وقع في يدي كتاب «تفسير القرآن الكريم» للأطفال وهو إعداد سبعة أسماء ضخمة من الأساتذة والعمداء، كما أنه ظفر بموافقة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.تضمن تفسير سورة الفاتحة التي وضع نصها في مربع صغير على يمين الصفحة، إذ إن الفاتحة سبع آيات وهي بالتحديد 24 كلمة، وهي ابتهال عميق من المؤمنين إلى الله تعالى لينعم عليهم بالهداية للطريق المستقيم، ومع هذا فقد شغلت ثلاث صفحات كبار ختمت بأن المغضوب عليهم “هم اليهود وأشباههم»، وأن الضالين «هم النصارى وأشباههم».من حق السادة المفسرين السبعة أن نقول إنهم لم يأتوا من تلقاء أنفسهم بهذا التفسير، ولكنهم نقلوه من التفاسير المعتمدة فمسؤوليتهم مسؤولية الناقل المقلد الذي ينقل حرفيا ويأخذ كلام المفسرين كأمر مقرر لا نقاش ولا تفكير فيه.ولكن المفسرين الأوائل وإن كانوا في مثل قامة الطبري والقرطبي وابن كثير.. إلخ، عندما قدموا لنا تفسيراتهم فإنهم ارتكبوا دون أن يعلموا إثمًا عظيمًا، لأنهم قوَّلوا القرآن ما لم يقله أو أعطوا معني عامًا صفة خاصة لم يذكرها القرآن، ولتقدير فداحة هذا العمل نقول: إن القرآن كلام الله الذي لا يمكن أن يحاكيه أو يصل إليه كلام أناس يغلب عليهم القصور البشري، وإن التفسير الوحيد المقبول ما يمكن أن يقدمه الرسول، والرسول لم يقدم تفسيرًا إلا لما يقارب 29 آية تقريبًا، ومع هذا فلا يمكن أن نقبلها تمامًا، لأنها كلها جاءت عن طريق أحاديث آحاد لا يمكن القطع يقيناً بها، وبالتالي فلا يمكن تطبيقها على القرآن، على أن القرآن نفسه قد بين للرسول ما يقوله تفسيرًا له في الآيات التي تبدأ «يسألونك» ثم تستأنف «قل»، وهي حالات معدودة ومعروفة.إذن، كل ما نقرؤه في تفسير المفسرين هو كلام المفسرين، ولا يمكن القطع بأن ما ذهبوا إليه هو ما أراده القرآن، بل يغلب أن يكون بينه وبين ما أراد الله بون شاسع.بل لنا أن نذهب إلى ما هو أبعد من هذا، أن القرآن يرفض أن يكون له تفسير كائناً ما كان، لأن هذا بالطبع سيفسح المجال للتقول عليه، ولأن القرآن يتعمد أن يكون كلامه عامًا، فعندما يخصصونه فإنهم يخالفون ما يريد القرآن، وهل كان القرآن عاجزاً لو أنه يريد بالمغضوب عليهم والضالين «اليهود والنصارى» أن يقول ذلك، لقد كان يمكنه ذلك دون أن يختل سياق الآية أو تهتز صياغتها، ولكنه لا يريد لأنه لا يريد تحويل الهداية من معنى عام إلى معنى مقيد بمخالفة أو يقوم على مخالفة أو تخصيص،وهو ما لا يريده وما يقيد العموم الذي أراده، فما الذي يمنع أن يكون من المسلمين من يضل ، ومن يستحق غضب الله، ولماذا ينصبّ ذلك علي اليهود والنصارى؟ وإذا أُريد تخصيص فإن العرب الوثنيين الذين قاوموا الإسلام، وكانت وثنيتهم فاشية، كانوا أولى بذلك.إن القرآن الكريم في سموه وموضوعيته لا يسمّي ولا يحدد، ولا يتقصد قومًا دون قوم، ولكن يضع قيمًا عامة موضوعية مفتوحة لكل من يؤمن بها. ومعني هذا أنه ليس مطلوبًا تفسير للقرآن.ولو طبق ذلك لما وجد المفسرون عملاً، ولانضموا لطابور العاطلين، وهيهات أن يسمح بهذا، وهم الذين يظنون أن عملهم هذا هو أقــدس عمل، وأهم عمل، وأعظم الأعمال قربى إلى الله!لذلك انساقوا في دعاواهم، بحيث أصبحت التفاسير مجلدات، ويقع تفسير الرازي في ثلاثين جزءاً، والقرطبي والطبري ما بين عشرة وعشرين، طبقاً للطبعات.. إلخ، وكل هذا الكلام استقوه من أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وحتى لو كانت صحيحة فلا تجوز أن تكون حكمًا علي القرآن، لما سبق أن قلناه أنها ظنية، ومن أساطير كانت شائعة في المناخ الثقافي ومن إسرائيليات حتى لقد يظن الإنسان أنه يقرأ في التوراة، ومن اجتهادات هي بنت عصرها ـ أي منذ ألف عام تقريبًا ـ وكان عصرًا حافلاً بالملل والنحل التي تطرقت إلى المجتمع الإسلامي من فارس والهند، خاصة بعد أن ترجمت كتب الفلسفة اليونانية، كل هذه المادة الثقافية صيغت كتفسير مما سمح بتفسيرات كانت شائعة في المجتمع، فعندما يقول القرآن «وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ»، فإنهم يقولون النساء والصبيان، وعندما يقول «لهو الحديث»، يقولون الغناء، بل أغرب من هذا فإنهم يفسرون «لا يشْهَدُونَ الزُّورَ» بأن الزور هو أعياد أهل الكتاب! أما كلمة «ويل» التي تكررت في بعض السور فإنهم يفسرونها بأنها «واد في جهنم» مع أن الويل معروف في اللغة وعلي كل لسان.إن القرآنيين الذين استبعدوا السُـنة، كانوا أجدر باللقب، وأدنى إلى الصواب لو أنهم استبعدوا التفسير، ولكن الله تعالى أراد لنا أن نكون من ندعو إليه ونحمل رايته، ونجعله أحد مبادئ الإحياء الإسلامي، وأوضحنا هذا في كتاب «تفسير القرآن بين القدامى والمحدثين»، و«تثوير القرآن»، «العودة إلي القرآن».[c1]* مفكر إسلامي مصري[/c]
|
فكر
كلام المفسرين لا يحل محل قول الله تعالى
أخبار متعلقة