مدارات
ما أحوجنا نحن المسلمين هذه الأيام إلى أن نحب بعضنا بعضاً ونعفو ونصفح عن بعضنا ونحب للآخرين ما نحبه لأنفسنا، وأن ندرك أن الاختلاف في بعض القضايا الفقهية يجب أن لايقطع حبل المودة والتعاون بين المسلمين. فالآراء يجب أن تطرح وتناقش بعقل مفتوح وأن لا تصادر الأفكار أو تكمم الأفواه بل تتم بالحوار المبني على الحجة قال الله تعالى: (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) "سورة النحل آية 125".إن المسلمين اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن يتقبلوا بعضهم مع اختلاف مذاهبهم ورؤاهم وأن لا يلغى حق الآخر في التفكير والاستنباط والنظر فالإمام الشافعي رحمه الله قال : (( رأينا صواب ويحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ ويحتمل الصواب )) .إن التسامح لا ينحصر في الجدل والحوار بل يتعدى ذلك إلى المعاملات كالتكافل والتراحم والعفو عند المقدرة بل إن التسامح في الإسلام يمتد إلى غير المسلمين من أهل الكتاب أهل الذمة فالعهدة العمرية أصدق مثال على ذلك فقد ضمنت لأهل الكتاب تعليق صلبانهم ودق نواقسيهم طالما هم موالون للدولة ولنا في رسول الله أسوة حسنة في تعامله مع من آذاه وناصبه العداء. ألم يسأل عن جاره اليهودي الذي كان يؤذيه حين غاب أذاه ألم يصفح عن المشركين في يوم فتح مكة حين جمعهم وقال لهم : (( ما تظنون أني فاعل بكم؟ )) قالوا : (( أخ كريم وأبن أخ كريم )) قال : (( أذهبوا فأنتم الطلقاء )) .أن المسلم يجب ان يبتعد عن الحقد والحسد والتطرف والعنف وان يتحلى بالأخلاق الكريمة فقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ـ (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) أو كما قال عليه الصلاة والسلام : (( فمن أساء إليك فلا ترد عليه بالإساءة )) بل التزم بقول الله تعالى : ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه و لي حميم) "سورة فصلت الآية 24 ـ 25".أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن هدى للناس وبين لرسوله الكريم ولكافة المسلمين إن مشيئته هي التي جعلت الناس مختلفين فهو خالق النفس البشرية وملهمها فجورها وتقواها فمن زكاها افلح ومن لم يزكها خاب، قال الله تعالى: (ونفس وما سواها* فألهما فجورها وتقواها* قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها) "سورة الشمس الآيات 7 ـ 10".كما أن توجيه الله قضى أن لا يكره أحد في الإيمان قال تعالى في سورة يونس : ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين* وما كان لنفس أن تؤمن إلاَّ بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون ) " الآيات 99 ـ 100" .أن التطور العلمي هو اليوم قد جعل العالم اليوم قرية صغيرة فأي حدث في أي من بلدان العالم يسمعه ويراه الناس في مشارق الأرض ومغاربها بشكل مباشر واصبح انتقال المعلومات ميسراً بشكل لم يسبق له مثيل بفضل وسائل الاتصال الحديثة بل يمكن ان تشارك في أي ندوة دولية أو مؤتمر وأنت في منزلك أو في مكتبك، فعالم اليوم ليس كعالم الأمس وعالم الغد بالتأكيد سيكون أكثر تعقيداً وتطوراً لذلك علينا نحن المسلمين أن نتعامل مع شعوب العالم بمختلف دياناتهم ومذاهبهم لا أن نعزل انفسنا وان يكون رسول الله والسلف الصالح هم قدوتنا في ذلك حتى يكون للمسلمين الدور الريادي في عالم الغد المتطور وأن نكون خير أمة اخرجت للناس .