14 أكتوبر
كنا صغاراً لم ندلف فصول المدرسة بعد عندما شاهدنا رجلاً ملثماً يمشي في الشارع وهو يحمل في يده فوطة تطوي شيء ما يحرص أن يخفيه، ثم يدخل زقاقاً فنذهب لنشاهد ماذا سيفعل، فإذا به يقطع الزقاق حتى آخر ويتسلق جدار الزقاق ويخرج ذلك الشيء المطوي بالفوطة، ثم يقرقع صوت قوي فنهرب من باب الزقاق ونولي إلى البيوت وتقوم الدنيا في الشارع، ويأتي جنود مدججين بالبنادق وينتشرون على مداخل ومخارج الحواري في المنصورة /منطقة سكننا آنذاك/ بحثاً عن ذلك الملثم الذي كان قد أوقع إصابته فيهم وولى هارباً لا يعرفون له وجهة.كان ذلك الملثم لغزاً حتى كشفنا حقيقته انه مقاتل من فدائيي الثورة، ثورة 14 أكتوبر.. انه بطل يرسم هيئته في عقولنا الصغيرة حتى أصبح مثلاً، وأصبحت كلمة البطل تستدعي إلى الذاكرة تلك الهيئة "الملثم صاحب الفوطة التي تطوي بندقيته".. تلك الصورة تداعت إلى ذاكرتي اليوم وأنا بصدد الكتابة عن الثورة في ذكراها الثالثة والأربعين.نعم.. كانت لصورة الرجال الملثمين أكبر الأثر فينا، وكم كنا نتمنى أن نجد أنفسنا قد أصبحنا شباباً حتى نفعل فعلهم البطولي المجيد.ومرت السنون وكبرنا وفي مخيلتنا تلك الصورة التي تعيدنا إلى سني الثورة الأولى، كبرنا مع الثورة وعرفنا ان كثير من الأبطال الملثمين قد سقطوا شهداء وبذلوا الدماء من أجلنا.. من أجل ان ننعم بالحرية والاستقلال والسيادة، ومن أجل ان نحصل على التعليم والخدمات الصحية، ومن أجل ان نحلم كباقي البشر بالحياة الأفضل، ونكون أحراراً لنعمل على تحقيق احلامنا على الأرض.نعم صورة البطل الأول التي رسمها فدائيوا الثورة الملثمين ظلت مثلاً لجيل وجد نفسه بعد الاستقلال مكلفاً باكمال مهام الثورة بعد ان حقق الأبطال الاستقلال، وهكذا كان الجيل الذي عاش طفولته في سنوات الثورة جيلاً مشبَّعاً بالعزم الذي خلقه في نفوسهم ذلك البطل الملثم وهذا الجيل هو اليوم الجيل الذي حقق الوحدة اليمنية وهو الذي يصنع المنجزات العظام وهو الذي يقود مؤسسات الدولة في كل القطاعات الاقتصادية والثقافية والخدمية.هذا الجيل هو الذي يتذكر بعرفان وحب صورة البطل الأكتوبري ويتمثلها في حياته العملية وهو مملوء بالفخر والاعتزاز.. فتحية لكل الأبطال الذين رسموا صورتهم في أذهاننا وعلمونا معنى الثورة، وتحية لكل الشهداء منهم.. وهم أكرمهم وأكثرهم بطولة. وعهداً لهم في يوم الثورة الثالث والأربعين أن نظل نجلَّهم ما حيينا، وأن تظل صورتهم صورة البطولة التي لا تضاهيها صورة.