رداً على محمد الحزمي
كتب النائب البرلماني محمد ناصر الحزمي مقالا في صحيفة ( أخبار اليوم) اليومية الصادرة من صنعاء (العدد1627, 26فبراير2009, ص7) تحت عنوان «الزواج المبكر وثقافة الأقوياء». وبيَّن الحزمي في المقال - قيد الحديث عنه - موقفه من القانون الذي أقره مجلس النواب في الحادي عشر من فبراير المنصرم ، والذي حدد سن الزواج - أي القانون - بـ17عاما .الزواج المبكر الذي عارضه كثيرمن النواب وقبلهم عدد من منظمات المجتمع المدني المهتمة بذات الشأن والتي دعت من وقت مبكر إلى سن قانون يحدده أصبح اليوم ، على الأقل ، حديث الرأي العام، منهم من احتفى به وهم الأغلبية ، ومنهم من تذمر وأرعد وأبدى تشاؤمه وهذا الصنف الأخير يمثله التيار الإسلاموي أو بالأصح التيارات والجماعات الإسلاموية (ليس جميعها بدون شك) التي يروق للبعض تسميتها بـ»المتشددة»، وشخصيا أفضل أن نكون وإياهم على طاولة الحوار والنقاش واحترام الرأي الآخر دون المساس بهم (وصفيا) تحت هذا اللقب أو ذاك .هذا الزواج المبكر يسميه كاتب المقال المشار إليه بـ»العفة المبكرة» حسب رأيه وجهده وفكره المنطلق دينيا , في اعتقادي ، وكان مما ذكره (( أنا وغيري لا يرضى أن تتزوج الفتاة حتى تنضج عقليا وفسيولوجيا وتعرف ما هي متطلبات وتبعات الحياة الزوجية )) وهذا شيء جميل ، غير أن الإشكال يكمن في قوله (( ولكننا نختلف في مسألة هل النضوج يتحدد بالسن أم يتحدد بالواقع حسب البيئة والأسرة )) يضيف الحزمي (( ومع هذا فقد اجتهد علماؤنا في لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مجلس النواب إلى جعل السن 15عاما )) .. وفي محصلة كل هذا الكلام وغيره مما جاء ما يثير الغرابة .. أراها في الآتي :أولا : ببداهة .. لماذا يقف الحزمي وأتباعه ضد الـ17عاما ؟ هذا السن المحدد يزيد عما حدده الحزمي بعامين فقط ، وهو يقول إلى ذلك عن الفتاة (( حتى تنضج عقليا وفسيولوجيا )) وفي اعتقادي الجازم أن سن الـ17عاما ستكون معها الفتاة قد نضجت على نحو أكثر من الـ15عاما التي أقرها العلماء - على حد كلام الحزمي - في لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية .ثانيا : سمعت غير مرة أن تحديد الزواج بـ17عاما هو مخالفة صريحة لزواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها ذات الستة أعوام حينها ، لكن بما أن الحزمي قال على لسان العلماء الذي أشار إليهم بأنهم حددوا خمسة عشر عاما تكون معها الفتاة قد نضجت من الناحيتين العقلية والفسيولوجية ، فهذا التحديد هو الآخر يقف على النقيض من زواج عائشة رضي الله عنها بخاتم الأنبياء والمرسلين, وإذ من حيث أنه دخل عليها بعد ثلاثة أعوام من الزواج فستكون في التاسعة من عمرها ( ولا أدري ما صحة هذا القول ؛ لأني سبق أن قرأت دراسة تؤكد أن عائشة لم تكن عند هذا السن حين تزوجها الرسول وحين دخل عليها ) وعند هذا أسأل النائب الحزمي : هل خالفتم انتم أيضا زواج عائشة بالرسول عليه الصلاة والسلام ؟ لمَ عندها لم تحددوا السن القابل للزواج بتسعة أعوام ؟ ( أوضح.. أنا لست مع تسع سنوات أو خمسة عشر سنة ، أو حتى سبعة عشر . كما هو معروف أن الطفل تمتد مرحلته أكان ذكرا أم أنثى ، إلى ثمانية عشر عاما ، بعدها يمكن للأنثى وقد غادرت مرحلة الطفولة أن تتزوج ، وكذلك الطفل ) .ولست ساخرا من ذكر قصة عائشة - معاذ الله - بل مذكرا أن هذه القصة لو صحت فإن الذي تزوج عائشة ومن ثَمَّ دخل عليها, وهي بذاك العمر هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . فهل يعقل أننا سنكون بمقام سيد المرسلين ؟ وبعد هكذا واقعة حدثت في غابر الزمن ، أود أن أسأل عن ماهية الظروف التي كانت سائدة قبل أربعة عشر قرنا ، بالمقابل ما هي ظروف اليوم ؟ فالرسول بزواجه من عائشة ومن حفصة ابنتي أبي بكر وعمر ( مع اختلاف أن عائشة كانت صغيرة وبكرا ) وتزويجه كل من عثمان وعلي بناته الثلاث رضي الله عنهم جميعا ، إنما لتدعيم الدولة الناشئة ونشر الدعوة الوليدة - على الأرجح - لكننا إن تزوجنا الإناث عند السن الذي نزعم أن الشريعة الإسلامية حددته بـ15عاما أو أقل ، فمن أجل ماذا ؟ لا إجابة غير لغة السرير .. ولست متجنيا في مآلي .ثالثا : ذكر الحزمي غير مثال ، منها ما استمده من المجتمع الأمريكي كـ»ابنة سارة بالين» التي حملتْ وعمرها 17عاما ، وسمى هذا الفعل زنا ، وإن كان يعلم الأخ محمد الحزمي بفحوى حديثه فتلك مصيبة ، وإن لم فالمصيبة أعظم .فالقاصي والداني يعلم أن لكل مجتمع عاداته وتقاليده ( البعض منها سيء والآخر حسن, ولو كان من عادات المجتمع الأمريكي أن تحمل الفتاة وهي ما زالت طفلة بزواج أو من غير زواج فهي لا شك عادة سيئة ، بالمثل مع ما إذا كانت من عادات مجتمعنا تزويج الفتاة وهي طفلة ) ، وإذا كانت الأمثلة المشار إليها توضح شذوذا عن اتفاقية حقوق الطفل العالمية فلا تعد أن تكون عوارضا لو حدثت في المجتمعات المتقدمة فإنه يشار إليها بالبنان ، بينما تحدث عندنا ولا تنال نصيب الإشارة إليها إلا ما ندر وشح ، وما خفي كان أعظم ، كالطفلة نجود ، مع الاختلاف أن نجود تزوجت مكرهة . فلو كان الداعون لتحديد سن الزواج مغرقين في الثقافة الغربية كما يريد أن يقول الأخ الحزمي ، فليس في ذلك ما يشير إلى سدة رأي حكيم ، هذا إذا ما قلنا إن الأخذ من الثقافات المختلفة عنا يعد شيئا جميلا بجمال ما يؤخذ منها ، فهم لم يدعوا إلى الإباحة الجنسية والحرية المطلقة في ذلك ، كل ما قالوه أنهم يريدون قانونا يحدد سن الزواج لكي لا يحدث للأطفال ما حدث لنجود وغيرها كثير .. أهذا جرم ؟رابعا: لعل الأخ الحزمي كثير التكرار لـ»الزنا المبكر» ولم أصدق أنه وزع منشورا تحت قبة البرلمان قبيل التصويت على قانون تحديد سن الزواج بـ17عاما تحت عنوان ( الزواج المبكر أو الزنا المبكر) , حتى قرأت في مقاله الذي أتحدث عنه ما نصه (( أليست هذه القضية أولى بأن يثار الزنا المبكر بدلا من الزواج المبكر؟ )) وكان في معرض تناوله لابنة سارة بالين نائبة المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة جون ماكين, والتي صعدت بأول أسود إلى سدة البيت الأبيض «باراك حسين أوباما» ، والتي حملتْ - أي ابنة سارة بالين - من غير زواج وهي في سن 17عاما. ولا ادري حقيقة لماذا يتم النظر إلى الأنثى بصيغة أصبحت تخيل لنا أنها إذا لم تُطأ عبر الزواج لا محالة من وطئها عبر الزنا . وكله أصبح وطءً في وطء . ولا أريد أن أبين رأيي في هذه الحالة التي لا تنظر إلى الأنثى إلا من باب الوطء ، فقد لا يكون لائقا بالمرة أن أدونه هنا ، وليفهم رأيي على انه يشمئز ويتقزز كثيرا من هكذا نظرة .وأخيرا قد نختلف , والاختلاف لا يفسد للود والتسامح قضية , ولكني أقول للأخ العزيز النائب محمد الحزمي , وعساه يقرأ هذا المقال ، انه من المفروض أن نتجاوز هذه البديهيات والأشياء التي من الطبيعي أن نتفق حولها لا أن نختلف ، فأمامنا قضايا كبيرة وجسيمة ، وأبدو سائلا من يهمه الأمر ولعل في المقدمة الأخ الحزمي وجميع نواب الشعب : لماذا أثار قانون سُنّ لتحديد سن الزواج كل هذه الضجة غير المبررة والاهتمام المنحني نحو معارضته بينما هناك قضايا ومآسي تستحق أن تناقش وأن تقدَّم ؟ ، ولعل في المقدمة عمالة الأطفال والانتهاكات التي يتعرضون لها مثلا , حين يبتاعون ويتسولون ويشردون بل ويستغلون جنسيا ويختطفون وهي ما اعتبرها مآسي ماحقة وكارثية وجرائم بشعة لم يعرفها مجتمعنا اليمني .. أليس من واجب نواب الشعب بدل الاعتراض على قانون تحديد سن الزواج أن يلتفتوا إلى هذه الدوامات والمآسي ؟ أليس من الواجب الديني أن نوجد حياة آمنة ومستقرة للأطفال ؟ أم إن معاناة الأطفال وآلامهم كان ينقصها أن ينظر إلى الطفلة أنها صالحة للنكاح من دونه ، قادرة على تحمل الوطء من غيره ؟؟ أليس هناك أيضا قضايا وهموم المجتمع المتعددة والكثيرة ؟ كاتساع نسبة البطالة ، وتلاشي الطبقة المتوسطة وتضخم الفقيرة , والتعليم والصحة , والثارات , والاختطافات , والقائمة تطول .. ألا نخجل من أنفسنا أن نرى كل هذه القضايا والمآسي والهموم ولا نعيرها أدنى اهتمام ؟ بينما أقمنا الدنيا ولم نقعدها حول قانون حدد سن زواج الفتيات والفتيان بـ17عاما ( وكنت أود لو يكون 18عاما ) !!! ألهذا الحد ؟؟وإن كان كلام البعض ينطلق من منظور ديني , كما يرى ، فالدين براء من ذلك ؛ لأن أساس الدين «مكارم الأخلاق» التي أتى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ليتممها . فأي مكارم أو أخلاق تقضي بأن ننظر للفتاة على أنها صالحة أو غير صالحة للوطء والنكاح ووووو ...وختاما أقول لست مع ثقافة الأقوياء بأي شكل من الأشكال , ولعلي أتفق في هذه مع الأخ محمد الحزمي , فالإنسانية كلها تحب الخير وتكره الشر, وتعرف الأخلاق, لكنني في المقابل لست مع ثقافة تنظر للأنثى من باب الرغبة والوطء , أو ثقافة الهروب من الواقع نحو ما لا أطيق تسميته , إكراما لليراع , بأي حال من الأحوال . ولا أدري إن كنا نهرب من الواقع لمجرد الهروب , إذ لم نستفيق بعد من سكرات الجهل ؟.. ربما . أم إنه هروب محكم ومدروس , حتى نغفل عن كل تلك القضايا , آنفة الذكر وغيرها ؟.. عجبي .[c1][email protected][/c]