الرشوة .. ذلك الداء العضال .. وأحد طلائع الفساد في أي مجتمع كان .. وما أظهرت الرشوة في قوم إلاّ ودب الفساد في أرجاء المجتمع عامة , والرشوة ليست حديثة عهد أو أنها مرتبطة بعصرنا الحاضر أو أنها نتاج تطور العمل المدني والمعاملات في المرافق الحكومية والخاصة , وإنما هي قديمة قدم إرتباط المصالح الشخصية والعلاقات الاجتماعية وتطورها ..وكما أنها منتشرة في كل الأزمان فهي منتشرة في كل المجتمعات متطورة كانت أم متخلفة غير أن الفرق الجلي بين هذا المجتمع أو ذاك هو أن المجتمعات التي ترفض الفساد وكل أساليبه ومن بينها الرشوة نسمع فيها عن جرائم وفضائح رشوة طالت مسؤولين وفاسدين ولا تمر مرور الكرام كما هو الحال في المجتمعات الأخرى..وضعنا هذه الظاهرة الكريهة أمام المسؤولين وعلماء الدين والموظفين والمواطنين ليقولوا أراءهم والاسباب التي تدفع بها وسبل التصدي لها والحد منها ..[c1]تعطيل للقيم الأخلاقية [/c]يقول الاستاذ / أنيس الحبيشي مدير دائرة الوعظ والارشاد بمكتب وزارة الاوقاف والارشاد بعدن :" إن الله عز وجل خلق الناس بعضهم لبعض ودعا الى قيم ومبادئ وواجبات كثيرة تشكل جوهر هذا الدين منها الاحسان الى الناس وعمل الصالحات كما قال تعالى :" وأعملوا الصالحات وأفعلوا الخير لعلكم تفلحون " ومنها إغاثة الملهوف وقضاء الحوائج وهذه الامور إذا دخلت فيها الرشوة لم تعد قضاء للحاجة ولم يعد إغاثة الملهوف عمل بر ولم يعد قضاء الحوائج للآخرين من الصالحات ويصبح فعل الخير بفلوس وإذا صار ذلك كله تعطلت القيم الاخلاقية التي هي من صميم واجبات الانسان التي أمره بها الدين ".وعن دور دائرة الوعظ والارشاد التي يديرها حدثنا الاستاذ / أنيس الحبيشي أن هناك مشاريع عديدة نعمل من خلالها للتوعية بمخاطر الرشوة والتحذير منها من هذه المشاريع الخطب والمحاضرات الدينية ونؤكد في الخطب التي يتم توزيعها بين الحين والحين على خطباء المساجد على موضوع الرشوة والربا والغش في التجارة ونركز على الكثير من الجوانب الحياتية والمعاملات بين المسلمين ومن ضمن المشاريع أيضاً إصدار الفتاوى في قسم الفتوى الذي يستقبل العديد من أسئلة المواطنين باستمرار وتمس هذه الاسئلة مجالات المعاملات وبخاصة الرشوة ونعمل على إيضاح موقف الشرع منها وأدلته الشرعية .[c1]محاسبة المسؤولين ..[/c]وأشار الاستاذ / أنيس الحبيشي الى أن أهم الجهات المسؤولة عن هذه الامور هي النيابة العامة والجهات الرقابية الاخرى .. وقال :" يجب أن يكون هناك حسم عند أي بلاغات تقدم الى تلك الجهات ويجب أن يكون هناك إجراء ضد من يمارس الرشوة صغيراً كان أم كبيراً فعندما نبدأ بتطبيق القوانين للحد من الرشوة يجب أن نبدأ من الكبير ومن المسؤول وليس فقط على الموظفين الصغار فإذا أردنا أن نحدث انقلاباً واضحاً في حياة الناس علينا تطبيق القوانين الشرعية على الكبار والمسؤولين الراعيين لمثل هذه التجاوزات وليس تطبيقها فقط على الصغار وترك أهل القمة , بحيث أننا نتجنب أن نكون ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنما أهلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه , وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" وهذا من أسباب الهلاك .[c1]مؤتمر وطني عن الرشوة ..[/c]وواصل الاستاذ / أنيش الحبيشي حديثه قائلاً إن المواطن هو الضحية في كل الحالات وعلينا مراعاة أحواله ودلل على حديثه بقوله:" وقف عدد كبير من العلماء وعلى رأسهم ابن تيمية مواقف علمية وشرعية شجاعة حين قالوا إن الذي يدفع الربا مضطراً ليس عليه شيء بحكم اضطراره لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن آكل الربا ولعن الذين يتعاملون بالربا قال تعالى:" إن الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " هذا الذي يأكل الربا لكنه سبحانه لم يذكر المساكين من المدينين الذين تضاعف عليهم الربا لأنهم مضطرون لا حول لهم ولا قوة ولم يلعنهم رسوله وكان هذا هو موقف ابن تيميه وغيره فأنا لن أقول لك كلاماً رسمياً مزيناً واحذر المواطن من الرشوة وأبين له حرمة الرشوة وفي الاخير مصالحه معطلة ابنه لم يتوظف وأعماله متوقفة وفي الاخير يقول لك المفتي أفتى لي إذا اضطر لدفعها يدفعها والامر الى الله تعالى ويكون في حكم المضطر".وقول كهذا من مسؤول ديني لا يعني إجازة العمل بالرشوة اطلاقاً ولا يعني في الوقت ذاته استحلال الرشوة من قبل الشخص المرتشي ولكن استمراريتها كظاهرة وقبولنا وقبول المجتمع بالرشوة كواقع لابد منه في سائر معاملاتنا ومرافقنا لتسيير أمورنا ومصالحنا لهو أمر جد خطير لا يجب السكوت عنه .فالناظر لحال مرافقنا العامة والخاصة بعين فاحصة يلمس وجود كارثة ووجود عمل غير مشروع يكاد يكون منظماً من أصغر موظف الى قمة المرفق .ودعا أ. أنيس الحبيشي الى إقامة مؤتمر عام وطني لمناقشة قضية الرشوة وتفشيها في المجتمع كأحد أضلاع الفساد ويتم اتخاذ القرارات المناسبة تجاهها وتشريع القوانين الجادة للحد منها على ضوء نتائج هذا المؤتمر حتى يتم تلافي هذه الكارثة .كما تمنى في نهاية حديثه من مثل هؤلاء الذين يقبلون بالرشوة أخذاً وعطاءً أن يهتدوا وأن يتقوا الله ويعلموا أن الدين الاسلامي ليس دين صلاة وزكاة وصيام فحسب ولكنه دين يستهدف القلب ويغير من صفاته الجوهرية ويغير من سلوك النفس بحيث يكون هدف الانسان رضا الله عز وجل ورضا الله لا يتم بالرشوة والمعاملة بها فالاسلام دين معاملة أولاً وأخيراً .[c1]الرشوة في الشرع [/c]كلنا يعلم أن الرشوة عمل قبيح بطبيعته وذاته حتى وإن كان بعض منا يتعامل بها إلاّ أنه يعلم أنها عمل غير شرعي وإن اختلفت مسمياته كالاكراميات أو العمولة وما إلى ذلك ..وحرمة الرشوة – وإن انطوت تحت مسميات عديدة – إلاّ أنها واضحة جلية بنظر الدين والشارع الحكيم محرمة .يقول الشيخ / عمار بن ناشر من علماء الفقة المشهود لهم في محافظة عدن الرشوة هي دفع المال لغرض محرم شرعاً - جلب باطل أو رد حق- كمن يدفع المال حتى يأخذ حق غيره من مال أو عقار أو وظيفة أو ليتهرب من واجب فيعطل عمله طمعاً في نيل مراده أو ليلحق الاذى والضرر بغيره .ويواصل الشيخ عمار فتواه بالقول :" هي محرمة شرعاً لأنها ظلم للغير بأخذ حق وإلحاق الاذى والضرر به, قال تعالى :" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " والرشوة فيها ضياع الحقوق وتساهم في انتشار الفساد بكل صورة وتمكن غير الكفاءات من الاعمال والمسؤوليات الامر الذي يسهم في تخلف الامة وضعفها كما هو الواقع اليوم كما في الحديث النبوي :" إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة , قيل وما إضاعتها ؟ قال إذا وسد الامر الى غير أهله فأنتظر الساعة ".فبحسب قول الشيخ إن الرشوة والعمل بها يمكن بعض الاشخاص من تسلم مناصب وأعمال ومسؤوليات وأمانات ليسوا أهلاً لها وهناك من هو أفضل منهم ويستحقها ولكنهم تجاوزوه بدفع الرشوة .ويستأنف شيخنا حديثه :" وهذا التحريم شمل أيضاً الراشي كونه السبب المغري بها فلولاه ما كانت هذه المعصية الكبيرة كما يشمل المرتشي لأنه هو المشترط لها لانجاز العمل المحرم حتى لو لم يكن مشترطاً لها وجاءته من غير اشتراط فتحرم لأنها أخذ للمال بغير حق كما في الحديث – هدايا العمال غلول – وقد سبق نهي الله تعالى عن أكل الأموال بالباطل كما يشمل حكم التحريم الواسطة بين الراشي والمرتشي وهو- الرائش- لأنه يسهل عملية الرشوة ويعاون عليها قال تعالى :" ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" وفي الحديث المتفق عليه – لعن الله الراشي والمرتشي- وفي رواية – والرائش- وحين لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم شارب الخمر , لعن تسعة معه منهم حاملها والمحمولة إليه ولعن في الربا آكلة وكاتبه وشاهديه وكلهم دخلوا في اللعن والتحريم كشاربها وكآكل الربا وكالمرتشي ولا فرق بين الوسيط والفاعل".وأمام هذا التحريم الصريح من خلال نصوص شرعية قد يشكل على بعض الناس أشكالاً هاماً وهو أن البعض قد يضطر لدفع رشوة للحصول على حق من حقوقه أصلاً ولكنه لا يمكن أن يحصل على مبتغاه إلاّ إذا تم الدفع وفي هذا الموضوع يقول الشيخ / عمار :" من دفع مالاً لعكس غاية الرشوة لأخذ حق من حقوقه أو رد باطل أو ظلم عنه فهذا لا يحرم ولا يسمى الفاعل راشياً لأنه ينال حقاً من حقوقه لا يمكنه أن يتحصل عليه إلاّ بهذه الطريقة وهذا غير ذلك النوع من الناس الذين يحصلون على أشياء دون وجه حق وبتجاوزات فهذا الاخير غير جائز والإثم إنما يقع على الشخص المستلم لهذا المال لأنه هو الذي دفع صاحب الحق لفعل ذلك وبهذا افتى العلماء وعلى رأسهم الشيخ ابن العثيمين".وعن حكم الهدية وهل تدخل في باب الرشوة أجاب شيخنا :" الهدية كعقار أو شيء عيني , وغيره سيان هي والمال المدفوع نقداً ولا فرق إن كان من أجل الحصول على المراد المبتغى كذلك يدخل في هذا الباب استخدام النفوذ والوجاهة والجاة لاستجلاب منفعة لا حق له فيها ".[c1]الرشوة سبب التخلف والفساد ..[/c]وأختتم الشيخ / عمار بن ناشر العريقي حديثه بنصيحة قال فيها :" على الموظفين والمواطنين أن يتقوا الله تعالى في أموالهم وإجتناب هذه المعصية التي تعد من كبائر الذنوب لأن الله لعن أهلها وأسبابها وكما يحرص المسلم على صلاته طاعة لربه فيجب عليه الحرص على ترك هذه المظالم والذنوب المتعدية آثارها حقوق الآخرين , وفي الحديث الشريف :" كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به " .. في الآخر :" ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء يارب يارب ومطعمه حرام .. مشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له ؟" فالرشوة هي سبب ما عليه الأمة من فساد وتخلف وهيمنة الاعداد عليها وتقدمهم وتخلفنا ونسأل الله أم يحفظ لنا حقوقنا وكرامتنا وديننا وأموالنا ".[c1]جرائم الرشوة وعقوباتها ..[/c]كان لابد لنا من معرفة خبايا مثل هذه الافعال الشنيعة والمضرة بحق الوطن والدين والناس وكيفية فعلها من خلال مقابلة بعض المتهمين في مثل هذه القضايا العامة التي تمس المواطنين فكانت المفاجأة من لسان وكيل نيابة مديرية صيرة الأخ/ خالد البغدادي الذي أفادنا بعدم تواجد قضايا للرشوة في المديرية منذ عام 2005م بإستثناء قضية حدثت في مطار عدن قبل تلك الفترة تم التبليغ عنها من قبلالموظفين إلاّ أن الحادثة لم تكتمل شروطها.وعن أسباب عدم اكتمالها وماهية شروطها أفاد الأخ الوكيل بأن قضايا الرشوة مثلها مثل قضايا الزنا يشترط فيها التلبس ولا يتم توقيف أي شخص بمجرد بلاغ وإنما يتوجب إقافه متلبساً بتهمته .وأثناء تواجدنا في مكتب النيابة في م/ صيرة ناولنا الأخ الوكيل البغدادي كتاب قانون العقوبات وجرائم الرشوة . وكان حصادنا منه ما يلي : - أقصى العقوبات في حالة التلبس هي الحبس مدة لا تزيد عن 10 سنوات لكل موظف عام قبل أو طلب جزية او عطية من أي نوع أو حتى وعداً بها .- ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سبع سنوات كل موظف عام أدى عملاً أو أمتنع عن أداء عمل إخلالاً بواجبات وظيفته ثم طالب أو قبل مالاً أو منفعة ملحوظاً فيها أنها مكافأة أو هدية له مقابل ذلك ولو لم يكن هناك اتفاق سابق .تلك عقوبات الموظفين وفي المقابل هناك عقوبات تطال المواطنين ممن يعرضون الرشوة على الموظفين وهي كالتالي :- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات كل من عرض على موظف عام عطية أو مزية أو وعداً بها لأداء عمل أو للإمتناع عن عمل إخلالاً بواجبات وظيفته ولو لم تقبل منه .وبالنسبة للوسيط – الرائش- ما يلي :- يعتبر راشياً كل صاحب مصلحة عرض على موظف عام رشوة على نحو ما هو مبين في المواد السابقة وسيطاً – رائشاً- كل من عاون الراشي , والمرتشي بأية طريقة كانت على إرتكاب جريمة رشوة وكان عالماً بها , ويعاقب كل منهما بنفس العقوبات المقررة للجريمة التي اشترك بها .وبالنسبة للوسيط أيضاً ما يلي :- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات كل شخص عين لقبض رشوة دون أن تتوفر فيه صفة الرائش إذا كان عالماً عند قبضها بأنها رشوة .والملاحظ من العقوبات الماضية أنها عقوبات تعزيرة توبيخية لا ترتقي الى مستوى هذا الفعل الشائن الذي يعد أحد أركان الفساد في مجتمعنا وكثير من الحوادث لا يتم التبليغ عنها أو ضبطها بسبب قبول الطرفين بها , ولو وجد مواطناً جاداَ وموظفاً مثله لكان الوضع غير الوضع والحال غير الحال .[c1]يصرخون في وجه الرشوة..[/c]إن كان لابد لشخص أن يتحدث في هذا الموضوع الهام فإنهم الموظفون والمواطنون الذين يكتوون بنار الرشوة فكانت لقاءاتنا معهم تحمل العديد من عدم التبرير وضرورة وضع الحلول فكان هذا الحصاد:[c1]الرشوة مسؤولية المجتمع[/c]الاستاذ / غسان أحمد القطوي يقول :" إن الرشوة يحرمها ديننا الاسلامي الحنيف لما لها من آثار سلبية يعود ضررها على من يتعامل بها وعلى المجتمع ككل وهي أساس الفساد في أغلب جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. وأحياناً قد يبرر هذا الموظف أو ذاك أن سبب لجوئه للرشوة الظروف المعيشية الصعبة لكن هذا ليس عذراً شرعياً فالظروف المعيشية ليست سبباً أو دافعاً للرشوة مهما بلغت ذروتها فكم من إنسان في مجتمعنا يعيش ظروفاً صعبة جداً ولكنه لا يتعامل بالرشوة وهذا عذر أقبح من ذنب ".ويكمل الاستاذ / غسان القطوي وهو موظف تربوي مداخلته بالقول :" إن تفشي الرشوة مسؤولية المجتمع ككل فنحن نتحمل مسؤولية إنتشار هذه الظاهرة لأننا نساهم بشكل مباشر وغير مباشر في التعامل معها دون الرجوع الى الاحكام الشرعية وعدم اتباع القوانين في تعاملاتنا اليومية والاستعجال في تخليص بعض المعاملات واعطاء الفرص للبعض من الموظفين عديمي الضمير لاستغلال بعض المواطنين.وعن إمكانية اضطراره للتعامل بالرشوة يقول :" الحمد لله لم اضطر يوماً للتعامل بالرشوة وادعوه الله ألا يوقعني في مثل هذه الزلة ويجب أن يدرك أي موظف في الدولة خطورة التعامل وتحصيل المال عن طريق الرشوة لأنه في هذه الحالة يضر نفسه أولاً بإرتكاب جريمة ينكرها ويحرمها الشرع , وأنا أسأل هذا الموظف هل ترضى أن تأكل وتؤكل أولادك من الحرام ؟".[c1]مصالح الناس المعطلة ..[/c]عارف سيف الضرغام موظف اعلامي يقول عن الرشوة :" أنها محرمة شرعاً وقانوناً .. ومن يمراسها يكون عرضة للمحاسبة والعقاب .. وهذا الأمر يجب أن يتنبه له الكثير من الناس الذين يتساهلون إزاء هذه القضية التي تعد جريمة بحق الوطن والشعب وتجعل الآخرين ينظرون إلينا والى ديننا البرئ من هذه الجريمة الذي ينهى عنها نهياً قاطعاً ويتوعد من يتعامل معها ويمارسها والاحاديث في ذلك كثيرة ".. ويواصل :" وممارسة الرشوة من البعض بحجة الظروف المعيشية وإرتفاع الاسعار وصعوبة الحياة الاقتصادية سلوك غير سوي ومبرر غير مقنع .. فالحرام حرام .. وعلى المرء أن يحصن نفسه من الوقوع في هذا المنزلق الخطير الذي قد يأتي على هلاكه ويدمر حياته فإن فلت من عقاب الدنيا فلن يفلت من عقاب الآخرة إن لم يتب ".وعن امكانية تعامله مع الرشوة مستقبلاً قال :" أنا لست ممن يتهاونون في مسألة كالرشوة لأنني إذا فعلت ذلك فسوف أكون مشاركاً ومساهماً في انتشارها ونشرها على نطاق واسع فإذا لم نستطع إيقاف هذا الفساد المتمثل في الرشوة فعلى الاقل علينا بأنفسنا ".ووصف الذين يتعاملون بالرشوة بأنهم إنما يقومون بتعطيل مصالح الناس ويتحمولن أوزاراً هم في غنى عنها ويعرضون أنفسهم للمساءلة الألهية والعقاب الصارم في الدنيا وفي الآخرة .[c1]مكامن المشكلة ..[/c]بعد كل ذلك .. نستطيع أن نقول إن الدول المتقدمة استطاعت تحجيم وتقليص الفساد لأنها نظرت إليه على أنه ظاهرة اجتماعية وإن الآثار المترتبة عليه هي آثار مدمرة ستعرقل عملية التنمية سواء للفرد أو للمجتمع وسبب ذلك أن هذه الدول عندها مساحة كبيرة من الديمقراطية والشفافية والمساءلة , وهذه أهم شروط مقاومة الفساد ولافرق عندهم بين مسؤول كبير وآخر صغير .. ولا يوجد مسؤول أكبر من القانون ولا يعترفون بشيء اسمه :" ليس في الامكان أفضل مما كان ".إن ذلك لشيء خطير أن الدول المتقدمة تسيرها وتحكمها القوانين الوضعية ويكون عندهم أمر الفساد والرشوة عظيماً الى هذه الدرجة بينما نحن نملك الحكم الشرعي الإلهي ولا ننظر الى الرشوة والمسائلة كما ينظرون إليها هم .ودول العالم الثالث تنظر الى الفساد على إنه حالات فردية ليس المجتمع كله فاسداً وتتم عملية تعتيم ومهادنة مع الظاهرة السلبية ولا تحدث عملية التحجيم كما عند الآخر وتنتعش وتكبر المعضلة وتكون كالمرض السرطاني يتحول الى حالة ميؤس منها ونتقبل الوضع كما هو عليه .والشيء الخطير الذي ثبت عندنا هو أن الفساد كبر وانتشر فصارت عندنا ما يسمى بـ " ثقافة الفساد" نتكيف مع الفساد حتى المواطن الصالح الرافض للرشوة يرضى بها سبيلاً نحو هدفه حتى عقوبات الفاسدين والرائشين تكون دون مستوى الفعل والجريمة .وفي الغالب يكون ممن لا حول لهم ولا قوة بينما يتهرب رجالات المال والاقتصاد والنفوذ الذين يفلتون من مثل هذه بثغرات في القانون .فالمشكلة تكمن ابتداءاً بقبولنا بثقافة الفساد ولا يكون الخلاص من الرشوة كأحد أركان الفساد إلاّ برفض مثل هذه الثقافة .
الرشوة الأسباب التي تدفع لها .. وكيفية التصدي لها والحد منها
أخبار متعلقة