عبدالخالق المشهر تلعب الصحف دوراً أساسياً في إدارة المواقف الصراعية داخل المجتمعات المختلفة ويعتمد أفراد الجمهور على الجرائد في متابعة الأحداث والأزمات ومن ثم تساعد الصحف على بناء تصورات الجمهور تجاه الأحداث لأنها لا تعمل من فراغ وإنما في إطار النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السائد الذي يؤثر ويتأثر بوسائل الإعلام ومنها الصحف وفي ضوء ذلك تقوم الصحف بنقل المعلومات والأحداث المختلفة لمحاولة تشكيل معارف وتصورات الجمهور بشأنها ومن هذا المنطلق يقوم الجمهور بالاعتماد على الصحف باعتبارها مصدرا من مصادر تحقيق أهدافهم من خلال نوعية المعلومات التي توفرها لهم تلك الوسيلة.ولم تشغل قضية اهتمام الإنسان مثل ما شغلته قضية الإرهاب وجرائم العنف المترتبة عليه خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين. ومع أن التاريخ الإنساني لم يخل في أي فترة من أعمال الإرهاب بأشكاله المختلفة إلا أن الإرهاب الحديث قد تجاوز في حجمه وصوره وأساليبه جميع ما عرفته العصور البشرية منذ وجود الإنسان على الأرض.لقد أصبح الإرهاب في الوقت الراهن ظاهرة عالمية، أي أنها لا ترتبط بمنطقة أو بثقافة أو بمجتمع أو بجماعات دينية أو عرقية معينة، ولكن الظاهرة ترتبط بعوامل اجتماعية وثقافية وسياسية وتكنولوجية أفرزتها التطورات السريعة المتلاحقة في العصر الحديث، فقد شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين بروز العديد من التنظيمات المسلحة والعمليات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم.إن مفهوم الإرهاب مفهوم قديم في معناه حديث في تداوله قياسا بمفاهيم سياسية أخرى، وبغض النظر عن عمقه التاريخي، فإن هناك العديد من المنظمات الثورية لاسيما المنظمات اليسارية في العالم الثالث وبعض الدول أوربا توصم به، وذلك لأسباب تتعلق بالأساليب العنيفة التي تتبناها أو تتبعها تلك المنظمات في برامجها السياسية مثل الاغتيالات والقتل والتفجيرات والاختطافات، بل حتى قطع الطرق وسلب المارة، وكلها عنيفة وعدوانية ترفضها الحضارة والمدينة الجديدة في عالم يتقدم إلى الأمام وتحذوه مشاريع الديمقراطية وبرامج العولمة وحقوق الإنسان وغيرها، ولقد عرف البعض الإرهاب باعتباره جرائم تبعث الذعر وتنشئ خطرا عاما يهدد عددا غير محدد من الأشخاص وتعتمد على أساليب وحشية لا يتناسب ضررها مع الغرض المستهدف منها، والوصول إلى الهدف السياسي المعلن وغير المعلن للإرهاب يلجأ الإرهاب إلى الاعتماد على القوة.واتفق بعض الباحثين على تعريف شائع للإرهاب هو أن الإرهاب هو فعل رمزي يتم لإحداث تأثير سياسي بوسائل غير معتادة مستلزما استعمال العنف والتهديد به.ويرجع استخدام مصطلح الإرهاب إلى الحقبة التاريخية الإغريقية والرومانية حيث كتب المؤرخ الإغريقي زينوفون عن الآثار النفسية للحروب الوحشية والإرهاب الدموي على الأمم والشعوب كذلك استعمل المصطلح للدلالة على أسلوب الحكم الذي لجأت إليه الثورة الفرنسية.والإرهاب مصطلح تضيفه الجماعات الإرهابية إلى منظومتها اللغوية والقيام بالعمليات الانتحارية ونشر الذعر والخوف واختطاف الطائرات أو تفجيرها واختطاف الأفراد، وحجز الرهائن، وتدمير المرافق الحيوية في الدولة وارتكاب الجرائم الاقتصادية التي تستهدف تحطيم اقتصاد الدولة وإنهاك قواها، ونسف المساكن وإشعال الحرائق وأساليب أخرى.ومن جهة أخرى فقد تميز الإرهاب الحديث بتعدد وتنوع صوره وتدمير الموارد الحيوية والبنى الأساسية واغتيال الشخصيات المهمة وغيرها من الأعمال الإرهابية التي تحقق أهداف الإرهابيين. لقد تطورت ظاهرة الإرهاب وتعقدت بحيث أصبحت أسلوباً من أساليب الحرب بين الدول والجماعات والأحزاب، إلا أنها تتميز عن الحرب التقليدية بأنها لا تراعي قانوناً أو عرفاً أو أخلاقاً، كما أنها تقوم على الرعب والعنف وتصيب المدنيين العزل ولا تميز بين رجل وامرأة، وبين شيخ و طفل، وبين هدف مدني و عسكري، هذه الأعمال الإرهابية تشمل أهدافاً غير متوقعة وينتج عنها خسائر معنوية ومادية جسيمة، إنما يميز الإرهاب الحديث عن الإرهاب التاريخي أيضاً تأثير الإعلام بشكل كبير في هذه الظاهرة سواءً من حيث الأهداف أو النتائج، فكثير من أعمال الإرهاب الحديث تستهدف التعريف بالقضية أو الموقف السياسي للإرهابيين، كما أن موقف الجمهور يتشكل غالباً من خلال ما تبثه وسائل الإعلام عن العمل الإرهابي وهذا زاد مخاوف الباحثين من أن وسائل الإعلام تسهم في تشويه فهم وإدراك الناس لقضايا الإرهاب وتوجد عدة اتجاهات للإرهاب تتبناها مختلف الجماعات والتيارات والتنظيمات السياسية التي توصم به، فهناك الإرهاب الديني، والإرهاب السياسي والإرهاب القومي والإرهاب الفكري .. ألخ وهذا يعني وجود منطلق أيدلوجي تنطلق منه تلك الجماعات في تنظيراتها وتشكيلاتها وتبنيها للمسلك الذي نسميه إرهاباً.ويشكل الإرهاب بوجه عام خروجاً عن القوانين والقيم التي تحكم علاقات الأفراد والجماعات يهدد مصالحها، وهي توجب العقاب لمن يرتكبها، إذ تمثل تلك القضايا موضوعاً حيوياً لدراسات عديدة وممتدة من الخبراء والعلماء في فروع متنوعة من العلوم والمعارف في محاولات مستمرة لمعرفة أسبابها وعلاجها، ويرجع المتخصصون نجاح صفحة القضايا والجرائم إلى نجاحها في الإجابة عن التساؤلات التي تدور في ذهن القارئ لدى كل حادثة أو قضية، “الحادث، زمانه، مكانه، أطرافه، أسبابه، دوافعه، الموتى، والجرحى” لذا لا توجد صفحة في الجريدة تنافس صفحة الجرائم والقضايا في تقديم القصة الإنسانية التي يتابعها القراء بشغف واهتمام في جميع أنحاء العالم، ويتساوى الجميع أمامها بما تقدمه من مواقف جديدة ونماذج فريدة، وبما تخاطبه من عواطف وتثيره من انفعالات.وأول اتهام يقابل الصحافة في تغطيتها لأخبار الحوادث والانحرافات، أنها غالباً ما تسبق الأحداث، وتصدر الأحكام على الأبرياء وغير الأبرياء قبل أن يحكم القضاء.وتعد قضايا الانحراف في المجتمع نتيجة لصراع الدوافع والحاجات بين البشر أقوى العوامل التي تؤثر في حركة المجتمع، وهناك ثلاث مدارس لنشر أخبار الجريمة والانحرافات في الصحافة الأولى توافق على نشرها وتدافع في تقديمها، في محاولة لجذب القارئ لزيادة التوزيع والانتشار والثانية ترفض نشرها باعتبارها أنها مادة عديمة الجدوى عظيمة الضرر يحاكيها الصغار والثالثة وسط بين الأول والثانية توافق على نشرها بشروط في محاولة التخلص من أعراضها الجانبية.ويرى المؤيدون أن الفرد يخاف من ارتكاب الأعمال الانحرافية حتى لا ينشر اسمه وصورته لذا فإن عرض أساليب المجرمين يساعد على تحاشيها. ويرى المعارضون أن النشر يظهر المنحرف في دور البطل ويضيع الفرصة على رجال الشرطة في القبض على المنحرفين ويساعدهم في التخفي والتهرب.ومع ذلك لا توجد صفحة اتفقت حولها الآراء على أنها إحدى صفحات الانتشار الجماهيري كما في أي صفحة متخصصة لحوادث الإرهاب سواء من جانب الصحافيين أو الخبراء أو القراء .. وعدد كبير من الدراسات أشارت إلى أن أخبار الجرائم والمنحرفين والخارجين على القانون جاءت في المرتبة الأولى بين الصفحات والموضوعات التي يهتم بها القراء، فهي صفحة لكل القراء التي يتابعها الصغار والكبار، وباعة الصحف يعرفون هذه الحقيقة ويروجون لسلعتهم بما تنشره من حوادث وكوارث.وقارئ أخبار الإرهاب والخروج عن القانون قارئ إيجابي يتابع الأحداث بشغف واهتمام ويبحث عن الحقائق والتفاصيل، وكأنه أحد أطراف النزاع يناقش ويحاور، وهو يتابع هذه الأخبار لأنها تمس حياته بشكل مباشر وغير مباشر، وهو يقف في الغالب الأعم ضد الجريمة حماية لحياته وحفاظاً على ممتلكاته، فصفحة القضايا والحوادث هي أكثر الصفحات التي تخاطب القارئ، بل أن الصحف تستخدمها مع صفحات الفن والرياضة في محاولة لمد الجسور مع القارئ، وهي تحاول أن تقدم أكبر قدر من التفاصيل في محاولة لجذب اهتماماته والاحتفاظ به لذا يرى الكثيرون أن نشر حوادث الإرهاب ضرورة اجتماعية لأنه يمكن الصحيفة من أداء وظيفتها الإخبارية لتلبية احتياجات القارئ في الإحاطة بما يجري من حوله من أحداث بشرط أن تلتزم الصحيفة في عرضها لوقائع القضايا.
دور الصحافة في مكافحة الإرهاب
أخبار متعلقة