نافذة
التطرف في اللسان العربي مشتق من “الطـرف” أي “الناحية”، أو “منتهى كل شيء”. وتطرف “أتى الطرف”، و”جاوز حد الاعتدال ولم يتوسط”. وكلمة “التطرف” تستدعي للخاطر كلمة “الغلوّ” التي تعني تجاوز الحد. وهو من “غلا” “زاد وارتفع وجاوز الحد”. ويقال الغلو في الأمر والدين، وهو يطلق على أية حركة أو اتجاه يشدد بثبات على التمسك الحرفي بمجموعة قيم ومبادئ أساسية ولم يقدر لهذا المصطلح أن يشيع في منطقتنا العربية لاختلاف دلالة “الأصولية” في اللسان العربي التي توحي بالتمسك بالأصول، وهو أمر محمود، أو تشير لعلم أصول الفقه -أحد أهم علوم الشريعة الإسلامية- فكان أن استخدم مصطلح “التطرف” للدلالة على التشدد وتجاوز الحد في الدين في الكتابات العربية..والتوجيه القرآني كان دومًا يحث على الاعتدال، فالله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها. وهو يعلي من شأن اليُسر. وهو ينْهَى عن البخل والشح؛ لأنهما تطرف في التعامل مع المال. كثيرة هي الأحاديث النبوية التي تشرح ذلك وتدعو إلى الرفق “إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق. ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه” (رواه أحمد).وقد جاء الفقه ليؤكد على تمثل روح التيسير والسماحة، وليجعل من ضمن القواعد الأصولية قاعدة( المشقة تجلب التيسير)، وقاعدة( لا ضرر ولا ضرار)، وقاعدة( الضرورات تبيح المحظورات). ويحفل فقه المعاملات بما يحث على الأخلاق الحميدة، وينهى عن السخط والضجر والفحش والشطط والمغالاة، وغير ذلك من صور التطرف. وإذا كان مصطلح “التطرف” يعني “التشدد وتجاوز الحد”، فإن مصطلح “الوسطية” يدل على”العدل” و”السماحة”. ولفظ السماحة في لسان العرب “يطلق على سهولة التعامل فيما اعتاد الناس فيه المشادّة”. كما يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور عن معنى السماحة في كتابه”أصول النظام الاجتماعي في الإسلام”، أنها وسط بين الشدة والتساهل. ولفظها هو أرشق لفظ يدل على هذا المعنى. يقال سمح فلان، أي جاد بمال له بال. وهي تدل على “خلق الجود والبذل”. وينتهي إلى القول: “فأصل السماحة يرجع إلى التيسير والاعتدال، وهما من أوصاف الإسلام”.