم تسلل إلى عمودي الفقري، كنت أنام وأصحو لأكتشف أن شيئاً قد سرق مني، تسلل المرض الخبيث إلى عظامي عظمة عظمة، كأن قوة رهيبة شفطتها، ثم زحف إلى معدتي وأمعائي لم أعد أقوى على تناول الطعام، وصارت اللقمة تسقط مباشرة إلى جوفي، وأسمع صوت ارتطامها بقوة، ولم أعد أقوى على الجلوس فوق السرير.وأخيرا جاءت الموافقة على السفر للعلاج في الخارج أي إلى الهند، وبعد إجراءات الهجرة والجوازات، تم سفري على نقالة حملت فيها إلى الطائرة وحجز مقعدين كي أتمدد عليهما وهناك وفي عيادة الطبيب الاختصاصي للأمراض السرطانية وفحص الطبيب الحالة فحصاً دقيقاً ثم غضب وقال: إنا كالعادة يحضر المريض في حالة متأخرة من المرض، قلت له: لا يا سيادة الطبيب لقد كشفت عن مرضي مبكراً ولكن الأخطاء الطبية هي التي قتلتني.حاول الطبيب طمأنتي عندما سألته هل هناك أمل في شفائي، فكر طويلاً، كأنه ينبش في ذاكرته بحثاً عن جواب، فصحت به: إنني أشعر بخواء عجيب، فقد تحول جسدي كله إلى كيس من الجلد لا يحوي شيئا همس الطبيب في أذني زوجي قائلاً بصوت منخفض: إن زوجتك مصابة بالسرطان الخبيث وسوف تموت بعد ستة أشهر.عدت إلى عدن خائبة الأمل، وحزن الجميع، كنت أصحو كل يوم وأتحسس جسمي وفراشي وأنظر إلى غرفتي ووجوه من حولي ؟. مرت سنة ونصف بعد عودتي من الهند والحبوب المهدئة، ليست علاجاً لكنها تساعد على استقرار الحالة ووقف التدهور.وفي أحد الأيام وفي تمام الساعة الثامنة صباحاً شعرت بنشاط غريب نهضت قليلاً من رقدتي وطلبت من زوجي إعطائي كوباً من اللبن شربت اللبن، ونظر زوجي إلي مستغرباً من قدرتي على تناول كوب اللبن تقلبت على الفراش يميناً ويساراً ثم نمت ولم أصحو من نومي.[c1]نداء إلى وزارة الصحة[/c]هناك عشرات الأخطاء التي يرتكبها الأطباء، ويذهب ضحيتها المرضى وقد يصل بالمريض في بعض الأخطاء الطبية إلى الاعاقة الكلية أو الجزئية، وأحياناً الموت، فلماذا هذا الإهمال من الجهات المختصة في حماية المرضى من الأطباء المتلاعبين في مهنتهم الإنسانية، كيف يتم الترخيص بفتح عيادات طبية لأطباء غير مؤهلين للمهنة؟!. إننا ندعو إلى فرض العقوبة الرادعة لكل طبيب يهمل تشخيص المرض ويضع الدواء الخاطئ للمريض ويعرض حياة هذا المريض للخطر، إن الطب مهنة انسانية والانسان أغلى شيء تمتلكه الدولة اليمنية، لذا يجب رعايته وحمايته وتوفير الحياة الكريمة له.