احذروا..مشروع دولة طالبانية في اليمن
ملاحظات على مشروع التعديلات التي تضمنها التقرير المقدم من:(لجنــة تقنــين أحكـــام الشريـعــــة الإسلاميـــة) بمجلس النواب حول قانــون الجرائــم والعقوبــات رقم (12) لسنة 1994 م[c1](الحلقة الثالثة)المــادة (24)عقوبـــة المساهمـــةالنــص الحالــي[/c]((في الجرائم التعزيرية من ساهم في الجريمة بوصفه فاعلاً أو محرضاً أو شريكاً يعاقب بالعقوبة المقررة لها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك غير أنه إذا اختلف قصد مساهم في الجريمة عن قصد غيره من المساهمين عوقب كل منهم حسب قصده)).[c1]النص بعد التعديل[/c]((1 - يعاقب المباشر والمتسبب بالعقوبة المقررة للجريمة سواء كانت قصاصاً أم دية أم حداً أم تعزيراً.2 - يعاقب المتمالئ في الجرائم التعزيرية بالعقوبة المقررة للمباشر، ويعاقب في جرائم الحدود والقصاص بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات.3 - يعاقب المحرض والمساعد والمتآمر في الجرائم التعزيرية بما لا يزيد على نصف الحد الأقصى المقرر للمباشر ما لم يقض هذا القانون بخلاف ذلك، ويعاقب في جرائم الحدود والقصاص بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات.)).[c1]الاقـــتراح[/c]إلغاء التعديل المقترح، واستمرار بقاء النص النافذ كما هو.ويلاحظ أن الفقرة (1) من المادة (24) في مشروع تعديل قانون العقوبات قد تضمنت، حكماً مغايراً لأحكام الشريعة الإسلامية، وهو النص على معاقبة (المتسبب) بالعقوبة الكاملة سواء أكانت قصاصاً أو حداً أو تعزيراً، على الرغم من أن التعريف الذي أورده أصحاب (مشروع التعديلات) للمتسبب، يدل على أن دوره في الجريمة يقتصر على تهيئة الأسباب والأحوال المفضية إليها، دون أن يباشر هو النشاط المكون لركنها المادي (الموضوعي) أو يتوافر لديه الركن المعنوي (الذاتي)، أي أن التعديل المقترح يقرر إقامة الحد على شخص لم تتوافر بحقه شروط إقامته عليه.ومن أمثلة ذلك من يدخل فتاة على مجنون، بعد إثارته جنسياً، فيقوم بارتكاب جريمة الزنا مع الفتاة، فإن من أدخلها يعاقب بعقوبة الزنا الحدية وفقاً للتعديل المقترح للمادة (24)، لأن من أدخل الفتاة على المجنون يكون قد تسبب في الجريمة، وهذا الأمر لا مثيل له في أي قانون معاصر، كما أنه لا يوجد أي سند له في الفقه الإسلامي عبر كافة المراحل التاريخية.ولذلك نرى إلغاء التعديل المقترح، واستمرار بقاء النص النافذ كما هو.[c1]المــادة (25)تشجيع الرشوة تحت مسمى (الظروف)النــص الحالــي[/c]((يستفيد جميع المساهمين من الظروف العينية المخففة ولو لم يعلموا بها ولا يسأل عن الظروف العينية المشددة إلا من علم بها ولا تأثير للأحوال والظروف الشخصية إلا بالنسبة إلى من توافرت لديه سواء أكانت نافية أو مخففة أو مشددة للمسئولية أو مانعة من العقاب)). [c1]النص بعد التعديل[/c]رأت اللجنة أن المادة سليمة إلا أنها تحتاج إلى شرح للظروف النافية والمخففة والمشددة للمسئولية والمانعة من العقاب الواردة في هذه المادة، وبذلك رأت اللجنة تقديم شرح متكامل لهذه الظروف التي هي: أحوال تحيط بالواقعة الإجرامية ولكنها لا تدخل في تكوينها القانوني.ألحقت اللجنة بنص المادة (25) من القانون النافذ شرحاً لها بحيث يعتبر جزءاً لا يتجزأ من القانون.وفي هذا الشرح ورد أن من الظروف الشخصية المخففة للمسئولية الجنائية ومن ثم العقاب ما يلي:[نُبل الباعث على الجريمة] ومثاله: إقدام الموظف على ارتكاب جريمة طلب الرشوة من أجل الحصول على المال لإنقاذ مريض أو إغاثة جائع. والنص على هذا المثال التفسيري للنص القانوني يؤدي إلى نتائج خطيرة أقلها تشجيع الرشوة وتبريرها في بلد أصبحت فيه من المسلمات، بحيث لا يجد الموظف غضاضة في طلبها من المواطن، كما أن هذا لا يتورع عن عرضها على الموظف كلما اقتضت مصلحته ذلك، ومن ثم، فإن اختيار هذه الجريمة بالذات، والنص فيها على الغرض النبيل باعتباره من الظروف المخففة للعقاب على ارتكاب جريمة الرشوة، يؤدي إلى تفاقمها رغم وجوب مكافحتها باعتبارها من أخطر مظاهر الفساد الوظيفي في اليمن، كما أن الشرح الوارد في مشروع اللجنة يزيد من جرأة الموظفين للإقدام على الارتشاء، وعلى الرغم من أن الموظفين الذين يقدمون إلى القضاء بهذه التهمة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ومن الفئات الدنيا في عالم الوظائف الرسمية، إلا أنهم سوف يجدون ألف غرض نبيل يحتجون به لتخفيف العقاب عنهم، ما يؤدي إلى فقدان النص العقابي أثره الرادع أو مفعوله الزاجر، لأنه سيكون بإمكان من سيتم ضبطه في جريمة رشوة وتقديمه للقضاء، أن يحصل على ظرف مخفف يحول دون إيقاع العقوبة اللازمة عليه.[c1]المــادة (26)استعمال الحق وأداء الواجبالنــص الحالــي[/c]((لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون أو قياماً بواجب يفرضه القانون، أو استعمالاً لسلطة يخولها)). [c1]النص بعد التعديل[/c]((لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشرع أو القانون أو قياماً بواجب يفرضانه، أو استعمالاً لسلطة يخولانها)).[c1]النــص المقتــرح[/c]((لا جريمة إذا وقع النشاط المحظور استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون أو قياماً بواجب يفرضه القانون أو استعمالاً لسلطة يخولها)).تتعلق المادة (26) من القانون النافذ بأسباب الإباحة.وقد تضمن مشروع القانون المقدم من قبل اللجنة، اقتراح تعديل المادة المذكورة بإضافة كلمة ((الشرع)) بعد عبارة ((مقرر بمقتضى)) ليصبح النص كالتالي:((لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشرع أو القانون أو قياماً بواجب يفرضانه أو استعمالاً لسلطة يخولانها)).وفيما يلي نوضح بطلان التعديل المقترح على المادة (26) والمواد المرتبطة بها ارتباطاً لا يقبل التجزئة كالمادة (14) والمادة (2)، كذلك النتائج الخطيرة التي سيؤدي إليها هذا التعديل فيما لو تم إقراره من قبل مجلس النواب (البرلمان) أو وافق عليه وأصدره رئيس الجمهورية:أولاً : يمثل هذا النص خروجاً على المبادئ المعمول بها في التشريع العقابي والسياسة الشرعية من وجوه عديدة نورد منها الوجهين التاليين:الوجه الأول : إن مؤدى لفظ ((الشرع)) المقترح إضافته إلى المادة القائمة في قانون العقوبات النافذ، يترتب عليه إثبات حق القاضي في الاستناد إلى مزعوم أي نص شرعي أو (قول) ورد على لسان أحد الفقهاء أو الحكام (الخلفاء)، (الأئمة) أو الدعاة أو (مشائخ الدين) أو المُفتين قديماً وحديثاً، وبالتالي، تجريم أي فعل أو امتناع أو ترك وإيقاع العقاب بموجبه، ولو لم يكن ثَمَ نص قانوني ينص على توافر الجريمة من حيث أركانها وشروطها وعناصرها في النشاط الذي جرى تجريمه، مما يُعَد إخلالاً بمبدأ الشرعية الذي يقضي بأن النشاط البشري (فعل - امتناع - ترك) لا يعتبر جريمة، إلا إذا نص القانون على اعتباره كذلك، كما أنه لا يجوز مجازاة الفاعل عنه إلا في حدود ما تضمنه القانون من عقاب وبالكيفية المقررة فيه، ما مقتضاه أنه ليس لأحد من الناس، وفي مقدمتهم القضاة، تجريم نشاط ما أو تقرير عقوبة له، دون نص قانوني، ولو خالف ذلك عقيدة القاضي الذاتية، كما أن هذا لا يملك إلغاء بعض شروط النص القانوني الملزم أو زيادته بما ليس منه، أو إجراء تعديل في نوع عناصره، كاستبدال العقوبة المقررة فيه بأخرى، إلا إذا أباح له القانون ذلك وفي الحدود المقررة فيه.الوجه الثاني : إن التعديل المقترح، في المادة (26) من القانون النافذ، سيترتب عليه اقتحام حياة الناس الخاصة، كملاحقتهم في الشوارع والمطاعم والمشارب وغيرها من الأماكن العامة وسوقهم إلى أقسام الشرطة والنيابة العامة والحبوس الخاصة (سجون بعض مشائخ القبائل ووزارة الأوقاف مثلاً) ومساءلة المقبوض عليهم، جنائياً، تحت ذريعة ارتكاب معصية ضد الدين، كعدم أداء فروض الصلاة في مواعيدها وعدم إغلاق محلاتهم لهذا الغرض خمس مرات في اليوم، وعدم التوقف عن العمل في المصانع والمكاتب وغيرها لهذا الغرض أيضاً ... الخ، كذلك سيترتب على إقرار التعديل المقترح من قبل اللجنة، إقحام الآراء المذهبية في الأحكام القضائية الجنائية بحيث يتحكم فيها القاضي وفقاً لرأيه المذهبي (شافعي - مالكي - حنفي - حنبلي - زيدي - إسماعيلي - إمامي - ظاهري - شيعي - وهابي - سلفي) وغيرها من الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة أو المنضوية تحت عباءة الإسلام، إذ أن معتقد أتباع كل مذهب وفرقة وجماعة وطائفة، هو أن رأي إمامهم أو زعيمهم أو فقيههم أو مفتيهم، هو الشرع الصحيح، وما عداه ليس من ذلك في شيء، ما يؤدي إلى إشاعة الفوضى وتضارب الأحكام القضائية الجنائية وعدم استقرارها وصيرورة المجتمع اليمني ساحة تجريم شامل، يعاني فيها المواطن من الاتهامات، تنهال عليه من مختلف الفرق والطوائف والمذاهب والجماعات المتأسلمة، كما تنصَبَّ على رأسه مصائب التكفير والتفسيق والتجريم عموماً من كل حدب وصوب وبواسطة كل من هب ودب.ثانياً : إن من أهم القواعد الشرعية والقانونية التي ينسفها التعديل المقترح من قبل اللجنة لقانون العقوبات النافذ نسفاً، قاعدة (علانية التشريع أو القانون)، إذ المقرر، دستوراً، محلياً وعالمياً، هو أن القانون، كقواعد عامة ومجردة، لا تكون ملزمة للمجتمع إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية، بحيث تكون في متناول الناس القاطنين (قطر اليمن) جميعاً وفي مقدمتهم المواطنون، وذلك حتى يتمكنوا من معرفة الحقوق المخولة لهم والالتزامات الواجبة عليهم، كذلك العلم بما يعتبر جريمة جنائية وما ليس كذلك، وبناءً على ذلك يتم تحديد أساس المؤاخذة الجنائية (الجزائية) وبيان مجال تطبيقها.وفي هذا الصدد نضع الأسئلة التالية أمام اللجنة التي أعدت مشروع التعديل ومن يوافقها على رأيها:السؤال الأول : هل سيقوم أعضاؤها ومستشاروها وأنصارها بحصر كافة النصوص الشرعية التجريمية والعقابية التي وردت في (أقوال) السلف واجتهادات الفقهاء، ماضياً وحاضراً، ثم وضعها على هيئة نصوص قانونية ونشرها، بالتالي، في الجريدة الرسمية حتى يتسنى المساءلة والعقاب بموجب (النص الشرعي) الذي أقحمته اللجنة في تعديلها للمادة (26) وغيرها من مواد قانون (الجرائم والعقوبات)؟!السؤال الثاني : ما هو الحكم إذا دفع المشتبه به أو المتهم بأنه يجهل أن نشاطه معاقب عليه جنائياً، إذ لم يرد في القانون أي نص يبين تجريم هذا النشاط من حيث الأركان والشروط والعناصر؟ وهل من العدل والعقل رفض هذا الدفع بحجة أن المادة (2) والمادة (14) نصتا على أنه يجوز إيقاع العقاب بموجب نص شرعي، ولو لم ينص القانون على تجريم النشاط المراد معاقبة صاحبه؟!السؤال الثالث : هل سيكلف المشرع اليمني كافة أفراد المجتمع بتحمل عناء البحث في اجتهادات وآراء الفقهاء وفتاواهم وتتبع (أقوالهم) منذ القرون الغابرة وحتى يومنا هذا، لمعرفة ما إذا كان النشاط الذي أتاه الفاعل أو ينوي القيام به يندرج ضمن أي رأي يعتبره مذهب فقهي معين أو فقيه مجتهد أو قول أحد المفتين، معصية ضد الدين أو الأخلاق يعزر عليها أم لا؟! مثال ذلك: (تبَوّل الإنسان واقفاً)، (لعب الشطرنج)، (عدم الصلاة مع الجماعة)، (عدم ارتداء النقاب) عند من يرى وجوبه وأنه عبادة لا عادة ... الخ.وإذا كان النشاط معصية، في رأي، ومباحاً أو مكروهاً في آخر، فما الحكم؟ وما هو الرأي الفقهي الذي يجب على القاضي الأخذ به أو يتحتم على الإنسان في اليمن اتباعه؟!إن الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها، تقطع بأن إمكانية تطبيق هذا النص على أرض الواقع مستحيلة، وأن الظلم والحيف والإجحاف بحقوق المواطنين الطبيعية والدستورية، تعتبر من النتائج الوخيمة التي ستترتب على تطبيق النص المقترح من قبل اللجنة في مشروع قانون العقوبات، ما يؤكد أن هذا التعديل يتعارض، كلية، مع أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية والفقه الشرعي المستنير المبنية على العدل والتيسير لا الظلم والتعسير، إذ يقول المولى عز وجل ((وزنوا بالقسطاس المستقيم)) ويقول جل شأنه: ((يريد الله بكم اليسر)) وقال صلى الله عليه وآله وسلم (اللهم من شق على أمتي فاشقق عليه)، ومن ثم، يتعين القول بأن هذا التعديل، الوارد في مشروع اللجنة غير دستوري، لمخالفته الشريعة الإلهية المتمثلة في القرآن الكريم، كذلك المادة (3) من الدستور التي تنص على أن:((الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات)).والمقصود بذلك: أن أحكام الشريعة والفقه يجب أن تدون في نصوص تشريعية أي مواد قانونية، وذلك كي لا يصير التجريم محيطاً من غير شاطئ ويمسي العقاب بحراً دونما ضفاف.ثالثاً : إن تعدد آراء فقهاء الشريعة الإسلامية واجتهاداتهم، يلزم معه، أن تكون الجريمة والعقوبة منصوصاً عليهما قانوناً، وإلا صار التجريم والعقاب، في ظل هذا التعدد والتشعب، مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية وقواعد الفقه الإسلامي، التي تقضي بأن استحقاق العقاب متوقف على سبق الإنذار به، وقد تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على تأكيد هذه القاعدة، فأما الآيات القرآنية فقوله تعالى: ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا))، وقوله تعالى: ((وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فيهم رسولاً يتلو عليهم آياتنا)).وأما الأحاديث النبوية فمنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا وإن دم الجاهلية موضوع وأول دم أبدأ به دم الحارث بن عبد المطلب وإن ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أبدأ به ربا عمي العباس بن عبد المطلب).فهذا الحديث مع الآية القرآنية التي سبقته وغيرها تفيد، في مجموعها، عدم جواز معاقبة الإنسان على نشاط ما فعلاً أو امتناعاً أو تركاً إلا إذا كان قد سبق حظره وبيان عقوبته، وهو ما يعني صبّه، طبقاً لدواعي السياسة الشرعية الحكيمة والمصلحة العامة ومقتضيات العصر الحديث، في قالب تشريعي على هيئة نص قانوني يجرمه ويبين العقوبة المقررة له.رابعاً : المعلوم هو أن إقرار أحكام الشريعة، بمدلولها الواسع، وآراء الفقهاء و (أقوال) البعض كمصدر للتجريم والعقاب، يشكل إخلالاً بقاعدة (المشروعية القانونية)، لأن تنوع المصالح وتغير الظروف وتبدل الأزمان والأحوال وتشعب آراء الفقهاء وتعددها وتباين (الأقوال) وتضاربها، فيما يتعلق بما يعتبر جريمة وما لا يمكن عده كذلك ونوع العقوبة ومقدارها، كذلك تعدد أتباع كل مذهب في هذا الشأن، يجعل هذه الآراء و (الأقوال)، لدى أصحابها وأتباعهم، في حكم القواعد الملزمة المنصوص عليها دون نص، وبالتالي، إجبار المجتمع على الالتزام بها، في حين أنه لا يعقل إلزام كافة أفراد المجتمع أن يكونوا محيطين بكافة (أقوال) الفقهاء وأشباههم ومطلعين على جميع آرائهم، حتى يتسنى التقرير بأن عقاب الفرد كان بناءً على إنذاره بأن النشاط الذي أتاه محظور شرعاً، ومن ثم، معاقباً عليه قانوناً؟خامساً : لا يجوز التدليل على صحة التعديل الطعين الوارد في مشروع اللجنة بالاستناد إلى المادة (47) من الدستور التي تنص على أنه:((المسئولية الجنائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على نص شرعي أو قانوني، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات، ولا يجوز سن قانون يعاقب على أي أفعال بأثر رجعي لصدوره)).وحججنا على عدم صحة أو جواز الاستناد إلى المادة السالفة لتسويغ التعديل محل الاعتراض عديدة ومنها ما يلي:الحجة الأولى : أن دلالة سياق العبارة تقضي بأن معنى النص الدستوري هو أن يكون النص الشرعي مقنناً، أي مصاغاً على هيئة نص قانوني ضمن (إطار تشريعي) محدد، بدليل وجود الفقرة الأخيرة في النص الدستوري والتي ورد فيها: ((ولا يجوز سن قانون يعاقب ... الخ))، وغير ذلك من النصوص الدستورية التي تؤكد وجوب تقنين أي حكم شرعي أو اجتهاد فقهي كشرط لصيرورته مصدراً للتجريم والعقاب وإصدار الأحكام القضائية بمقتضاه.الحجة الثانية : إن النص الدستوري وارد كقاعدة تنظيمية فيما يخص سن التشريعات العقابية، وما إيراد عبارة (النص الشرعي) في الدستور إلا وسيلة دستورية للحفاظ على الحدود الشرعية والقواعد العامة المعمول بها في التشريع الجنائي الإسلامي وإدراجها ضمن القانون المعمول به في هذا المجال، وبالتالي فلا يصح القول بأن الدستور أجاز الرجوع إلى نصوص الشريعة واجتهادات الفقهاء وأقوالهم وآرائهم بحسبانها أساساً ومرجعاً، بذاتها، للتجريم وإيقاع أية عقوبات تعزيرية ولو لم تكن مقررة في نص قانوني جرى إصداره طبقاً للدستور.سادساً : من المثالب التي تؤخذ على التعديل الوارد في مشروع اللجنة، أنه يصادم قاعدة المصلحة التي يرتكز عليها نظام التعزير سواء في التشريع الإسلامي أو القانون الوضعي، ذلك أن العقاب التعزيري يتحدد، من حيث إقراره ومقداره، بالضرر الذي لحق المجتمع، وهو أمر غير مطلق، بل يرتبط ارتباطاً لا يقبل التجزئة بالمبررات الشرعية والمسوغات العقلية والمعايير الزمانية والمكانية، التي بموجبها يتم التقرير بأن النشاط الذي أتاه الشخص يشكل ضرراً على المجتمع وخطراً على مصالحه الأساسية أو الثانوية الجديرة بالحماية القانونية فيصير مُجرماً جنائياً (جزائياً)، أم أنه ليس كذلك فلا يتم تجريمه.وإذا أخذنا بالتعديل الوارد بنص مشروع القانون محل الاعتراض، فإنه يترتب على ذلك توقيع عقوبة تعزيرية وردت في أحد المذاهب الفقهية أو قال بها أحد الفقهاء أو (رجال الدين) قبل ألف عام، بينما قد تكون مبررات إقرار النص الفقهي في ذلك الوقت لم يعد لها وجود حالياً، الأمر الذي يتعارض مع القواعد العامة المعمول بها في السياسة الجنائية الحديثة والتشريع العقابي العالمي، وأوضح مثال على ذلك الأحكام الجنائية الخاصة بالعبيد والجواري والذي خصص الفقهاء القدامى له باباً كاملاً في كل مرجع فقهي قديم.سابعاً : إن اعتبار أحكام الفقه الإسلامي واجتهادات الفقهاء وأقوالهم مصدراً مباشراً للتجريم أو الإباحة [المادة (26) من مشروع القانون]، يعطي مختلف الأجهزة ذات العلاقة، صلاحيات مطلقة في مصادرة حقوق الأفراد الذين يعارضونها وامتهانهم ومعاقبتهم دون جرم، بذريعة مخالفة مذهب أو اجتهاد أو رأي فقهي معين أو قول منسوب إلى أحد الفقهاء في الزمن الماضي أو العصر الحاضر، إذ يعد ذلك، وفقاً للنص الوارد في مشروع قانون العقوبات ودلالاته المختلفة، مخالفة للشريعة الإسلامية، والتاريخ شاهد عدل على إساءة استخدام الدول الاستبدادية والسلطات الفاسدة للشرع وتطويعه ليكون مسلطاً على رقاب المواطنين، وخاصة المفكرين والمعارضين للحكم، تباح بموجبه دماؤهم وأموالهم ويهدر الحاكمون حقوقهم وحرياتهم، وقد أعدم وعذب وسجن كثير من العلماء الفحول والفلاسفة والمفكرين والمثقفين في فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، حيث كانت حجة السلطة الحاكمة في تبرير ذلك هي: مخالفة أحكام الشريعة وارتكاب الزندقة وغالباً ما جرى رمي معارضي السلطة الحاكمة بالكفر والإلحاد، وما إلى ذلك من التهم التي تم تمريرها بتفسير النصوص الشرعية والأحكام الفقهية تفسيراً مغايراً لحقيقتها، أو استخدام فتاوى فقهاء السلطة الحاكمة و (أقوال) أنصارها من (علماء) الدين، سلاحاً فتاكاً ضد الخصوم السياسيين والمعارضين من المثقفين والعلماء ونحوهم.ثامناً : إن تعديل المادة (26) من قانون العقوبات النافذ على النحو المقترح في مشروع القانون، محل هذه الملاحظات، سيؤدي إلى تحكم أصحاب الجمود الفكري والمتطرفين، وفي مقدمتهم المتعصبون والمتشددون باسم الدين، في أجهزة الحكم وتمكينهم، بالتالي، من الاعتداء على حقوق الناس وحرياتهم وأموالهم تحت سمع وبصر القانون والقائمين عليه، وبتصريح من السلطة التشريعية، لكي يمارس (المطاوعة) اليمنيون تسلطهم ويفرضون آراءهم وأفكارهم ومعتقداتهم المتخلفة والمتطرفة على الناس، ولن يتورع هؤلاء (الطغاة) الصغار من (المطاوعة) اليمنيين عن استخدام العنف والتكفير ضد كل من يعارضهم أو لا يخضع لهم، ومع ذلك فإن تذرعهم بسبب الإباحة وهو مزعوم (أداء الواجب الشرعي)، طبقاً للتعديل الوارد في نص مشروع القانون، كفيل بإفلاتهم من المساءلة والعقاب فيما لو تمت الموافقة على التعديل المقترح للمادة (26) في القانون النافذ.تاسعاً : إن نص المشروع المقترح من قبل اللجنة قد هدم أهم خطوة حققها المشرع اليمني في مجال تقنين أحكام الشريعة والفقه الإسلامي، حيث انتكس هذا النص بالمشرع اليمني إلى الوراء للتخبط في دياجي المذاهب والفتاوى الفقهية المتعددة والأقوال الناجمة عن المصالح المتضاربة والمتناقضة بل والمتصارعة في أحيان كثيرة، تبعاً للصراعات الدينية المذهبية، كذلك التيه في صحارى آراء الفقهاء وأشباههم و (أقوالهم)، بعد أن كان ولا يزال للمشرع في اليمن قصب السبق والمبادرة في مضمار تقنين أحكام الشريعة والآراء والاجتهادات الراجحة من كافة المذاهب وأيسرها، واعتمادها، جميعاً، صراطاً تشريعياً يحكم الجميع ويكفل الاستقرار القانوني والقضائي على مر العهود.عاشراً : لقد تضمن الدستور اليمني عدداً كبيراً من النصوص التي وردت فيها عبارات تؤكد أن المشرع الدستوري قد جعل من كلمة (قانون) حاوية للشريعة باعتبارها مصدر كافة القوانين في اليمن، وذلك يؤكد أن كلمتي (شريعة) أو (شرعي) المراد إضافتهما إلى بعض نصوص القانون النافذ، هو تزيّد لا لزوم له، لأنه قد تضمنتها كلمة (قانون) الواردة في النص، ومن ثم، لا حاجة إلى إيراد أي منهما في نصوص القانون، لأن من شأن ذلك الخروج عن أسس التشريع الجنائي المعاصر المحروس بنصوص الدستور وقواعد الاتفاقيات الدولية، والتي تقضي بأنه (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني)، وأن الأحكام والقواعد الشرعية والفقهية وخاصة في مجال التجريم والعقاب يجب، لكي تصير نافذة، أن توضع في نصوص قانونية وتصدر طبقاً للإجراءات والأسس المبينة في الدستور بشأن إعداد القوانين وإصدارها.ومن النصوص الدستورية التي تؤكد ذلك ما يلي:1 - المادة (25) ورد فيها: ((وفقاً للقانون)).كذلك المادة (48/أ ، ب) من الدستور والتي ورد فيها ((ويحدد القانون))، أيضاً: ((وفقاً لأحكام القانون)) و ((وفقاً للقانون)).ويتضح من ذلك أن كل الإجراءات الجزائية، ومن ثم، المساءلة والعقاب، لا تكون إلا وفقاً لأحكام القانون أو وفقاً للقانون، ما يؤكد عدم جواز المساءلة أو العقاب إلا بناءً على نص قانوني يحدد الجريمة والعقوبة المقررة لها.2 - المادة (48/هـ) وقد ورد فيها: ((يحدد القانون)).3 - المادة (49) تضمنت عبارة ((وفقاً لأحكام القانون)).4 - المادة (50) وقد ورد فيها: ((وينظم ذلك القانون)).5 - المادة (52) وقد تضمنت عبارة: ((الحالات التي بينها القانون))، كما ورد في المادة (53) عبارة: ((إلا في الحالات التي يبينها القانون)).6 - المادة (57) وقد ورد فيها: ((ينظمها القانون)).7 - المادة (103) نصت على أنه: ((تنشر القوانين)) ويعمل بها ولم يقل النص الدستوري: (النصوص الشرعية).8 - المادة (104) وفيها ورد أنه: ((لا تسري أحكام القوانين إلا من تاريخ العمل بها)).وفي موضع آخر من ذات المادة وردت العبارة التالية: ((ولا يترتب أثر على ما يقع قبل إصدارها، أي النصوص القانونية)).9 - المادة (149) وفيها نقرأ ما يلي: ((والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير (القانون).))، ولم يقل المشرع الدستوري: ((الأحكام الشرعية أو الاجتهادات الفقهية)).10 - المادة (150) وقد نصت على أنه: ((يرتب القانون)).11 - المادة (153/هـ) وقد ورد فيها: ((محاكمة رئيس الجمهورية ... الخ تتم وفقاً للقانون)).حادي عشر : يكفي لبيان عدم صواب إيراد كلمة (شرعي) في المادة (2) من مشروع القانون أن اللجنة لم تورد، في كافة مواد مشروع القانون الأخرى، كلمة (شرعي) مطلقاً، وعلى سبيل المثال لم ترد هذه الكلمة في ثنايا المادة (225) ببنديها (1 ، 2) حول (الجرائم العسكرية)، وإنما ورد فيها (تنفيذ أمر غير قانوني)، كما أن عنوانها هو (الأمر غير القانوني) ولم ترد في العنوان كلمة (شرعي)، ما يؤكد ما سبق أن أوضحناه من أن كلمة ((قانوني)) تتضمن بذاتها ما هو ((شرعي)).وعليه نقترح بقاء النص بصيغته في القانون الحالي مع وضع كلمة (النشاط) مكان كلمة (الفعل) بحيث يصير النص كما يلي:((لا جريمة إذا وقع النشاط المحظور استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون أو قياماً بواجب يفرضه القانون أو استعمالاً لسلطة يخولها)).-------------------------------------------------[c1]* استاذ علوم القانون الجنائي كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء المستشارالقانوني والمحامي أمام المحكمة العليا[/c]