انتهى يوم الحب وأثار معه كل عام هذا الجدل الطويل ومن الغريب فعلاً أن تكون هناك ساعات في السنة تتسبب بتأزمنا وخصامنا مع بعضنا ولنحمد الله أن الذين سوقوا ليوم الحب لم يبالغوا في الجشع وجعلوه يوماً فقط وليس أسبوعا وهو الذي سيعني حدوث كارثة اجتماعية. كل ما كان يجلبه يوم الحب قبل خمسة أعوام من منع وتحذيرات ومعاندة وتحايل وجدل بين أناس مؤيدة ومعارضة هو ذاته الذي شهدناه يوم الأربعاء قبل الماضي وهذا يؤشر بشكل محبط أننا عجزنا عن التخلص من اصغر المشاكل التي من المفترض أن نريح عقولنا وأمزجتنا من الجدل والتخاصم حولها ونوفر كل ذلك لقضايانا الكبيرة. الشعوب الحكيمة فعلاً هي التي تتخلص فعلاً من كل القضايا السطحية والصغيرة التي يمكن أن تشغل وقتها وتضع لها حلولاً سريعة وحقيقية ولا تعود لها مجدداً. ولكننا في الحقيقة نتواجد في منطقة متأخرة من التفكير وعلينا أن نواجه مشاكل المتأخرين المزعجة. قضية الحب هي من أبرز مشاكل المتأخرين وهي لا تثير هذا القدر من الجدل إلا لتقول للناس بشكل واضح أنهم عالقون بها ولم يتجاوزوها بعد وعليهم أن يفعلوا ذلك. ولكننا في الحقيقة وهذا الأمر القاتل فعلاً نتجاهل وجودها وحقيقتها وهذا هو الأمر الذي يعقدها ويجعل بالفعل منها مشكلة مع أننا قادرون فعلاً أن نمر بها بدون أن نشعر بذلك. لم يعد من اللائق فعلاً القول إن هذه ليست مشكلة بالنسبة للسعوديين وأصبح كل الحديث عن أناس مثاليين مختلفين عن العالم هو حديث مهين لذكاء الناس. جولة واحدة في مواقع الانترنت ستعرف أي عدد هائل جداً من الشبان والشابات يبحثون عن أشخاص مجهولين يحبونهم ويتعلقون بهم. لا يمكن لأي احد عاقل أن ينكر انه يسمع فحيح المكالمات الليلية بين الشباب والبنات. حتى الذين ينكرون وجود مثل هذا الأمر يقولون في كل مرة يأتي هذا الحديث أن (يستر الله على بناتهم) وهذا يؤكد بشكل واضح أن الأمر طاغ لدرجة يمكن أن يتسلل إلى فتيات غافلات في بيوتهن. في الواقع أن هذا شيء حقيقي وهو للأسف على هذا النحو من الطغيان ولكننا نحن الذي صممناه على هذا الشكل. هناك أسباب كثيرة لم نعالجها أدت إلى ذلك. إن الحب الذي نفكر فيه يبدو على هذا القدر من الغموض والسحر والسرية. الجمل التي نرددها عنه تعكس مثل هذا التفكير المشوش وهي تتحدث عن تسلل الحب إلى قلبه بدون أن يعلم والحب من النظرة الأولى ونطرب للأغاني التي تقول كلمات مثل "احبك ليه؟!. أنا مدري". كل هذا يرسم شخصية سحرية وسرية للحب تجعل الأشخاص يهيئون أنفسهم ليصيبهم مثل هذا الداء الذي وكما يقول الشعراء أكثر من منحوا الحب هذه الشخصية المزيفة انه أحلى مرض يمكن أن يصاب به المرء. هذا التصور الخاطئ عن الحب جعل الكثير من الشبان والشابات ومنذ المراهقة يصابون بالتشوش ويرتكبون الكثير من الأخطاء ويعيشون حياة غير جدية وتصبح كل آمالهم أن يجدوا الطرف الآخر، توأم الروح، النصف الثاني للقلب وكل ذلك من المسميات السطحية جداً. في الواقع أن هناك كثير منهم تورطوا فعلياً بمثل هذا الفهم المضر جداً وجعلهم يقدمون مثلاً على خطوات كبيرة مثل الزواج أو الإهمال بالدراسة أو ترك الوظيفة (تذكروا الشبان الذين يتغيبون كثيراً عن أعمالهم حتى يفصلوا بسبب عدم رغبتهم الابتعاد عن الحبيبة التي تعيش في منطقة أو دولة أخرى). أحد الأصدقاء وغيره كثير يواجه مشاكل عويصة مع ابنه الذي لم يبلغ العشرين والذي يريد الزواج من فتاة أحبها وأحبته ويهدد بترك المنزل إذا لم يوافق على طلبه. في الواقع نحن من خلق هذا النوع من المشاكل وهي قليلة جداً في مجتمعات أخرى. القضاء على مثل هذا التشوش المضر يأتي على أكثر من خط. إفراغ مفهوم الحب من كل السحر والغموض الذي يكتنفه سيجعل التعامل معه أمرا عادياً جداً ولا يعطيه الناس أكثر من حجمه ولا يمتلك هذه القدرة الخرافية على سلب عقلك وقلبك بل الكثيرون أيضا سيعتبرونه (كما اعتقد) انه أمر تافه حقاً ولا يستحق كل هذه الضجة التي يحدثها. إننا حقاً وهذه مشكلة كبيرة - ليس في هذه القضية ولكن في كثير من القضايا - نفتقر للتجربة والممارسة. في العمل لا نخضع للتدريب الكافي، وفي الحب نحن قلوبنا خضراء، وهذا الذي يعني السذاجة. في الغرب مثلاً أصبح واضحاً أن فكرة الحب هي متعة للأشخاص وتجارة لرجال الأعمال، وليس بالطبع المطلوب منا أن نمارس الحب قبل أن نكتشفه ولكننا بالفعل لا نريد على الأقل أن ندخل تجارب اكتشاف الأشياء على حقيقتها حتى لو ذهنياً. الذين يريدون أن يمنعوا ويتكتموا على فكرة الحب من الواضح أنهم يريدون أن يقوموا بالعمل الصواب ولكنهم في الحقيقة يدفعون أبناءهم وبناتهم لمواجهته وجهاً لوجه. أتصور أننا يجب أن نغير تفكيرنا فيما يخص الحب ونصبح مثل الشعوب الأخرى التي تأتي فيها سيرة الحب في سياق المزاح والتندر، وليس في سياق الصراخ والتهديد كما نفعل نحن. [c1]* نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية[/c]
السعوديون والحب
أخبار متعلقة