عبد الرحمن الخطيبفي القضاء لم يشترط الحنفية العدالة، إذ قالوا: إن الفاسق أهل للقضاء إذا عيّن صح قضاؤه للحاجة إلا المحدود في القذف. وقالوا: إن القاضي ينفذ قضاؤه ظاهراً وباطناً. وقالوا: يجوز أن تكون المرأة قاضياً في القضاء المدني، ولم يجز هذا الأئمة الثلاثة.أجاز أبو حنيفة، اختلاف الأئمة الثلاثة، أن يؤجر الشخص نفسه أو سيارته أو دابته لتعمير كنيسة، أو لحمل خمر ذمي، لا لعصرها، لأن الإجارة على الحمل ليس بمعصية ولا سبب لها. كما أعطى أهل الذمة حقوقهم أكثر من غيره من الأئمة الثلاثة، فعلى سبيل المثال، قال الحنفية: إن دية الذمية والمستأمن كدية المسلم، بينما قال المالكية والحنابلة: لهم نصف دية المسلم.وذهب الشافعية إلى أن لهم ثلث دية المسلم، وقال الحنفية: إن العقل (الدية) لا تجب على أهل القاتل، بخلاف الأئمة الثلاثة. في الحدود عند الحنفية، بخلاف الأئمة الثلاثة، لا يجب الحد في الزنا لوجود شبهة الملك، وإن علم أن الوطء حرام، أي شبهة العقد بأن وطئ الرجل امرأة تزوجها بغير شهود أو بغير ولي، أو بنكاح المتعة، أو إذا تزوج إنسان من محارمه بسبب رضاع، أو جمع بين أختين، أو عقد على خمس، أو تزوج معتدة الغير، لكن عليه التعزير، لأنه وطء تمكنت الشبهة منه، وقال الحنفية: لا يُضم التغريب، أي النفي إلى الجلد، لأن الله تعالى جعل الجلد جميع حد الزنا، فلو أوجبنا معه التغريب، كان الجلد بعض الحد، فيكون زيادة على النص، ذهب مالك، والشافعي، وابن حنبل إلى أن اللواط يوجب الحد، وقال أبو حنيفة: يعزر اللوطي فقط، إذ ليس في اللواط اختلاط أنساب، وهو ليس زنا، كما اختلف الحنفية عن باقي الأئمة في أن التعريض بالقذف لا يوجب الحد وإن نوى به القذف. ومثله القذف باللواط لا يوجب الحد.وقال الحنفية: لا قطع للسارق فيما كان أصله مباحاً في دار الإسلام، كالطيور والتين والخشب والحطب والقصب والصيود والسمك والطين والفحم والملح والخزف والزجاج. وقال الأئمة الثلاثة: يقطع سارق الأموال، سواء أكانت مما أصله مباح أم غير مباح.وعند أبي حنيفة لا تقتل المرأة المرتدة ولكنها تجبر على الإسلام، وإجبارها يكون بحبسها إلى أن تسلم أو تموت. ودليله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتلوا امرأة، لأن القتل يختص لمن يتأتى منه المحاربة، وهو الرجل دون المرأة لعدم صلاحية بيتها».ومن مبادئ التيسير عند الحنفية في مسائل الزواج أن ركن الزواج عندهم الإيجاب والقبول. وهو عند باقي المذاهب الأربعة أكثر من ثلاثة أركان. فيصح عند الحنفية العقد بقول رجل لامرأة زوجيني نفسك، وقالت المرأة: زوجتك نفسي، فيتم الزواج بينهما. قال أبو حنيفة: للمرأة العاقل البالغة تزويج نفسها وابنتها الصغيرة، وتتوكل عن الغير، ولكن لو وضعت نفسها عند غير كفء فلأوليائها الاعتراض. ويسقط عندهم حق الولي في الاعتراض وطلب التفريق في حال حملت الزوجة حملاً ظاهراً، حفاظاً على تربية الولد. ودليلهم من القرآن: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف)، فالخطاب للأزواج لا للأولياء. ودليلهم من السنة حديث: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها». فقالوا: الحديث صريح في جعل الحق للمرأة الثيب في زواجها، والبكر مثلها، ولكن نظراً إلى غلبة حيائها اكتفى الشرع باستئذانها بما يدل على رضاها، وليس معناه سلب حق مباشرتها العقد، بما لها من الأهلية العامة.وقال الحنفية: تجوز شهادة رجل وامرأتين في الأحوال الشخصية، كعقود الزواج والطلاق، بينما اشترط الباقون أن يكون الشاهدان رجلين عدلين. وقال الحنفية أيضاً: يصح الزواج مع إحرام أحد العاقدين بخلاف المذاهب الأخر. ولا يجوز في مذهب الحنفية التفريق بين الزوجين لعدم الإنفاق بعكس الأئمة الثلاثة: لأن الزوج إن كان معسراً فلا ظلم منه بعدم الإنفاق. وإن كان موسراً فيجب إرغامه على الإنفاق بحبسه. وأباح الحنفية إسقاط الحمل بعذر لمدة 120 يوماً، بينما حرمها الإمامان مالك والشافعي لأكثر من 40 يوماًُ. وأجاز أبو حنيفة زيارة القبور للنساء إن كانت للاعتبار والترحم من غير بكاء، وكرهها الأئمة الآخرون.ويلاحظ أن أبا حنيفة، على رغم تساهله في الكثير من الأمور الفقهية، فقد كان يتشدد في الأمور المهمة والتي تمس العقيدة ومصالح المسلمين أينما وجدت. فعلى سبيل المثال اشترط الحنفية في رؤية هلال رمضان وشوال إذا كان السماء صحواً أن تكون الموانع منتفية، والأبصار سليمة، ويشهد على ذلك جمع عظيم بينما تساهل الأئمة الثلاثة في هذا الأمر فقالوا: تثبت الرؤيا بشاهدين عدلين، أو شاهد واحد عدل. كما رأى الحنفية أنه ليس للأب أو الولي مطلقاً إخراج المحضون من بلد أمه بلا رضاها ما بقيت مدة حضانتها، فلو انتقل إلى بلد آخر غير بلد الحاضنة فليس له أخذ الولد معه ما دامت حضانتها قائمة.وعندما أنكر العلماء قول أبي حنيفة في إلحاق النسب في نكاح رجل من المشرق لامرأة من المغرب عُرف عنها أنهما لم يلتقيا قط، استناداً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «الولد للفراش»، حيث ذكر ابن عابدين في (حاشيته) كأن يكون بين الزوجين مسافة مسيرة سنة ومع ذلك تحمل المرأة وتلد لستة أشهر من عقد النكاح. الزوج يبدأ مسيرته إليها بعد العقد مباشرة. فلو جاءت بالولد لستة أشهر من العقد مع أنه يحتاج للوصول إليها 12 شهراً لحقه النسب عند أبي حنيفة، ولم يلحقه عند الجمهور. كما حرّم خطبة المعتدة بخلاف الأئمة الثلاثة، لأن مطلقها في حال البينونة الصغرى أن يعقد عليها مرة أخرى قبل انقضاء العدة، كما بعدها، فلو أبيحت خطبتها، لكان في ذلك اعتداء على حقوقه، ومنع له من العودة إلى زوجته مرة أخرى.وفي الحدود، اشترط أبو حنيفة أن يكون الإقرار في الزنا أربع مرات. واشترطوا وجود أهلية أداء الشهادة لدى الشهادة عند إقامة الحد، فلو بطلت أهليتهم سقط الحد، ويلاحظ عدم اشتراط الأئمة الثلاثة هذه الشروط. وقال الحنفية: لا تقل شهادة المحدود في القذف أبداً، وإن تاب وأصلح بعكس الأئمة الثلاثة. وعند أبي حنيفة الحدود والتعزيرات شرعت فقط زجراً لأرباب المعاصي، ولا يحصل التطهر من الذنب في الآخرة إلا بتوبة الجاني. وقال الأئمة الآخرون: إنها تعتبر تبعاً بالنسبة إلى المسلم جوابر لسقوط عقوبتها في الآخرة إذا استوفيت في الدنيا.[c1]* عن جريدة “الحياة اللندنية[/c]
|
مقالات
اختلاف الأئمة الأربعة .. بين متشدد ومتساهل
أخبار متعلقة