اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية في أثناء حرب 6 أكتوبر:
القاهرة/وكالة الصحافة العربية:مما لاشك فيه أن حرب اكتوبر قلبت مفاهيم العالم وكان لها تأثير عميق على العلاقات الدولية، وأجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على أن تضع قضية الصراع العربي الاسرائيلي في مقدمة أجندتها السياسية بعد تدخلها السافر في الحرب لصالح إسرائيل. وحول هذا التدخل يستعيد اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات المصرية في حرب اكتوبر ذكرياته رغم مرور هذه السنوات كيف قاد رجاله إلى هزيمة إسرائيل في معركة العقول والمعلومات في حرب المخابرات التي سبقت الحرب والتي انتهت بالجسر الجوي الأمريكي لدعم إسرائيل أثناء المعركة: يقول اللواء فؤاد نصار: في أعقاب الحرب، جاء إلى مصر الجنرال الامريكي الذي خطط لتنفيذ الجسر الجوي بالأسلحة والمعدات إلى إسرائيل لإلقاء محاضرة في أكاديمية ناصر العسكرية يقول: التقيت في مكتبي مع الجنرال الامريكي قبل المحاضرة بيوم ، وقلت له لدي 3 أسئلة سأطرحها عليك في الندوة، وأعرضها عليك الآن حتى لا تفاجأ بها:1ـ هل يعد توصيل الإمدادات لقوات إحدى دولتين متحاربتين، اشتراكا معها في الحرب ضد الدولة الاخرى؟ لقد أسرنا دبابات كانت عداداتها تشير إلى أنها لم تقطع أكثر من 200 كليو متر.2 ـ هل يعد القتال في سبيل توصيل الامدادات اشتراكا في الحرب؟ لقد اسقطتم لنا طائرة، عندما كانت طائراتنا تعترض طائرات الجسر الجوي الامريكي شمال السلوم اثناء توجهها الي اسرائيل لتقديم الإمدادات.3 ـ لقد استخدمت اسرائيل ضدنا صواريخ (جو/ أرض) امريكية محظور استخدامها إلا للقوات المسلحة الامريكية، وغير مسموح باعطائها إلي حلفاء امريكا.. ألا يعد ذلك اشتراكا في الحرب؟ويضيف اللواء فؤاد نصار قائلا: عندما سمع الجنرال الامريكي هذه الاسئلة رجاني ألا أحضر الندوة، ووعد بأنه عندما يعود الي الولايات المتحدة سيطلب تصديقا للرد رسميا على هذه الاسئلة وسيرسل الرد لي. وقد أطلعت الرئيس السادات على ذلك، وسألته هل أحضر الندوة ام لا، فطلب مني عدم حضورها وانتظار الرد.وبعد شهر جاءني رد الجنرال الامريكي رسميا وتضمن الرد الإجابات التالية على اسئلتي الثلاثة.ـ امداد طرف متحارب مع آخر في ميدان المعركة لايعد اشتراكا في الحرب بينهما فلو لم يصل الى اسرائيل هذا الامداد في ذلك الوقت لكانت قد انتهت.ـ عندما قاتلت طائرات الجسر الجوي الامريكي عند نقلها للامدادات كانت تدافع عن نفسها.ـ بالنسبة للصواريخ المحظور استخدامها إلا للجيش الامريكي فهناك يهود امريكيون تطوعوا في هذه المعركة وشاركوا في الحرب.ويقول اللواء فواد نصار: عندما شاهد الرئيس السادات هذا الخطاب سعد به جدا، وقال لي إن هذه الفقرة الاخيرة بالغة الاهمية بالنسبة لي، وسأحصل بها على الكثير عند التفاوض، والا سأنشره واقول ان امريكا اشتركت ضدنا في الحرب.ـ ونسأل اللواء فؤاد نصار : كيف كنا نحصل على معلومات عسكرية عن العدو الذي كان متحصنا وكانت تفصلنا عنه القناة؟كان لدينا في المخابرات الحربية تنظيمان مدنيان .. الاول هو منظمة سيناء التي بدأت تمارس نشاطها من ديسمبر عام 1967 معتمدة على ابناء سيناء، وقد نجحنا في تغطية سيناء بالمندوبين المستعدين للقيام بأي عمل يطلب منهم وقامت منظمة سيناء حتي عام 1973 بعمليات نسف وتخريب لخطوط مواصلات العدو وكابلات التليفونات، مما اضطره لاستخدام اللاسلكي، وبذلك امكننا التقاط المعلومات.وفي اثناء حرب اكتوبر، قامت بنسف كوبري وادي العريش لتعطيل امدادات العدو، واخطرتنا عناصر المنظمة بتحركات العدو واعمال الانزال والدعم الامريكي للقوات الاسرائيلية في العريش اما التنظيم الثاني فهو عناصر الخدمة الخاصة الذي يضم افرادا متطوعين للعمل السري طبقا لما تكلفهم به المخابرات.. وقد ارسل لنا هذا التنظيم مئات البلاغات عن نشاط العدو بسيناء، وقام بتشوين مواد الاعاشة في مناطق محددة لتعتمد عليها عناصر القوات المسلحة اثناء عملها خلف خطوط العدو، كما قام برصد جميع التحركات على محاور سيناء اثناء الحرب ورصد معدات العبور الاسرائيلية عند دخولها إلى سيناء ووصولها إلى المحور الاوسط استعداداً للعبور غرب القناة وكان ذلك، يوم13 اكتوبر.ـ اذن كنا نعرف بأمر الثغرة قبل حدوثها؟قال اللواء فؤاد نصار: قبل حرب اكتوبر بعامين .. أجرت القوات الاسرائيلية مشروعاً تدريبياً في بحيرة طبرية وقد رصدت المخابرات الحربية المصرية هذا المشروع، واستخلصت منه ان هدفه هو التدريب على تنفيذ عملية عبور في قناة السويس وعند منطقة الدفرسوار على وجه التحديد وكان ذلك الموضوع في الاعتبار أثناء التخطيط لعمليات اكتوبر وقد تأكدنا من ذلك عندما تلقينا من مجموعاتنا بلاغا بوصول الكوبري إلى سيناء.وعند بدء عبور القوات الاسرائيلية الى الضفة الغربية للقناة تلقينا بلاغا من احد افراد المراقبة عن عبور مركبتين برمائيتين اسرائيليتين، وأخطرنا الجيش الثاني بهذا البلاغ.ـ الاسئلة كانت كثيرة ولكن أكثرها الحاحا هل كنا نعرف ان اسرائيل تمتلك القنبلة الذرية عندما حاربناها في اكتوبر.نعم .. كنا نعرف انها تمتلك القنبلة الذرية بل كان لدينا تفاصيل البرنامج النووي الاسرائيلي بكل مراحله ولكن ذلك لم يكن ليثنينا عن خوض الحرب.ان اسرائيل تدرك أن استخدام السلاح النووي سيصيبها بآثار كثيرة، فضلاً عن ردود الافعال الدولية. وتقديرنا ا---نها لن تستخدمه إلا في حالة تعرضها كدولة للتدمير.ـ وكيف هزمنا اسرائيل في حرب المخابرات؟هزمناها عندما نجحنا في الحصول علي معلومات دقيقة عنها، وحرمناها من الحصول على معلومات عنا.ـ وكيف منعناها من الحصول عن المعلومات.في عام 1969 .. كنت رئيسا لإشارة القيادة الشرقية، عندما ارسل الفريق احمد اسماعيل في استدعائي، وأبلغني بأن لديه معلومات بأن جميع محادثاتنا التليفونية واشاراتنا موجودة لدى اسرائيل وكلفت بإنشاء إدارة جديدة اطلق عليها اسم إدارة أمن السيطرة وكانت مسئولة عن تأمين الاتصالات والمحادثات في كل ما يخص القوات المسلحة وكان لهذه الإدارة فضل كبير في إنجاح عملية السرية وقد احضرنا جهازا من ألمانيا يسير فوق كوابل الاتصالات، ويشكف ما إذا كان هناك اختراق عليها أم لا، وقد ارشدنا هذا الجهاز إلى جهاز كان موضوعا تحت الرمال، ويقوم بفصل الخطوط التليفونية وإرسال المحادثات التي تتم عبرها لاسلكيا، وقمنا بازالته وتأمين الخطوط، واحضرنا اجهزة تليفونات تعمل بالشفرة لتأمين الاتصالات.ويضيف اللواء فؤاد نصار قائلا: كلفت في نهاية عام 1972 بتولي منصب مدير المخابرات الحربية، وطلبت من الفريق اول احمد إسماعيل وزير الحربية مهلة 3 شهور أتولى خلالها المنصب بشكل مؤقت، وقد غضب السادات من مطلبي، ثم وافق، فهو يعرفني منذ كنت اخدم تحت قيادته في سلاح الاشارة وفي اليوم الاخير لمهلة الشهور الثلاثة اتصل بي الرئيس السادات، وسألني: ها ما رأيك؟ قلت له: سأستمر يا فندم. وابلغني بأن الحرب خلال 9 شهور.وبدأت في خطة خداع لإسرائيل والعالم كله حتى لا يكشف احد نوايانا في الحرب وموعد الهجوم وكان ذلك يقتضي اخفاء الامر حتى على الجيش نفسه. واذكر انني في نهاية سبتمبر 1973، وقبل الحرب بأيام، عقدت اجتماعا لقادة مكاتب المخابرات الحربية في مدن القناة، وكان من واجبات هذه المكاتب تشكيل مجموعات المقاومة الشعبية في كل مدينة وقلت لهم إن إسرائيل ستقوم بضربة ضدنا وفي اطار خطة الخداع ايضا استدعيت الجنرال جودسكي كبير ضباط الاتصال السوفيت في مصر. وقلت له إن لدينا معلومات بأن اسرائيل ستقوم بعمليات عسكرية ضدنا وانها ستشن ضربة جوية غرب القناة وطلبت منه افادتنا بمعلوماتهم عن ذلك ثم استدعيته بعد 3 ايام وكررت نفس المطلب. وفوجئنا يوم 4 اكتوبر بأن السوفيت جمعوا عائلاتهم من سوريا ومصر وقاموا بترحيلها إلي بلادهم بالسفن والطائرات فقد استشعروا من وجودهم في سوريا كخبراء حتى مستوى الكتيبة بأن هناك حرباً قادمة وكان لهذا الإجراء السوفيتي رد فعل شديد لدى اسرائيل فقد اجتمعت القيادات الاسرائيلية وتدارست الموضوع، ولكنهم خرجوا منه نتيجة خطة الخداع المحكمة بأن هناك سببين لهذا الاجراء.. إما ان الخلافات المصرية السوفيتية التي بدأت عقب ترحيل الخبراء السوفييت في العام السابق قد زادت، أو ان الولايات المتحدة طلبت من السوفيت اخراج خبرائها من سوريا حتي لا يمكن للسوريين ان يحاربوا.ويكمل اللواء فؤاد نصار: كان من الضروري ان نعرف هل علمت اسرائيل بنوايانا وبموعد الحرب أو لا وكانت وسيلتنا في ذلك هي مراقبة مخازن الطوارئ الستة في سيناء التي يضعون بها دباباتهم وذخائرهم . فاذا علمت سوف تعلن التعبئة وتفتح المخازن ليذهب كل جندي إلى المخزن الذي توجد به دبابته ولذلك ارسلنا في يوم 9سبتمبر عناصر من وحدة استطلاع مؤخرة العدو الى سيناء وهي احدى وحدات المخابرات الحربية المدربة للحصول على معلومات عسكرية دقيقة عن العدو. وتم ارسال 22 مجموعة وانزالها بحرا وجوا بالهليوكبتر، لمراقبة محاور التقدم وتقاطعات الطرق ومخازن الطوارئ لكشف اي تحركات للعدو في سيناء والتأكد من نجاح خطة الخداع.وفي الساعة الخامسة من صباح يوم 5 اكتوبر تلقيت بلاغا من مجموعة الاستطلاع في منطقة المليز بأن طلائع القوات الاسرائيلية بدأت تصل بالطائرات، وأبلغت هذه المعلومات إلى القائد العام للقوات المسلحة، وكنا نعرف ان الوقت قد فات بالنسبة لإسرائيل فاستكمال تعبئة وحداتها في سيناء يتطلب 48 ساعة وقد زاد من عنصر المفاجأة اننا بدأنا العمليات في الثانية ظهراً.{وكالة الصحافة العربية}