خلال اجتماع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية طرح مقترحات تتعلق بتعديلات دستورية تهدف إلى تطوير النظام السياسي لليمن بحيث يكون النظام السياسي للحكم رئاسيا كاملا، وتكون مدة رئاسة الجمهورية خمس سنوات، على أن تتكون السلطة التشريعية من غرفتين تشريعيتين هما مجلس النواب ومجلس الشورى، وإجراء انتخابات مجلس النواب ومجلس الشورى كل أربع سنوات. ونصت المبادرة كذلك على أن يعدل مسمى السلطة المحلية إلى الحكم المحلي بحيث يكون رئيس الحكم المحلي منتخبا من هيئة الناخبين وفقا للقانون ويكون لمجلس الحكم المحلي صلاحيات يحددها القانون ويصدر قرار من رئيس الجمهورية لتسمية رؤسائها المنتخبين، وينعكس ذلك الوضع على المديريات ووفقا لما يحدده القانون. كما دعت المبادرة إلى إنشاء شرطة محلية في المحافظات وإقامة أمن عام مركزي يمثل كافة المحافظات مثله مثل الجيش الذي يكون سياديا ويمثل الوطن كله. أما فيما يتعلق بالضرائب والموارد المحلية فقد نصت المبادرة على أن تكون من اختصاص المجالس المحلية التي تقوم بتخصيصها في تنفيذ المشاريع وتسيير الأعمال في الإطار المحلي وفقا للقانون واتجاهات الخطط العامة ويحدد القانون ما يعد ضرائب سيادية مركزية وكذلك الواردات والثروات النفطية والمعدنية والغازية وغيرها من الثروات. ودعت المبادرة كذلك إلى تشكيل اللجنة العليا للانتخابات بناء على ترشيح مجلس القضاء الأعلى لعدد 14 شخصا من القضاة من ذوي الكفاءة والنزاهة ويتم اختيار سبعة منهم من رئيس الجمهورية ويصدر بهم قرار من قبله وتكون اللجنة في ممارستها لمهامها محايدة ومستقلة وفقا للدستور، شريطة أن يتم تخصيص نسبة 15 بالمائة للمرأة في الانتخابات لعضوية مجلس النواب وينص على ذلك قانون الانتخابات. إن قراءة متأنية لمثل هذه المبادرة الهامة تستلزم أن تؤخذ ثلاثة أمور بعين الاعتبار: أولها، أن التطور هو سنة من سنن الله في الكون، وهو الوضع الطبيعي لأي دولة أو نظام سياسي، فالنظام السياسي الذي لا يستطيع التأقلم مع المستجدات والمتغيرات التي تجري في بيئته الداخلية أو الخارجية يُصاب بحالة من الجمود والتكلس قد تقود إلى انهياره في نهاية المطاف. وثانيها، أن النظام السياسي اليمني يمر بمرحلة انتقالية، حيث تم الأخذ بالتعددية السياسية منذ سنوات، وهذه التجربة كان لها إيجابياتها، كما أفرزت بعض السلبيات، وهنا تأتي أهمية تطويرها وتلافي سلبيتها، وبالتالي فإن تعديل الدستور يمثل حجر الأساس في تطوير النظام السياسي. وثالثها، أن اليمن يعاني في الوقت الراهن من حالة احتقان سياسي لأسباب عديدة لا يتسع المجال للخوض فيها، ومن هنا فإن بناء توافق وطني على صيغة معينة مقبولة لتعديل الدستور يمكن أن يمثل مدخلا هاماً لإعادة بناء العلاقة بين الحكم والمعارضة على أسس جديدة. وفي ضوء ما سبق، يمكن القول: إن المبادرة تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، اتجاه تعزيز الممارسة الديمقراطية في اليمن، حيث إنها تجعل للنظام السياسي هوية واضحة باعتباره نظاماً رئاسياً وليس نظاماً مختلطاً يجمع بين الرئاسية والبرلمانية. كما أن جعل مدة الرئاسة خمس سنوات، على أن يُنتخب الرئيس لفترتين فقط هو تطور مهم يخلص اليمن من ظاهرة التأبيد في السلطة التي تعرفها نظم جمهورية عديدة في العالم العربي، كما يؤدي ذلك إلى تجديد النظام السياسي وإضفاء نوع من الحيوية والديناميكية عليه، فضلا عن إفساح المجال لتقوية الأحزاب السياسية، وظهور نخب وقيادات جديدة وكلها أمور تصب في مصلحة التطور الديمقراطي. لكن حتى تحقق هذه المبادرة الأهداف المرجوة منها، فإنه لا بد من توافر عدة شروط وضمانات منها: أن يتم إجراء التعديلات على قاعدة من الوفاق الوطني، بمعنى ألا يتم إقرار تعديلات تكون مثار خلافات كبيرة وتجاذبات حادة بين الحكم والمعارضة على نحو ما حدث في دول عربية أخرى، فالدستور هو أبو القوانين، ويشكل المرجعية الرئيسية للدولة والمجتمع، وبالتالي فإن تعديله لا بد أن يكون موضع اتفاق وإجماع وطني. ونظراً لأن التعديلات الدستورية يترتب عليها بعد إقرارها إجراء تعديلات على عدد من القوانين المنظمة للحياة السياسة، فإن من المهم أن تعكس عملية تعديل هذه القوانين مغزى التعديل الدستوري وأهدافه وغاياته، وألا يتم تعديلها على نحو يفرغ التعديل الدستوري من مضمونه وأهدافه. وبالإضافة إلى ذلك فإن العبرة في نهاية المطاف ليس بصياغة دساتير وقوانين جيدة على الورق فحسب، ولكن بوضعها موضع التطبيق، وتوفير ضمانات احترامها من قبل الجميع، فتكرار انتهاكات الدساتير والقوانين يفقدها هيبتها ويجعل الحديث عن سيادة القانون أمراً بلا معنى، ومع مرور الوقت يصبح خرق الدستور والقانون هو القاعدة وليس الاستثناء، خاصة إذا كانت الدولة أو بعض أجهزتها لا تتورع في تجاوز الدستور وكسر القوانين. وأخيراً وليس آخراً، ومع التسليم بأهمية تعديل الدستور بما يعزز من فرص التحول الديمقراطي في اليمن، فإنه من المهم أن تتحرك الدولة اليمنية بفاعلية وتواصل جهودها لمعالجة المشكلات الحادة والمتزامنة التي يعاني منها اليمن، وبخاصة تلك المتمثلة في تواضع معدلات التنمية وانتشار الأمية والفقر، وانتشار السلاح غير المرخص على نطاق واسع، وشيوع الفساد الإداري، وغياب أو ضعف حضور سلطة الدولة في بعض المناطق. فإذا كان التطور الديمقراطي الحقيقي يتطلب بنية دستورية وقانونية ملائمة، فإنه يتطلب أيضاً وبنفس الدرجة مقومات اقتصادية واجتماعية وثقافية ترسخ النهج الديمقراطي، ومن هنا تأتي أهمية التنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، ونشر التعليم، وإشاعة الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإعادة الاعتبار لهيبة الدولة، وتأكيد سيادة القانون. [c1]- رئيس مركز الخليج للأبحاث [/c]
|
فكر
حول مبادرة الرئيس صالح للتعديلات الدستورية
أخبار متعلقة