دفاعاً عن البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية.. دفاعاً عن الدولة الوطنية الحديثة ليمن 22 مايو
[c1]احذروا..مشروع دولة طالبانية في اليمن[/c]أصدر الأستاذ الدكتور حسن مجلي كتاباً بعنوان : ( ملاحظات على مشروع قانون العقوبات ) المقدم من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية في مجلس النواب - التي تخضع لهيمنة حزب التجمع اليمني للإصلاح وجامعة الإيمان - بدلاً عن مشروع التعديلات الذي تقدمت به الحكومة تنفيذاً لتعهدات فخامة رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي .ونظراً لأهمية ما جاء في الكتاب تنشر صحيفة ( 14أكتوبر ) محتوياته على حلقات. تقدمت (لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية) في مجلس النواب (الجمهورية اليمنية) إليه بمشروع تعديلات للقرار الجمهوري بالقانون رقم (12) لعام 1994م بشأن (الجرائم والعقوبات) وقد ذكرت اللجنة في خطابها الموجه إلى رئيس وأعضاء هيئة رئاسة المجلس وأعضائه أنها بمشروعها هذا تكون، حسب زعمها، قد قدمت مشروعاً أفضل بديلاً لقانون العقوبات النافذ. ولوحظ أن إعداد مشروع القانون جرى بصورة شبه سرية، دون الاستعانة بالجهات ذات العلاقة كقضاء الحكم والنيابة العامة والمتخصصين من الدكاترة أساتذة القانون الجنائي في الجامعات اليمنية.الثابت بيقين أن هذا المشروع الخطير، محل هذه الملاحظات، قد وضع توخياً لتحقيق مصلحة القوى المتخلفة في المجتمع، كما أن واضعيه قد عملوا جاهدين على إلغاء كل اجتهادات فقهاء اليمن الأوائل المتحررين من التعصب والجمود، كذلك شطب كل ما هو متقدم من أحكام وقواعد في القانون الجنائي النافذ، وابتداع أو تكريس جرائم وأحكام وعقوبات، بعضها غاية في الغرابة والشدة والقسوة، كما أن معظمها لا أصل لها في الشرع ولا تتناسب مع العصر أو تخدم التطور والعدالة في اليمن.ويتضح من خلال قراءة المشروع ما يلي:أولاً : أن التعديلات المقترحة فيه لم توجه إلى تصحيح الأخطاء الموجودة في (قانون العقوبات) النافذ أو تفادي الثغرات الكامنة فيه أو سد النقص التشريعي الناجم عن عدم مراعاة الإنجازات العلمية العظيمة في عصرنا الحديث، ومن ذلك التطور التكنولوجي والجرائم المرتبطة به، إذ لم تتضمن التعديلات أية إضافة في هذا الجانب، ليس ذلك وحسب، بل إنها، في معظمها، قد أعادت إنتاج بعض الآراء الفقهية البالية المتشددة لتفرغها في نصوص قانونية بدائية بين دفتي مشروع القانون المذكور.ثانياً : تم استبعاد الأحكام المقتبسة من الاجتهادات الفقهية المتطورة في اليمن عبر العصور والتي سبق تقنينها والنص عليها في قانون العقوبات النافذ، لتحل محلها في مشروع القانون، أحكام متشددة أو نصوص عائمة تكرس مبدأ العنف وأخلاق القسوة والتعذيب في العقاب، كما أنها تجعل التجريم بحراً لا ضفاف له، ذلك أن مناط تحديد النشاط المعاقب عليه في مشروع العقوبات المذكور، ليس النص القانوني أو الحكم الشرعي المقنن الذي تم إفراغه في نص قانوني كما هو الحال في قانون العقوبات النافذ، وإنما صار التجريم والعقاب يستمد كيانه، مباشرة، مما أسماه واضعو المشروع ((النص الشرعي)) في المادة (2) وأطلقوا عليه ((أصح الأقوال)) في المادة المضافة قبل المادة (334)، وذلك من شأنه إخضاع التجريم والعقاب للمصالح الذاتية والبواعث غير المشروعة وأقوال ذوي المذاهب الدينية والاتجاهات الفقهية المختلفة وأعوانهم، كذلك اجتهادات وتفسيرات الأشخاص القائمين على تنفيذ القانون ومصالحهم المتباينة وطرق فهمهم المتناقضة للنصوص الشرعية والآراء الفقهية عبر العصور.[c1]تكريس القصور في قانون العقوبات النافذ:[/c]أولاً : لم يتضمن المشروع أية أحكام أو نصوص تهدف إلى تلافي جوانب القصور التشريعي في قانون العقوبات النافذ، وعلى سبيل المثال فقد خلا المشروع المذكور من فرض أية عقوبة على جرائم انتشرت، حديثاً، في المجتمع ولم يتضمنها القانون النافذ، وكان الأحرى بالمشرع أن يوردها في التعديلات، ومن ذلك عدم تجريم حيازة الخمر وعدم النص على جرائم تفشت في المجتمع ومنها استعراض القوة والتلويح للمجني عليه بالعنف والتهديد بالافتراء على المجني عليه أو زوجه أو أحد من أصوله أو فروعه، وغير ذلك من الجرائم التي لم ينص عليها قانون العقوبات النافذ أو تضمنها جزئياً فقط، وتسمى في بعض الدول (جرائم البلطجة).ثانياً : لم ينص مشروع القانون على عدد من المسائل والأحكام التي يخلو منها القانون النافذ، والتي يعتبر خلوه منها ثغرات في التشريع أدت، وما تزال، إلى إلحاق أضرار جسيمة بحقوق المواطنين وحرياتهم، ومن تلك الثغرات عدم تجريم مخالفة القرارات والأوامر القضائية أو الامتناع عن تنفيذها من عموم الأفراد أو الجماعات كالشركات الخاصة، وكان الأحرى بأصحاب المشروع الالتفات إليها، وذلك لسد النقص الذي يعتري المادة (165) من قانون العقوبات الحالي والتي تقصر المساءلة والعقاب على الموظف الرسمي.ثالثاً : لم ينص المشروع على زمن لتقادم عقوبات (الحدود الشرعية) (الرجم - الجلد - القطع)، بينما المقرر شرعاً وقانوناً أنها - كقاعدة عامة - تتقادم، شأنها في ذلك، شأن غيرها من العقوبات، وهذا النص لا يخلو منه قانون في العالم الإسلامي خلا قانون العقوبات اليمني والنظام الجنائي السعودي.يلاحظ على مشروع القانون في مجال حقوق الإنسان وحرياته المكفولة دستوراً ما يلي:1 - تعارض عدد كبير من نصوص مشروع قانون العقوبات محل هذه الملاحظات مع الحقوق والحريات المكفولة للإنسان في الدستور اليمني، ليس ذلك وحسب، بل إن المشروع المذكور يتعارض مع معظم المبادئ والأحكام الواردة في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الملزم للدولة اليمنية بموجب المادة (4) من الدستور اليمني مما سيوقع اليمن في حرج شديد ويجعلها، في حالة إقراره، عرضة للانتقادات والعقوبات الدولية، ويؤدي بها إلى العزلة عن العصر والعالم.2 - تضمنت التعديلات الواردة في المشروع أحكاماً بالية منقولة عن بعض التشريعات السابقة في البلدان المقارنة، على الرغم من أن القضاء الدستوري هناك قد حكم بعدم دستورية تلك النصوص وتم إلغاؤها أو تعديلها، كما هو الحال في القانون المصري، مع ملاحظة أن المشرع اليمني قد أضاف في المادة (201) من قانون العقوبات إلى الخاضعين للتجريم، الموزعين للصحف والكتب والناشرين والطابعين لها وجعلهم جميعاً مسئولين جنائياً كفاعلين أصليين، بمجرد النشر، وهو ما يتعارض مع مبدأ شخصية المسئولية الجنائية التي نص عليها الدستور اليمني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان،و كذا قانونا العقوبات والإجراءات الجزائية اليمنيان النافذان.3 - عدم معرفة بعض واضعي التعديلات بما يجري في نهر الحياة المعاصرة، كونهم يعيشون في أبراج عاجية تفصلهم بعازل سميك عن حياة المجتمع والواقع المعاش، ولذلك فهم يتجاهلون أو لا يعلمون شيئاً عن كيفية إعمال النصوص القانونية في الواقع والوسائل التي تستخدمها الأجهزة القائمة على تنفيذها، وما يصاحب ذلك من خروقات وتعسفات يلزم، لتجاوزها، وضع نصوص جنائية (جزائية) في مجال التجريم والعقاب رادعة جامعة مانعة، تمنع القائمين عليها من التوسع في تفسيرها أو التمادي في تأويلها والإمعان في استغلالها بغرض ممارسة التعسف ضد المواطنين والإضرار بهم هم ومن يقطن اليمن من الأجانب من مسلمين وغيرهم.وفيما يلي نورد أهم الملاحظات وأوجه الاعتراض والانتقادات الموجهة إلى مشروع القانون طبقاً لتسلسل مواده حيث بدأنا بالمادة الثانية منه، مضافاً إلى ذلك ما نقترحه من تعديلات متوافقة مع أحكام الدستور وأصول التقنين الجنائي المعاصر والسياسة التشريعية الحديثة، مساهمة منا في خدمة تطور التشريع بما يتناسب وحاجات المجتمع ومصالحه وتطوره كذا سيادة الدستور والقانون والعدالة والتقدم في اليمن.ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق إلى ما فيه خير العرب ومصلحة الإسلام والمسلمين في العالم قاطبة واليمن خاصة ..والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل ..[c1]المــادة (2)[/c]مبــدأ الشرعيــةالنــص الحالــي((المسئولية الجزائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون)). النص بعد التعديل((المسئولية الجزائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو قانوني)).[c1]النــص المقتــرح[/c]كما ورد في النص النافذ.اقترحت اللجنة تعديل النص القانوني النافذ [المادة (2)] بوضع عبارة ((بنص شرعي أو قانوني)) بديلاً عن عبارة ((إلا بقانون)) بحيث يكون النص المعدل، حسب مشروع اللجنة، كما يلي:((المسئولية الجزائية شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص شرعي أو قانوني)).وقد زعم أصحاب اللجنة أن كلمة ((شرعي)) قد وردت في المادة (3) من الدستور، وهذا حق أُريد به باطل على النحو الذي نوضحه فيما يلي:أولاً : أن المادة (3) من الدستور اليمني جعلت من الشريعة الإسلامية (مصدر جميع التشريعات) وليس مصدر جميع (الأحكام القضائية) أو مصدر (التجريم والعقاب). وكلمة (التشريعات)، مفادها أن أحكام الشريعة والآراء والمبادئ الفقهية يجب أن تصاغ في قالب تشريعي، أي لزوم صبها في نصوص قانونية، حتى تصير تشريعات سارية المفعول وملزمة للقضاء وجميع المخاطبين والمخاطبات بالقانون.ثانياً : الواضح من النص الدستوري اليمني أنه لم يسبغ على أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والآراء والمبادئ الفقهية المنسوبة إليها والمرتبطة بها، قوة إلزام ذاتية، ما مقتضاه أنها لا تكتسب قوة الإلزام التي تكون لقواعد القانون إلا إذا وضعها المشرع في نصوص قانونية طبقاً للإجراءات الدستورية المقررة في هذا المضمار، وبذلك تكون الأحكام أو النصوص الشرعية والفقهية ملزمة للكافة نتيجة صيرورتها تشريعاً متمثلاً في نصوص قانونية جامعة مانعة، أي أن الإلزام هنا مصدره سلطة الدولة باعتبارها ممثلة للمجتمع.ثالثاً : إن الخطاب في نص المادة (3) من الدستور موجه إلى المشرع وليس إلى السلطة القضائية أو المواطنين، فالدستور يلزم السلطة التشريعية بأن تستمد القوانين من أحكام ومبادئ الشريعة واجتهادات الفقهاء المسلمين وأن يستند إليها في تفسير القوانين وتطبيقها، وأن تكون السياسة الشرعية مبنية على رعاية مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم وعدم تكليفهم بما يشق عليهم ويوقعهم في الضيق والحرج، وهو ما أكدته المادة (3) من القانون المدني اليمني ونصها كما يلي:((الشريعة الإسلامية مبنية على رعاية مصالح الناس ودرء المفاسد عنهم والتيسير على الناس في معاملاتهم وعدم تكليفهم بما يشق عليهم ويوقعهم في الضيق والحرج بما يخالف الشريعة الإسلامية)).رابعاً : ليس مفاد النص الدستوري الوارد بالمادة (3) من الدستور إلزام السلطة التشريعية بأن تقتصر، في مجال التشريع، أي إصدار القوانين، على مصدر واحد هو مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكام الفقه الشرعي، بل إن المشرع اليمني يملك الحق في أن يستمد من التشريعات المقارنة والعرف والعادات ومبادئ العدالة والاجتهادات الفقهية والقضائية القديمة والحديثة، ما يراه ملائماً للمصلحة العامة، لأن تصرف الدولة منوط بالمصلحة [المادة (1) من القانون المدني]، ويترتب على ذلك، أن آراء من سبق من فقهاء وعلماء الشريعة والفقه الشرعي ليست ملزمة للمشرع اليمني، إذ أنه يملك الاستئناس بها وحسب [المادة (1) من القانون المدني]، ولا ريب في أن كل ذلك مشروط بعدم التعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية والنظام العام والآداب.على أنه لو أراد المشرع الدستوري معنى مغايراً لما أوردناه، لكان نص في الدستور على أن: ((الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد لكافة التشريعات)).والخلاصة: أن الدستور اليمني لم يجعل اجتهادات الفقهاء الشرعية والمبادئ والأحكام الشرعية غير القطعية أساساً قائماً بذاته للتجريم والعقاب دون الحاجة لوضعه في نصوص قانونية، كما أن المشرع الدستوري في اليمن لم يقرر اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريعات في اليمن، وإنما نص على كونها فقط (مصدر التشريعات) دون تخصيص لها بالواحدية والتفرد، بل إن الدستور اليمني لم يصفها بـ (الرئيسية)، ولذلك يكون التخصيص هنا باطلاً لأنه دون مخصص، كما أنه يتعارض مع بناء النص الدستوري ومدلوله، كذلك مقتضيات الحياة في تطورها وتحولاتها وتغيرات جوهرها ومظاهرها المتواترة على مر الزمان.خامساً : إن نص المادة (3) من الدستور اليمني ملزمة للسلطة التشريعية، من حيث وجوب أن يكون مصدر التشريعات (القوانين) في اليمن هو (الشريعة الإسلامية) من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم السماح لأية جهة كانت الزعم بأنها تملك الحق في اعتماد أحكام الشريعة أو أقوال فقهاء السلف، بذاتها، كمصدر للتجريم والعقاب، دون أن تكون الأحكام والمبادئ والاجتهادات و (الأقوال) المعتمدة قد صدرت على هيئة (نصوص قانونية) عن السلطة المختصة (التشريعية) و (رئاسة الدولة)، بعد استكمال الإجراءات الخاصة بإقرارها في (مجلس النواب) ثم إصدارها بواسطة الجهة المختصة (رئيس الجمهورية)، دستورياً، بذلك.سادساً : إن المادة (6) من الدستور تؤيد التفسير الذي أوردناه للمادة (3) منه وتعتبر هذه مكملة لتلك، من حيث أنه لا يجوز التجريم والعقاب في اليمن إلا بناءً على نصوص قانونية أساسها أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئ الفقه الإسلامي، ذلك أن من أهم مبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية، أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون، أي بناءً على نص قانوني نافذ.سابعاً : إن نص المادة (3) من الدستور صريح في أنه يجب على المشرع اليمني تقنين أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وفقهها والاجتهادات المعتمدة لعلمائها وفقهائها في نصوص تشريعية، وهو المعنى الصريح لعبارة (مصدر جميع التشريعات)، ولو أراد المشرع الدستوري معنى مغايراً كالذي ذهبت إليه (لجنة تقنين أحكام الشريعة) الراهنة في (مجلس النواب)، لكانت وردت عبارة أخرى تفيد المعنى المفترض من قبلها مثل: (الشريعة الإسلامية مصدر جميع الأحكام القضائية) أو (مصدر التجريم والعقاب) أو (أحكام الشريعة الإسلامية وأقوال الفقهاء مصدر الجرائم والعقوبات).وبناءً على ذلك فإن التجريم والعقاب خارج إطار التشريع أي النصوص القانونية، يعتبر عملاً مخالفاً للدستور، مما يجعل عبارة ((نص شرعي)) الواردة في (مشروع القانون)، بالمفهوم، الخاطئ، الذي أوردته اللجنة، غير دستورية أيضاً، لأن العبارة المذكورة تخالف النص الدستوري القاضي بأن تتم صياغة أحكام الشريعة والفقه الإسلامي في نصوص قانونية أي تشريعات وضعية.ولا مجال هنا للاحتجاج بالعبارة الواردة بالمادة (47) من الدستور وهي ((نص شرعي)) لأن العبارة المذكورة لا يجوز فصلها عن السياق العام للدستور ومواده الأخرى، والتي تؤكد جميعها أن المراد بكلمتي ((نص شرعي)) هو وضع الحكم المستمد من أحكام الشريعة والفقه الإسلامي في قالب تشريعي أي على هيئة نصوص قانونية وذلك فيما يتم تشريعه بعد صدور الدستور عام 2001م، على أنه فيما يخص ما صدر قبل ذلك فقد عبر عنه المشرع الدستوري بكلمة ((قانوني)) تسبقهما الأداة اللغوية (أو).وليس أدل على ذلك من أن النص الدستوري ذاته قد ورد في ختامه عبارة: ((ولا يجوز سن قانون يعاقب على أي أفعال بأثر رجعي لصدوره)).والعبارة المذكورة برهان قاطع على صحة ما أوردناه وتأكيد دستوري على أنه لا يجوز التجريم أو العقاب في الجمهورية اليمنية، إلا بناءً على نص قانوني نافذ على ما يلي صدوره من أنشطة محظورة جنائياً، سواء كانت فعلاً أو امتناعاً أم تركاً.ثامناً : إن عبارة ((نص شرعي أو قانوني)) الواردة بالمادة (3) من الدستور يراد بها أن النصوص القانونية السابقة لصدور الدستور عام 2001م لا تعتبر ملغية تلقائياً بمجرد الاعتقاد بوجود تعارض بينها وبين مبادئ الشريعة الإسلامية أو الأحكام الفقهية الشرعية، إذ يتوجب، لإلغاء النصوص المتعارضة معها، أن يقوم المشرع بمراجعتها وتبين أوجه التعارض، ثم تعديلها بما يرفعه أو إلغائها إن استحال جعل التعديل وسيلة للتوفيق بين أحكام الشريعة الإسلامية الغراء والفقه الشرعي المستنير من جهة، والنصوص القانونية المعدلة من جهة أخرى.تاسعاً : إن من شأن جعل عموم أحكام الشريعة ومذاهبها كافة، بما في ذلك آراء الفقهاء واجتهاداتهم و (أقوالهم) عبر العصور، مصدراً، بذاته، للتجريم والعقاب، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج خطيرة منها:النتيجة الأولى : حرمان المشرع اليمني من الاجتهاد والنظر في كافة النصوص والأحكام الشرعية، ظنية الدلالة والقابلة للتأويل، وغل يده عن أن يوازن بين آراء الفقهاء المجتهدين فيما يخصها، ثم ترجيح ما يراه من بينها محققاً للصالح العام، ومن ثم، أولى بالإتِّباع والتقنين، بحيث يصير الحكم المعتمد من قِبَلِه للكافة وفي مقدمتهم السلطة القضائية.النتيجة الثانية : إثارة النـزاعات المذهبية والطائفية وإحداث تضارب خطير في الأحكام القضائية وإطلاق يد (المحتسبين) ومن في حكمهم للعبث بحقوق الناس وحرياتهم باسم الدين وأحكام الشريعة، وبناءً على أقوال متبوعيهم من أصحاب الفقه، مهما كانت متعارضة مع الصالح العام وحركة التطور ومقتضيات التقدم.النتيجة الثالثة : منع المشرع اليمني من وضع الأحكام والقواعد المحققة لمصالح الناس والملائمة للعصر الحديث ومقتضيات التطور وضرورات الحياة المعاصرة، وذلك فيما لم يرد به نص قطعي ولا ظني، كان وما فتئ مجالاً للاجتهادات الفقهية عبر العصور.عاشراً : إن إضافة كلمة (شرعي) في قانون العقوبات مؤداه صيرورة الآراء الواردة في مختلف المذاهب الفقهية مصدراً، بذاتها، للتجريم والعقاب مهما كانت متعارضة مع المصلحة العامة ومستلزمات العدالة ومقتضيات التقدم.ولا ريب في أن ما أوردناه يرتبط بحقيقة لا يجوز أن تغيب عن الأذهان وهي أنه يجب على المشرع، في كل الأحوال، الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية وقواعدها العامة وغاياتها الكلية ومقاصدها الإنسانية العظيمة.حادي عشر : إن من شأن جعل كافة المذاهب الشرعية وأقوال الفقهاء، بقضها وقضيضها وغثها وسمينها، مصدراً للتجريم والعقاب، إلغاء دور المشرع اليمني والتضييق على الناس، بواسطة من يزعمون الحرص على الإسلام والدفاع عن الفضيلة، والذين يجهدون أنفسهم في البحث عن كافة أسباب إيقاع الحدود الشرعية وعدم الأخذ بمعظم الشبهات، متجاهلين الحديث الشريف (ادرؤوا الحدود بالشبهات) وأن الزمن المعاصر برمته هو (عصر شبهة).والثابت هو أن (لجنة تقنين أحكام الشريعة) لم يضع أصحابها نصب أعينهم، عند إعداد مشروع قانون العقوبات، كون الشعب اليمني والسلطة الحاكمة وكذا المشرع اليمني، قد توخوا في الدستور والقوانين عدم النص على وجوب التزام مذهب فقهي معين (زيدي - شافعي - حنفي - حنبلي - شيعي - ظاهري - وهابي ... الخ)، وذلك لتحقيق ما يلي:1 - كي لا ينسدّ أفق الاجتهاد العصري الخلاق أمام المشرع اليمني، ولا يضيق حال الناس بمذهب شرعي معين، ولكي تتعدد، بدلاً عن ذلك، الحلول الشرعية بتعدد وتنوع الاجتهادات، ثم اختيار الملائم منها للعصر الحديث والمحقق للمصلحة والمناسب للظروف السائدة محلياً وعالمياً. 2 - أن يتمكن المشرع في اليمن من تتبع الرخص الشرعية والذرائع المشروعة والأخذ من كل مذهب فقهي شرعي بما هو أنسب وأيسر وأهون، وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة، بما يكفل التيسير على الناس والمسلمين وتفادي ما يشق عليهم ويلحق الضرر بهم.ثاني عشر: إن جعل أحكام الشريعة والفقه، بذاتها، دون تقنينها بواسطة السلطة التشريعية، مصدراً للتجريم والعقاب ومرجعاً ملزماً للقضاء، حيث يحكم القاضي بموجب ما يقتنع به من مبادئها وأحكامها واجتهادات و ((أقوال)) فقهائها باعتبارها (نصوصاً شرعية)، مؤداه إلغاء دور السلطة التشريعية وإحلال من يسمون بـ (رجال الدين) و (علماء الدين) وقادة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) أو أرباب (هيئة الفضيلة) أو (سلطة الفتوى) ...الخ، محل السلطة التشريعية، بما يصدرونه من فتاوى ويلقون به من آراء أو يدلون به من أقوال منسوبة إلى الدين ومكتسية وشاح الفقه الشرعي، بحيث يصير أمراً لازماً الرجوع إليهم في كل ما يتعلق بحل المنازعات بين الناس وتصير آراؤهم ملزمة للقضاة، لا في مجال التجريم والعقاب فقط، بل في كافة الفروع القانونية وشتى أنواع العلاقات والمعاملات، حتى مع وجود نصوص قانونية أيضاً، مما سيترتب عليه إمكان رفض النص القانوني تحت ذريعة أنه يتعارض مع (النص الشرعي)، أو (القول) الصادر عن أحد الأسلاف أو المعاصرين، أو (الرأي) الوارد في أحد المذاهب والذي يعتبره أصحاب المصلحة هو الواجب التطبيق، لأنه، في نظرهم، حكم الشريعة المنـزّل على المنازعة المنظورة في المجال الشخصي أو المدني، كما أنه هو الحكم الشرعي الواجب تطبيقه، في المجال الجنائي، على نشاط ما، لم يرد بشأن تجريمه نص قانوني، ولكنه في نظر أحد القدامى أو المعاصرين يعتبر معصية دينية تستوجب العقاب الدنيوي.ثالث عشر : إن إقحام لفظ ((شرعي)) المقترح إضافته إلى نص المادة (2) من قانون العقوبات النافذ، يفتح الباب واسعاً للمتعصبين مذهبياً، أياً كان مذهبهم، في فرض سلوكهم وآرائهم المتخلفة والمتطرفة على المجتمع عن طريق القانون وباسم الشريعة الإسلامية الغراء، وذلك خدمة لبعض الأشخاص أو الفئات أو التيارات، سيما تلك التي أصبح لها منافذ سلطوية في جهاز الدولة عبر أحزاب أو هيئات أو جمعيات دخيلة على المجتمع اليمني وعلى رأسها ما يسمى بـ (هيئة الفضيلة)، والتي يتضح من الأحكام والقواعد الواردة في مشروع قانون العقوبات، أنه قد تم وضعه، كي يكون دستوراً لها تتوافق نصوصه مع أهداف هذه الهيئة وطبيعة تكوينها، بحيث تتمكن، بعد ذلك وباسم القانون، من تطبيق آراء وأقوال زعمائها أو أسلافهم المتشددين، بحيث يكون التجريم مصدره هو معتقدات وأفكار وأقوال زعمائها وأعضائها ومذهبهم وآراء فقهائهم المتحجرين، لا نصوص القانون، الأمر الذي يترتب عليه النأي بغايات وأغراض التشريع والتقنين، مما سَيُمسي معه مشروع القانون، في حالة صيرورته قانوناً، مدخلاً للصراعات المذهبية والسياسية وغيرها، بدلاً من أن يكون نظاماً للفصل في المنازعات بين الناس ووسيلة لخدمة الدين وتطور المجتمع وحماية أفراده . [c1]* استاذ علوم القانون الجنائي كلية الشريعة والقانون جامعة صنعاء المستشارالقانوني والمحامي أمام المحكمة العليا[/c]