عندما حقق الملك السعودي عبد الله حلمه في افتتاح جامعة العلوم والتقنية في جدة الشهر الماضي، اتجهت الأنظار على الفور إلى المكان والزمان والإدارة والكلفة، وحتى الشركة أو الشركات التي ساهمت في بناء ذلك الصرح الهائل، وغاب عن البال الصدى الذي سيتركه مثل هذا الإنجاز التربوي في المجتمع السعودي، والنقاش الذي سيثيره بين السعوديين...ولما جاءت الأجوبة على تلك الأسئلة العفوية، السطحية إلى حد بعيد، طوي الحدث أو كاد، وصار شأنا سعوديا داخليا يصعب الإلمام به إلا للمتخصصين والمهتمين في شؤون التربية والتعليم، ويستحيل بالتالي تقييمه إلا من هذه الزاوية التفصيلية، ولا يجوز تقديره الا بالمقارنة مع ما بني من جامعات للأجيال الشابة، سواء في المملكة أو في الخليج أو العالم العربي، أو حتى في العالم كله... وهي عملية حسابية تميل لمصلحة السعودية من دون ادنى شك. لكن بعض الزملاء السعوديين، كانوا منذ اللحظة الأولى لحفل الافتتاح، الذي انشغل اللبنانيون خلاله بصور حضور الرئيس السوري بشار الأسد ولقائه الملك عبد الله، متيقنين بان الحدث اكبر وأهم من افتتاح جامعة تكنولوجية متطورة، على مساحة شاسعة تصل إلى 36 كيلومترا مربعا، وفي وقت قياسي لا يتعدى العامين، وبكلفة خيالية تزيد على ثلاثة مليارات دولار، وبالتعاون مع واحدة من ابرز واعرق الشركات العاملة في السعودية، ارامكو، وأيضا مع شركة اوجيه اللبنانية... وعلى الرغم من أن هؤلاء الزملاء تكهنوا يومها بحدوث هزّة كبرى للمجتمع السعودي والكثير من محرماته ومسلماته التقليدية المعروفة، فان أحدا من غير السعوديين لم يتوقف طويلا عند ظهور طالبات سعوديات في شريط الافتتاح، ولم يتنبه كثيرون إلى حقيقة أن الجامعة هي أول مؤسسة تربوية مختلطة في تاريخ السعودية، وهي تسمح للفتيات بقيادة سياراتهن داخل الحرم الجامعي الذي يوازي مساحة مدينة... كما أنها لا تدرس العلوم الدينية أو الفقهية، بل العلوم النظرية والتطبيقية المعاصرة التي اختير منها ما يحتاجه سوق العمل السعودي. القرار الذي اتخذه الملك عبد الله، لا يقتصر على انتاج مبنى جامعي جديد، بل على تشكيل وعي اجتماعي مغاير. لم يكن المقصود هو السماح ببناء مجمع سكني للاجانب ولا بترخيص شركة اجنبية معزولة عن محيطها. ثمة تحد واضح للثقافة السعودية المحافظة، وتجرؤ صريح على التقاليد التي طالما ساهمت في تلك الغربة التي تعيشها الأجيال السعودية الجديدة، والتي يتنازعها أقصى التشدد الديني وأقصى الانفتاح الليبرالي. وفي كلمة الافتتاح حدد الملك السعودي بشكل مباشر مهمة الجامعة ووظيفتها في مواجهة «المتطرفين»، الذين ابتليت بهم السعودية وبقية المجتمعات العربية والإسلامية. لكن بدا يومها انه يستكمل السجال الرسمي مع ما يسمى في المملكة «بالفئة الضالة»، اي تنظيم القاعدة وشبكاته، مع انه كان يخاطب شريحة سعودية أوسع أدمنت الانغلاق. قبل ايام، اعترض عضو هيئة كبار العلماء السعوديين الشيخ سعد الشثري على إباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة، فهب الليبراليون، وعبئ المتشددون، وفتح على شبكة الانترنت نقاش سعودي بالغ الحدة والأهمية... لم يعد شأنا داخليا، منذ أن أصبحت السعودية معيارا عربيا وعالميا رئيسيا للحكم على ذلك الصراع الحاد بين الإسلام والحداثة. [c1]*عن/ صحيفة «السفير» اللبنانية[/c]
|
اتجاهات
نقاش سعودي
أخبار متعلقة