غضون
* الصورة التي رسخها النصوصيون وعبّاد المأثورات، وأولئك حسنو النية سيئو الأمانة عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه رجل يعاني من الأمية الأبجدية، وقد أخذوا من القرآن كلمة أمي والأميين التي وصف بها الرسول وقريش دليلاً على أن النبي كان لا يحسن القراءة والكتابة وأن العرب أمة أمية.. والمثير للدهشة أن هذه الصفة تسوق لأمة محمد عبر الكتب المدرسية والخطب والكتب على سبيل الافتخار أو تمجيد الأمية.. وعندما يأتي إمام مثل القرطبي أو الطبراني أو كاتب معاصر لينفي الأمية عن الرسول يشغب هؤلاء في كل الاتجاهات مستنكرين ومرددين مقولات تمجد الأمية.* وكون الرسول يوصف بأنه لا يقرأ ولا يكتب فهذه من الأمور المنكرة، فالأمية ليست ميزة ولا معجزة .. والذين قالوا إن كلمة أمي في القرآن تدل على أن الرسول كان لا يقرأ ولا يحسب ولا يكتب أرادوا بذلك أن يسقطوا مزاعم القائلين إن القرآن كتبه محمد، رغم أن قريش لم تتهمه بكتابة القرآن بيده.. رغم علمها أنه يقرأ ويكتب ويحسب، بل زعمت أن الرسول كان يتلقى أخبار وقصص الأولين من أناس يستكتبهم وخاصة أهل الكتاب.* إن كلمة أمي في القرآن أطلقت على الرسول بوصفه رسولاً إلى الأميين، أي الذين لم يكن لهم كتاب ورسول مرسل مثل اليهود والنصارى.. أما تفسير كلمة أمي بمعنى عدم إجادة القراءة والكتابة والحساب، فهو تفسير تنقصه وقائع تاريخية.. فعندما أرسل الله رسوله كان عرب قلة خاصة في قريش يعرفون القراءة والكتابة والحساب، وكثير منهم على هذا الحال بما في ذلك الرسول محمد الذي عرف أنه اشتغل قبل الرسالة بشؤون المال والتجارة في مكة والشام، وهي مهنة لم يكن ليتفوق بها ويجيد أمورها لو كان لا يحسب ولا يكتب ولا يقرأ.* ثم هناك مرويات عن وقائع تاريخية مثل الاتفاقيات وكتابة القرآن تذكر أن الرسول كان يقول للكاتب: أمح هذه الكلمة وضع مكانها كلمة كذا.. وهذه الآية مكانها في سورة كذا .. ومثل هذا لا يقوم به إلا من يقرأ ويكتب.. ثم هذا جبريل يقول للرسول: اقرأ.. فهل يطلب ذلك من رجل لا يعرف القراءة .. الطريف أن الذين وجدوا حجة القائلين بهذا قوية احتالوا وذهبوا إلى القول إنه كان كذلك، لكن عندما نزل الوحي أمره الله أن لا يقرأ ولا يكتب!