قصة قصيرة
سحر صقرانأخذت تمشي في الوحل، وكنزها الثمين بين ذراعيها، حافية القدمين مبللة الثياب، كانت تحني ظهرها عليه تخاف عليه من ماء المطر، ضغطته على صدرها كأنه جزء منها كانت تلتفت يمنا ويسارا راجية أن ترى أحداً ليساعدها فقد اخذ بها الجوع والتعب كل مأخذ، البرودة كانت تزداد وشق عليها الالتفات يميناً ويساراً بعينيها المجهدتين وأحست أن شعرها الذي كان مبللاً، أصبح يذهب إلى التجمد، ثم أخذت مئزرها وبدلاً من وضعه على رأسها لفته باحكام وعناية حول كنزها، هذه الكتلة البيضاء من القماش الأبيض، سارت وسارت حتى دلفت إلى حانة استرخت فيها وسمح لها صاحب المكان بأن تجلس بالقرب من المدفأة فأرخت الرباط عن كنزها الصغير، ونظر إليه كل من كانوا موجودين ثم ظهر في أعينهم بريق غير عادي وهم يرون هذا الكنز الذي يشع نوراً وأمه ترتعش بجانبه كالعصفورة المبللة، فاقترب منها رجل وناولها منشفة وثياباً جافة وقال لها: أذهبي يا ابنتي واغتسلي من كل هذه الأوساخ والوحل، جففي ملابسك وارتدي هذه وتعالي لتحتسي شيئاً ساخناً.مدت يدها وهي تنظر إليه بخوف ثم أخذت منه الثياب ونظرت إلى الموجودين وكأنهم سيحاولون سرقة أبنها ثم غطته بها، فقال لها الرجل محاولاً أن يبدوا أكثر طيبة وغير مخيف : هاته ياصغيرة سوف اعتني به ولن أسمح لأحد بأن يلمسه.حدقت فيه طويلاً، أحس كأنها تبحث فيه عن ملامح مألوفة مخيفة ولكنها لم تجد، ترددت يداها كثيراً لكنها اعطته الولد أخيراً، فأزاح عنه الأغطية وكان مغمض العينين، وضع يده على جبينه فوجده بارداً كقطعة ثلج اقترب بوجهه منه فلاحظ أن انفاسه ساكنة، فسألها ما به؟ قالت : أنه ميت ثم تكورت بجانب المدفأة تبكي وترتعد خوفاً من قادم بعيد أو أنها كانت تهرب من صور تتزاحم في ذاكرتها وكانت تردد: لا لا .. ليس ابني ارجوك إلا إبني آن لم ترفق بضعفي وفقري، ان لم ترحم جوعي وقهري، أشفق على طهارة هذا الرضيع.أخذت تصرخ وتتهالك، عاقبني أنا .. الخادمة السيئة أنا من كسرت المرآة لكن طفلي بريء، انه لم يقترف ذنباً .. فلماذ يموت، لماذا يموت؟ .. إنه يبكي .. انه يصرخ انه جائع، يجب أن أرضعه اتوسل إليك. حتى اغشي عليها فحملوها، وتكشفت عن ردائها اثار كي وحروق، وعلى كتفها من الخلف أثر علامة كي بالنار مكتوب فيها مزرعة جيمس رونالد.يوليو 2005م.