ذهلت حقا وأنا أشارك في مراسم تشييع فقيد الإعلام الأستاذ يحيى علاو, رحمه الله, في العاصمة صنعاء الثلاثاء الماضي بعد أن وافته المنية نتيجة فشل في وظائف الكلى.فقد اكتظ ميدان السبعين بحشود قل نظيرها, وهي المرة الأولى في التاريخ اليمني التي يحظى فيها إعلامي بهذا التكريم الفريد الذي قلما يجده مشاهير السياسة, والأبرز في الأمر أن الجماهير خرجت خلف جنازة علاو بشكل عفوي, ودون صخب بعد أقل من 15 ساعة منذ حانت لحظة وفاته التي خلدت لنا ذكرى أليمة في أن غاب عنا هذا النجم الساطع والإنسان النادر.. حبيب الملايين.فمن مستشفى العلوم والتكنولوجيا إلى جامع الصالح, ومن ثم إلى مقبرة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر كان الحشد غير متوقع, ولا في الحسبان, إذ خيل لي أن جنازة علاو كانت محمولة على أمواج بحر خضم, وليست على أكتاف بشر.. أينما التفتَّ وجدت أناسا, يمنة ويسرة وأمامك وخلفك, وإن اعتليت لتلتقط صورا للتشييع, فعيناك لاتصدقان مد البصر أمامهما.. وكنت أرى شبابا وشيوخا يبكون وينشجون.. كنت أرى أيضا أن البكاء يزيد كلما نظروا إلى جنازة علاو أو لامسوها.. وعلى بوابة القبر في اللحظات الأخيرة لمواراة جثمانه الطاهر الثرى سمعت, أو يخيل لي, أصواتا تتعالى: يا يحيى.. يا يحيى.في حقيقة الواقع الأليم الذي نعيشه وعاشه علاو دون أن يتلفت إليه أحد ممن يهمهم الأمر, لم أصدق حب الناس لـ”علاو” بهذا الحجم.. كنت, وأنا أحرر خبر وفاته ونعيه, أقول لزملائي: غدا سيكون يوما مشهودا في صنعاء.. لكن حتى خيالي لم يكن يتوقع ما حدث.. وما حدث فاق كل توقع, وعبرت الجماهير عن حبها بكل عفوية مع رجل صدق مع الله ومع الناس فكان صادقا ومات صادقا كبيرا ثابتا علما بل وفارسا لا يشق له غبار.وبينما كنت أداري حزني, وعبراتي وأنا أنظر للجثمان المحمول والمتقدم نحو مثواه الأخير في هذه الدنيا الفانية, وكم كانت الدموع تترقرق كلما تقدم أكثر, و”لا إله إلا الله.. لا يبقى سوى الله” تصم المكان, سمعت صوتا من عجوز في عمرها الستين تسأل المشيعين الدعوة للفقيد, وكنا نسمع صوتها وبأعلى نبرة بالدعاء بالرحمة لـ”يحيى علاو”.أعزائي: هل وجدتم حبا كهذا في عصرنا الحالي؟, هل وجدتم إنسانا, دون أن يكون (شيخا) أو وزيرا أو رئيسا, بهذه العظمة, وبهذا السمو في هذا الزمن؟, صحيح قد تقولون, وقد أقول: نعم, لكن صدقوني أن يحيى علاو إنسان آخر مختلف تماما.. وهذا معنى أن نعيش اللحظة فنرى من هو علاو, ونجعله قدوة لنا في سلوكه وفي إبداعه..وحقيقة لم أستجمع ملكتي حتى اللحظة لأكتب عن علاو كما ينبغي, إذ أنني لم أقتنع بما كتبته عن إنسان لم أعرفه عيانا, ولكن عرفناه كلنا كأنه أقرب إلينا من أنفسنا.وسأظل أتحين الفرصة لأكتب عنه الواجب, ولأعبر عما في النفس من حزن, ومن ألم وجراح لن تندمل..وما زلت أتساءل: أي نجم أفل وغاب؟, ذاك الذي ترك لنا مآثر خالدة في كل شيء تستعصي الذاكرة أن تهملها, كما يستعصي الزمان أن يدعها تنساب منا إلى سلة النسيان..رحمك الله يا يحيى, ولا عزاء لنا إلا الصبر الجميل الذي أمرنا به ربنا.. كنت عظيما, ومت عظيما.. وستبقى كذلك ما بقيت الحياة..[email protected]
أخبار متعلقة