ظهرت مؤخراً قائمة بخمسمائة جامعة متميزة في التحصيل العلمي والأبحاث في العالم. وللأسف, لم يكن بين هذه الجامعات الخمسمائة ولا جامعة عربية. وحسب جريدة "القاهرة" (10/10/2006) فإنَّ جامعة القاهرة أخذت المكان ال1800 وأخذت جامعة عين شمس مكاناً بعد الألفين!ولذلك يقول الباحث المصري, الدكتور حامد عمّار إننا يجب أن نطرح قضية الجامعات في العالم العربي، بوصفها "قضية استراتيجية ومفتاحية للتقدم الحقيقي". هل نريد جامعات تكون حاضنات للبحث العلمي وللاختراعات أم نريد مصانع للشهادات تُرضي المثقفين المتعلمين وهمياً، ولكنها لا تشكِّل رافعة حقيقية للتغيير النوعي للتعليم وللمجتمع كله؟ويَسأل الكثير من الباحثين الجادين في العالم العربي : هل نريد جامعات يكتظ فيها الطلاب وينعدم البحث الأكاديمي الحقيقي، أم نريد أن تقوم الجامعات ومراكز الأبحاث بإحداث نهضة علمية عامة ، وإحداث نهضة تنويرية عامة، وإحداث طفرة نوعية في الاقتصاد والتخطيط الشامل للتطور المجتمعي، هل نريد جامعات تقوم بدور حاسم في تطوير الاقتصاد والزراعة والإدارة وتقوم أيضاً ببناء قوات مسلحة عصرية تعتمد العلم الحديث مثل كل الجيوش الراقية في العالم؟ هل نريد جامعات مكتظة، تكون مصانع لتخريج الشبان المحبطين المقطوعين عن ديناميكية العصر ومسلوخين عن المنجزات العلمية الحديثة في مجال العلوم الطبيعية والرياضيات وفي العلوم الطبية، وفي العلوم الاجتماعية والاقتصادية والإدارية؟يقول الدكتور حامد عمار: " أكرر أنَّ جامعاتنا أشباه جامعات، لا من قبيل التهوين بقدرها، وإنما رفضاً لسياسة الحشْد والحشْر للطلاب في قاعات الدراسة مما ليس له مثيل في الجامعات المقارنة"ويقول إن عدد الطلاب الجامعيين في المرحلة الجامعية الأولى في مصر، وحدها، ارتفع في السنوات الأخيرة من 400 ألف طالب وطالبة إلى مليون ونصف. ويقول إنَّ المقاعد لم تعد كافية، ولذلك فإن بعض الطلاب يُحْضِرون المقاعد معهم ويضعونها في الممرات، في القاعات المكتظة، لكي يجلسوا ويستمعوا إلى المحاضرات!!في المجلات العلمية العالمية يقولون، وبحق، إن الجامعات في أكثرية دول العالم الثالث هي جامعات من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، بالمقارنة مع الدول المتطورة. كما أن الجامعات العالمية تضع عقبات جديّة في وجه الطلاب القادمين من العالم الثالث لمواصلة الدراسة، وتختار منهم الموهوبين المبدعين.[c1]الجامعة.. والديمقراطية[/c]من القضايا الأساسية المطروحة عندما نبحث مسألة الدراسة الأكاديمية سؤال الأسئلة: هل الجامعات هي ساحة حقيقية للتفكير الحر، والاجتهاد والبحث؟ إن الجامعات في العالم تطورت خلال ال300 سنة الماضية عندما قررت أن كل موضوع مطروح للبحث، وكل سؤال مشروع، وكل استنتاج هو استنتاج علمي، إذا توصلنا إليه عبر البحث الموضوعي الأكاديمي، النَّقي من الخوف من الحقيقة، والنَّقي من التملُّق للنظام. ليس صدفة أن الدول التي تحترم الديمقراطية تمنع الشرطة والمخابرات من دخول الجامعات، فالحرم الجامعي، هو للأساتذة وللطلاب، ولكن مغلق، قانونياً، أمام الشرطة والمخابرات وقادة الحزب الحاكم. الجامعات، في العالم المتقدم والراقي، لا تقوم بخدمة النظام الحالي، ولا بخدمة أي نظام، بل تقوم بخدمة المجتمع كله استراتيجياً، بعيداً عن السياسة الجارية. ولذلك فإن الجامعات هي دفيئات للنقاشات العاصفة، بين الطلاب والصراعات أيضاً، وهي دفيئات للإبداعات والاختراعات. الجامعات هي مشاتل لإعداد العلماء والباحثين والأطباء والمهندسين وعلماء الاجتماع وعلماء النفس والعلوم التطبيقية والدقيقة، وهي أيضاً مشاتل لإعداد قادة للمجتمع مستقبلاً، خصوصاً من بين طلاب العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية.في الجامعات، في الدول الديمقراطية، الجامعات مستقلة عن النظام السياسي الحاكم، ولكن الجامعات مرتبطة حتّى النخاع بحاجات المجتمع وتطلعاته، مرتبطة بالطموح القومي للمجتمع إلى الرقي النوعي، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً وإدارياً .إن الدول الدكتاتورية، دول نظام الحزب الواحد، بدل ذلك تحاول أن تُربي أجيالاً خنوعة مطيعة للنظام، وصولية ومرتزقة، تأخذ تقدمها الوظيفي، من الولاء للنظام وزبانيته، تربي أجيالاً في إطار المسموح وتخاف بل وترفض التفكير بما هو محظور.ولذلك فإن التناقض والاحتكاك بين المؤسسات الجامعية وبين النظام، في الدول الدكتاتورية هو أمر حتمي. وقد سمعنا، في السنوات الأخيرة عن المظاهرات البطولية للطلاب والطالبات، في ايران، رفضاً للتطرف الديني ورفضاً للوثنية السياسية ورفضاً للتحجر الاجتماعي ورفضاً للإكراه. كما كان للجامعات دور بالغ الأهمية في الانتفاضات التي سبقت سقوط الأنظمة الشيوعية المتزمتة في دول أوروبا الشرقية، ويقوم الطلاب، والمثقفون عموماً، بدور بطولي، الآن، في ربيع الثورة الشعبية الديمقراطية في دول أمريكا اللاتينية، كما كان للطلاب دور هام في الثورة السلمية في أوكرانيا قبل سنتين.[c1]الجامعة.. والعمل السياسي[/c]إن النقاشات الواسعة والعاصفة أحياناً، والصراعات التي تشهدها الجامعات، تؤكد حتمية انتصار الديمقراطية. والجامعة تمد الشعب بالأفكار الجديدة والنافعة وتمد الحركة السياسية بروافد من الشبان الحالمين المتطلعين إلى التغيير، وبالتالي، تقدِّم الجامعات للمجتمع قيادات شابة مناضلة. صحيح أن الأنظمة الدكتاتورية تأخذ إجراءات قمعية وإجراءات تتميز بالإغراء، لمنع قيام الجامعة بدورها الثقافي والاجتماعي والتنويري. ولكن من المحتم، في آخر المطاف، أن يطفح الكيل وأن يفيض نهر الغضب على الضفاف ويغمر الوطن كله.[c1]جامعات متطورة علمياً مصلحة قومية عُليا [/c] بناء على كل ذلك نقول أن هناك حاجة للترحيب بإقبال الجيل الصاعد على الدراسة الجامعية، ولكن يجب التفريق بين الجامعات الأكاديمية، وبين مراكز الإعداد المهني، ويجب أن تقوم مراكز الإعداد المهني بترقية جهاز الدولة والأجهزة الاقتصادية والمهنية، بينما الجامعة تقوم بالإعداد الاستراتيجي للنقلة النوعية إلى التقدم. يجب خلق مناخ يسعى فيه كل شاب وشابة إلى التطور العلمي والمهني، بالإضافة إلى خلق نُخَب علمية أكاديمية مبدعة تقتحم الآفاق العالمية، وبالتالي تسعى إلى اقتحام مجتمعاتها إلى الآفاق العالمية. إن جامعات راقية علمياً، بروح العصر، هي الرافعة الرئيسية للانتقال من تخلف العالم الثالث إلى صف العالم الأول.الركود هو أخو الموت، والنقاش والاجتهاد، بلا حدود وبلا قيود، هما الأساس للنهضة العلمية والثقافية والاجتماعية الحقيقية. وكل الحواجز التي تقف في وجه الإبداع العلمي والثقافي والأكاديمي يجب هدمها.إن الحركات السياسية النهضوية ومنظمات المجتمع المدني على كل أنواعها، والجامعات، والحركات الثقافية، حركات الأدباء والفنانين والإعلاميين، تحتاج في آخر الأمر إلى التوحُّد في تيار واحد، مدني واجتماعي، ديمقراطي نابع من قلب البيئة الوطنية وتراثها وخصوصياتها، لمجابهة الدكتاتورية العسكرية ودكتاتورية المخابرات ودكتاتورية نظام الحزب الواحد، ونظام القمع الذي يطالب الشعب كله، المجتمع كله، أن يعيش وأن يتصرف وأن يسلك حياتياً، حسب أوامر وحاجات الطغم الحاكمة، الشرسة والمفسودة، والعاجزة في نهاية المطاف.إذا كان القادة، في النصف الثاني من القرن العشرين، في العالم العربي يجيئون من الجيوش، فإننا نقول إن انظمة العسكر استبدلت دكتاتورية الإقطاع بدكتاتورية العسكر. ولهذا فشلت وخلقت فساداً ليس أقل من دكتاتورية الإقطاع.إن قوى المجتمع الجديدة، المدنية المتحالفة مع العلم والتقدم والديمقراطية هي هي حاملة لواء التغيير المطلوب- السياسي والاجتماعي والثقافي والتعددي في الأوطان العربية. وللجامعات دور غير مباشر ولكنه دور حاسم في صنع الثورة القادمة، من حيث الحلم الاجتماعي ومن حيث الكوادر القادرة على تطبيق هذا الحلم الاجتماعي الجديد. [c1][email protected] * كاتب فلسطيني ــ الناصرة[/c]
|
فكر
جامعات أم مصانع لإنتاج الشهادات الجامعية؟!
أخبار متعلقة