خطرمن نوع خاص يلاحق البيوت العربية، فرضته الظروف والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية على الشباب من الجنسين، وبدأت رحلة البحث عن حل من جانب الدول والمنظمات الأهلية والأفراد لمواجهة هذه الظاهرة، فهناك من قال بتعدد الزوجات ، وآخر اقترح زواجًا بالتقسيط، وهناك من أنشأ جمعيات لتلقي طلبات الزواج ، وإتاحة الفرصة للتعرف بين من لحقتهم العنوسة ؛ رغبة في تحقيق حلمهم المنشود ببناء بيت جديد واسرة سعيدة...ترى ما هي فصول القضية، والسر وراء تضخم خطر العنوسة عربيًا ووسائل الحد من تفاقم هذه الظاهرة...؟.[c1]ظاهرة تلاحق الشباب من الجنسين [/c]ورد في القاموس المحيط أن العانِس هي "البنت البالغة التي لم تتزوج، والرجل الذي لم يتزوج، ويقال: "عنست الجارية، أي طال مكثُها عند أهلها بعد إدراكها "بلوغها" حتى خرجت من عداد الأبكار ولم تتزوج قط".فالعانس إذن، هي البنت البالغة التي لم تتزوج، أو هو الرجل الذي لم يتزوج. فـالقاموس المحيط أطلق هذا اللفظ على المرأة والرجل على حد متساو؛ وهذه ملاحظة جديرة بالاهتمام، ولكن المفهوم الشعبي يرى أن العانس هي المرأة لا الرجل.وفي المجتمعات التقليدية يطلق مصطلح عانس على الانثى بعد عمر ال35 ،وذلك لأن مفهوم البنت هناك يعتمد على اعدادها لتكون محط انظار رجل يختارها كي تكون زوجته، وعندما لا يأتي هذا الشخص فهذا يعني أنها بارت. بينما توجد نسبة كبيرة من النساء اللاتي لم يتزوجن حتي 40 أو 45 سنة، ويفسر البعض ارتفاع سن الزواج في عصرنا الحالي بأن البنت في عمر 25 سنة يكون لديها نضوج فكري كامل ،فاذا وجدت من يناسبها ثقافة وفكراً وفهماً تزوجته ،واذا لم تجده فهي تفضل الانتظار وعدم الزواج. كما ان البنت تنهي دراستها الجامعية في عمر ال25 سنة تقريباً، واذا أرادت ان تتخصص في دراستها سوف تصل الى الثلاثين ،وبهذا لا يحق أن يطلق علىها هذه التسمية خصوصاً وأنها تملك الحرية الشخصية الكاملة في القرار. [c1]أرقام مخيفة [/c]وتدق الأرقام ناقوس الخطر، كاشفة حجم المأساة التي تعايشها غالبية الأسر العربية، وقد أكدت دراسة حديثة ، أجراها مركز الدراسات الاجتماعية في مصر أن 9 ملايين فتاة مصرية فاتهن قطار الزواج.وكشفت الدراسة أن 35 من الفتيات في كل من الكويت وقطر والبحرين والإمارات بلغن مرحلة العنوسة، وانخفضت هذه النسبة في كل من السعودية واليمن وليبيا لتصل إلى 30، بينما بلغت 20 في كل من السودان والصومال، و10 في سلطنة عمان والمغرب، في حين أنها لم تتجاوز في كل من سوريا ولبنان والأردن نسبة 5 ، وكانت في أدنى مستوياتها في فلسطين ، حيث مثلت نسبة الفتيات اللاتي فاتهن قطار الزواج 1 فقط، وكانت أعلى نسبة قد تحققت في العراق إذ وصلت إلى 85.وأشارت الدراسة إلى أن نسبة العنوسة متدنية في منطقة بلاد الشام ومرتفعة في منطقة الخليج العربي ومصر.بينما أوضحت الإحصائيات أن العنوسة لا تقتصر على النساء فقط، فهناك نسبة كبيرة من الرجال يعانون من هذه الظاهرة، حيث أكدت دراسة أخري صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، أن نسبة غير المتزوجين من الشباب من الجنسين في مصر بلغت بشكل عام حوالي 30، وبالتحديد 29.7 للذكور و28.4 للإناث. وطبقا لإحصاء أجرته وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة اللبنانية، فإن نسبة الذكور غير المتزوجين ما بين 25 وثلاثين سنة تبلغ 95.1 ، والاناث 2.38وفي سوريا بينت الأرقام الرسمية أن أكثر من 50 من الشبان السوريين لم يتزوجوا بعد، بينما لم تتزوج60 من الفتيات ، اللاتي تتراوح اعمارهن ما بين 25 و29 عاما، وبلغت نسبة اللاتي تخطين 34 عاما دون زواج 2.37 وهو ما يعني أن أكثر من نصف النساء غير متزوجات... وأشارت نتائج دراسة أردنية مماثلة إلى تأخر عمر الفتيات عند الزواج الأول إلى 29.2، بينما يتأخر إلى 31.9 سنة لدي الذكور، وفي الجزائر كشفت الأرقام الرسمية ، التي أعلنها الديوان الجزائري للإحصاء أن هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن بعد ، بالرغم من تجاوزهن الرابعة والثلاثين، وأن عدد العزاب تخطى 18 مليونا من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة كما أعلنت دراسة نفذها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري بتونس تزايد نسبة العزوبية . [c1]ارتفاع نسبة العنوسة في الوطن العربي [/c]حيث تجاوزت 52 لدى الإناث في الفئة العمرية من 52- 29 سنة، بينما تصل إلى حدود 90 لدى الذكور من نفس الفئة العمرية.وتظهر نسبة العزوبية كذلك لدى الفئة العمرية الأكثر خصوبة 03 - 40 سنة إذ تقدر بـ 32 لدى الإناث وقرابة 60 لدى الذكور.[c1]غلاء المهور والتعليم[/c] وحول اسباب تفاقم الظاهرة، عكف خبراء الاجتماع وشئون الأسرة المصريين والعرب ،على دراسة الأسباب التي تقف وراء الظاهرة الاجتماعية وكيفية مواجهتها والتخفيف من سلبياتها على الشباب والفتيات والمجتمع كله،جاءت الأزمة الاقتصادية وضيق ذات اليد في مقدمة الأسباب التي أدت إلى تفاقم المشكلة، فكما يقول د. رشاد عبداللطيف ، أستاذ علم الاجتماع : إن الأزمة تتمثل في ارتفاع تكاليف الزواج ، التي أصبحت فوق طاقة كثير من الشباب بدءًا من صعوبة الحصول على مسكن، رغم توافر نظام الايجار الجديد، ولكنه في أحوال كثيرة لا يناسب دخل الشباب.في الوقت نفسه ، تصر معظم الأسر على اختيار العريس الجاهز، غير عابئة بالقيم الدينية التي تدعو إلى تزويج الشاب المتدين ، والتسهيل علىهم ، بصرف النظر عن دخولهم .وأضاف د. رشار عبداللطيف أن هناك مجموعة من القيم الضاغطة في الأسرة ، تتمثل في التباهي بقيمة الشبكة، والمؤخر، وجهاز العروسة ،وإقامة الأفراح في فنادق خاصة، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الزواج وصعوبته هذه الأيام.وأضاف أن هناك عوامل ساعدت على استمرار تفاقم الظاهرة، تحددت في وجود بدائل غير مشروعة ، مثل انتشار الزواج العرفي ، وزيادة إقبال الشباب على الإنترنت، وهي طرق بديلة وخاطئة لجأ إلىها كثير من الشباب ؛ للتخفيف من الشعور بالأزمة والرغبة في الارتباط بالجنس الآخر.وأوضح الدكتور عبداللطيف أن الفتاة أكثر تأثرا بالعنوسة من الناحية النفسية والاجتماعية، خاصة مع قلة توافر فرص العمل ،وارتفاع اشتراكات النوادي ، مما يجعلها تقع فريسة لمشاعر التعاسة والاكتئاب.ونصح كل فتاة، فاتها قطار الزواج ، أو تأخر كثيرا أن تجد لنفسها فرصة لشغل وقت فراغها وبناء شخصيتها بالاستفادة من وقت الفراغ في أعمال البيت ، وممارسة أي حرفة داخل المنزل ،والاستفادة من القروض متناهية الصغر في إقامة مشروع صغير يدر علىها دخلا ويشعرها بالنجاح في الحياة وتحقيق الذات.ولعب التغير الاقتصادي ، الذي ساد منطقة الخليج دورًا كبيرًا في زيادة الخلل ، حيث بدأت الأسر في تقليد من هم أعلى منهم اجتماعيا ، مما أدى الى المغالاة في المهور ، والبذخ في الأفراح ، وارتفاع أثمان الشبكة، والأثاث، وفخامة البيوت . وفي الوقت الذي اعتادت فيه الأسر على استقرار سن الزواج للفتاة عند 15 إلى 20 سنة،اتجهت الفتاة إلى التعلىم العالي الجامعي ، وما فوق الجامعي، واقتحمت مجالات كثيرة ومتنوعة في العمل ؛ لاثبات وجودها ، فوصلت إلى سن ما فوق الـ 25 سنة دون أن تدري !. وقد استفادت الفتيات من الانفتاح في دفع مسيرتها العلمية والعملية ، حيث كانت استفادة الشاب مقتصرة على الجانب المادي ، الذي جذبه إلى تقليد العالم الخارجي في الأسفار واقتناء السيارات والموبايل ، فيما اتجهت قلة منهم إلى التعلىم، وهذا أدى الى تفاوت كبير في المستوى التعلىمي بين الشاب والفتاة ، فأحجم هو عنها خوفا من تعاليها علىه نتيجة عدم التكافؤ، ورفضت هي الاقتران بمن هو أقل منها خوفا من اضطهاده لها والتعامل معها بعنف ليقتل فيها احساسها بالتميز. [c1]تعليم الفتيات سبب رئيسي وراء تفاقم الظاهرة [/c]وفي بقية الدول العربية، تزداد الظاهرة إثارة، فيما تبقى ذات الأسباب متماثلة الى حد كبير، ففي مصر التي ارتفع سن الزواج فيها إلى ما فوق الـ30 ، وكان ذلك نتيجة لمحاولات الفتاة تكوين نفسها اقتصاديا ، فضلا عن سعيها الحثيث للتعلىم لتحسين مستوى أسرتها الاقتصادي، بات التعلىم والاستقلال الاقتصادي الذي يحققه عمل المرأة في القطر السوري ، سببا في عنوستها، وكان العامل الاقتصادي الذي يقف عائقا أمام الشباب في تحمل مسئوليات وتكاليف الزواج سببا أيضا في عنوسة الشباب.[c1]الزواج من أجنبية[/c]وفي دول الخليج العربي ، أصبح الزواج من أجنبية سبب آخر وراء ظاهرة العنوسة ،إلى جانب الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، وهو زواج المواطنين من أجنبيات والذي أثر على قضية الزواج من المواطنات.وقد أكدت الدراسات ان نسبة 60 من الإماراتيين ، الذين تزوجوا زواجا ثانيا من أجنبيات، طلقوا زوجاتهم المواطنات، بينما جاء تشدد الأسر تجاه بناتهم سبب آخر في إرتفاع نسبة العنوسة، بعد أن أغلقت الأبواب وبإحكام في وجه الفتيات ، خاصة في الأسر الفقيرة ،التي لم تنل حظا وافرا من الثقافة والتعلىم ، مما ذاد من صعوباتها في المجتمع الإماراتي .وفي محاولة لبحث أسباب الظاهرة داخل الإمارات، أجرت مجلة "مودة" الوطنية ، وهي مطبوعة شهرية تصدر عن صندوق الزواج ، استطلاعاً لآراء عينة قوامها 250 فتاة من الإماراتيات ، اللاتي لم تتح لهن فرصة الزواج ؛ بهدف التعرف على أسباب ظاهرة العنوسة والحلول المقترحة لها. وقد أظهرت النتائج أن 73 منهن بين 30 إلى 34 سنة، و20 من الفئة 35 إلى 39 سنة و7 يبلغن 40 سنة فأكثر. وفيما يتعلق بالحالة التعلىمية بينت النتائج أن 61 حاصلات على مؤهل جامعي، و16 منهن حاصلات على مؤهل فوق متوسط، و20 حاصلات على الثانوية العامة، و3 حاصلات على الابتدائية أو الإعدادية، أي أن غالبية أفراد العينة من الفتيات المتعلمات. كما أظهرت نتائج الاستطلاع أن 71 من هؤلاء الفتيات يعملن في وظائف مختلفة، و29 منهن غير عاملات، وكان السؤال الرئيسي لفتيات العينة عما إذا تقدم أحد لخطبتهن أم لا بهدف التعرف على فرص الزواج الضائعة وتحديد مسئولية ضياع تلك الفرص وأسباب ذلك، وكانت النتيجة أن 84 من الفتيات تقدم لهن خطاب و16 منهن فقط لم يتقدم لخطبتهن أحد. ولوحظ من النتائج أن فرص الخطبة كانت عالية كلما قلَّ عمر الفتاة وارتفع مؤهلها العلمي وكانت من العاملات، فقد كانت نسبة الفتيات اللاتي تقدم لهن خطاب من فئة العمر 30 إلى 34 حوالي 89، وانخفضت هذه النسبة إلى 74 عند الفتيات من فئة العمر 35 إلى 39 سنة، وكانت 65 عند الفتيات من فئة العمر 40 سنة فأكثر.وبالنسبة للمؤهل العلمي، بلغت نسبة الفتيات اللاتي تقدم لهن خطاب من الحاصلات على المؤهل الجامعي حوالي 86، وانخفضت إلى 85 عند الحاصلات على الدبلوم دون الجامعة، و83 عند الحاصلات على الثانوية، وانخفضت إلى 63 عند الحاصلات على الابتدائية أو الإعدادية. وظهر من النتائج أيضاً أن 88 من الفتيات العاملات تقدم لهن خطاب، في حين انخفضت هذه النسبة إلى 75 عند الفتيات غير العاملات. كما أشارت نتائج الاستطلاع إلى أن عدم إتمام الزواج من المتقدمين للفتيات اللاتي شملهن الاستطلاع يعود إلى أهل الفتاة بنسبة 23، ورفض الفتاة نفسها بنسبة 38، ورفض الأهل والفتاة معاً بنسبة 32، ويعود بنسبة 7 إلى الشباب المتقدمين للفتيات الذين لم يستمروا في مشروع الخطوبة. ولفتت النتائج النظر الى أن من أسباب رفض الزواج، أن المتقدم ليس من أقارب الفتاة أو عشيرتها، هذا إلى جانب أسباب أخرى يعتقد البعض أنها تعيق الزواج، مثل رغبة الفتاة في إكمال دراستها أو رغبتها في مساعدة أهلها.وبالنسبة للفتيات من فئة 30 سنة فأكثر ، تمثلت أسباب ازدياد عدد غير المتزوجات منهن من وجهة نظر فتيات العينة ، في عدم تمسك بعض الشباب بتعاليم الدين الحنيف، والزواج من أجنبيات، وسيطرة الأهل على قرار اختيار الزوج، وتكاليف الزواج الباهظة، والعادات والتقاليد التي تفرض على الفتاة الزواج من الأقارب أو العشيرة والنظرة إلى الجامعية على أنها مغرورة ومتكبرة، والاهتمام بالشكل الخارجي للفتاة فقط.
العنوسة ناقوس خطر يهدد الأسر العربية ! (3 - 2)
أخبار متعلقة