نبض القلم
تحتل الأمانة في الإسلام مكان الصدارة من جملة الأخلاق والسلوك، وتبدو في أعلى مراتبها ، قال علي بن أبى طالب - كرم الله وجهه: كنا جلوساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، فطلع علينا رجل من أهل العالية، فقال: يارسول الله، أخبرني بأشد شيء في هذا الدين وألينه ، فقال : أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأشده يا أخا العالية: الأمانة ، إنه لا دين لمن لا أمانة له، ولا صلاة ولا صوم. ولعظم شأن الأمانة وجلال خطرها عرضها الله سبحانه وتعالى على أعظم ما خلق من الأجرام فأشفقن أن يحملنها خوفاً من أن يحملن وزرها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوماً لنفسه حين عصى الله، ولم يوف الأمانة التي قطعها على نفسه، فكان لذلك جهولاً لا يدري ما العقاب الذي سيناله من جراء تركه الأمانة ، وعدم وفائه بالعهد، قال تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ) الأحزاب ، 72 .ولقد وصف الله الإنسان بالظلم والجهل لأنه حمل الأمانة ولم يؤد حقها، وذلك تصوير يشعر أن للأمانة قيوداً والتزامات تليق بالإنسان من دون سواه بمقتضى تهيؤه واستعداده، ولكنه ينفلت من واجبه ، ويتحرر مما هو حق في عنقه، ولذا فإن أكرم الناس منزلة هم الأمناء والقائمون بالحقوق والواجبات، والمؤدون للواجبات على نحو ينبعث من ضمير حي، ونفس مؤمنة كريمة، لا خوفاً من عقاب ولارياء مصطنعاً والمتأمل في آيات القرآن الكريم يجد أن أبعد الناس من الاعتبار وأحقهم بالمقت والاحتقار هم الخونة والغدارون الذين لاعهد لهم ، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً بليغاً من ضياع الأمانة، وذلك في قوله: (لا إيمان لمن لا أمانة له ) فضياع الأمانة يعتبر معولاً لتقويض الحياة ، وعلامة من علامات النهاية لأي شيء ، وقد ربط الحديث بين ضياع الأمانة وفساد الحياة، ومن ضياع الأمانة إسناد الوظائف الهامة والمتعلقة بمصالح الناس لمن لايستحقها أو لمن ليس أهلاً لها، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظروا الساعة) أي ساعة النهاية. وقد يتصور بعض الناس أن الأمانة مقصورة على حفظ الوديعة التي تودع عند الناس، كالنقود والحلي وما شابه ذلك، مع أن مدلول الأمانة في المفهوم الإسلامي يشمل ألواناً كثيرة منها: - أمانة العبد مع ربه، بحفظ ما أمر بحفظه ، وترك ما نهى عنه. - أمانة العلم ، وتتحقق ببذل الجهد لطلبه والعمل على نشره بين الناس.- أمانة الوديعة ، وتتحقق برد ودائع الناس إليهم، وحفظ حقوقهم وصيانة أعراضهم ، وحفظ أسرارهم، والبعد عن غشهم أو خيانتهم. - أمانة القيادة مع المرؤوسين، والحكام مع المحكومين، وتتحقق بالعدل بينهم، والحرص على مصالحهم، والعمل من أجلهم. - الأمانة مع النفس ، وتتحقق بعمل ما يصلحها في الدين والدنيا .- أمانة المسؤولية، وتتحقق بأدائها على النحو الأفضل. - أمانة المشورة، وتتحقق بتقديمها لمن يطلبها بصدق وإخلاص.- أمانة اختيار القادة، وتتحقق باختيار الأصلح. - أمانة تفويض السلطة، وتتحقق بإسناد الأمر إلى أهله من ذوي الكفاءة والاختصاص. - أمانة الحياة الزوجية، وتتحقق بكتمان أسرارها وعدم الحديث عن دخائلها. - أمانة الوظيفة، وتتحقق بالوفاء بالتزاماتها. - أمانة التجارة، وتتحقق بالكسب الحلال، والصدق وحسن المعاملة. - أمانة الكيل والميزان، وتتحقق بالضبط والابتعاد عن الإنقاص أو الزيادة. - أمانة الحديث، وتتحقق في كتمان السر، وعدم البوح به لغير صاحبه.- أمانة التربية، وتتحقق برعاية الأبناء وحسن تربيتهم. - أمانة العمل، وتتحقق بأدائه على نحو أفضل من دون غش. - أمانة الكتابة، وتتحقق بالتثبت من المعلومات، وصحتها. - أمانة الخطابة، وتتحقق بلم الشمل وعدم إثارة الفتنة. - أمانة الواجب، وتتحقق بالإخلاص والتفاني في أدائه. - أمانة الوطن، وتتحقق بالحفاظ على وحدته، والدفاع عن سيادته. - أمانة الصحبة، وتتحقق بتبادل المصالح والمنافع والوفاء. - أمانة الصحافة، وتتحقق في موضوعية التناول وتعزيز الوحدة الوطنية. - أمانة العبادة، وتتحقق في صدق النية والإخلاص وتجنب الرياء. [c1]*خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]