سياسة اليمن الخارجية.. ثوابت.. تطور.. فاعلية
صنعاء/ سبأ:نظرا لطبيعتها ومفهومها المتعارف عليه(كسلوك ومواقف مقصودة تتخذها دولة ما، وفقا لمبادئ وثوابت محددة، تجاه قضايا وأعضاء المجتمع الدولي، متوخية تحقيق أهداف معينة)، تواجه السياسة الخارجية لأي دوله، تحديا هاما، يتمثل في ارتباط نجاحها بقدرة صانع القرار على خلق توازن بين امرين متناقضين في طبيعتهما،احدهما ثابت وهو( المبادئ والثوابت) والاخر متغير وهو (سلوك الدولة) وهو متطور، بل يجب ان يكون كذلك، في ظل التداخل الحاصل بين مصالح وأهداف الدول، والتغيرات المتسارعة التي تشهدها السياسة الدولية وفي ظل العولمة التي يكاد ان يختفي معها مبدأ السيادة الكاملة لاي دولة، أي ان نجاح أي دولة، لاسيما إذا كانت من الدول النامية، في تحقيق اهداف سياستها الخارجية كالحفاظ على استقرارها وسلامة أراضيها، وكذلك نجاحها في عملية البناء الداخلي والتنمية يرتبط بمدى نجاح هذه الدولة في انتهاج سلوك دولي مرن، يأخذ بعين الاعتبار متغيرات السياسة الدولية، دون ان تفرط او تتجاوز مبادئها وثوابتها، وبما يضمن تحقيق اهدافها.ومما يحسب للجمهورية اليمنية انها نجحت في انتهاج سياسة خارجية مرنة يعبر عنها سلوك متطور، بما يتناسب مع القضايا والمتغيرات التي حدثت ومازالت تحدث على الساحة الدولية، متمسكة في الوقت نفسه بمبادئ وثوابت سياستها الخارجية في الابعاد الوطنية والقومية والدولية، وبشكل يخدم المصلحة الوطنية لليمن ويخدم كذلك القضايا العربية والاسلامية والقضايا المتعلقة بالسلام والامن والاستقرار الاقليمي والعالمي .ومن أبرز اولويات السياسة الخارجية اليمنية تحقيق الاهداف المتعلقة بعملية التنمية، كتوسيع التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات والمنظمات الدولية،وجذب الاستثمارات العربية والدولية إلى اليمن والترويج والتسويق الخارجي لليمن.. وعليه يمكن وفقا لهذا الطرح، رصد ابرز مظاهر السياسة الخارجية اليمنية والخطوط العريضة للخطاب الدبلوماسي اليمني على النحو التالي:أولا: في ظل الترابط والتأثير المتبادل بين السياستين الداخلية والخارجية، فقد اسهمت النجاحات التي حققتها السياسة الداخلية اليمنية في تحفيز عوامل نجاح السياسة الخارجية والعكس صحيح، فالنظام السياسي اليمني القائم على احترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والتبادل السلمي للسلطة، اكسب الجمهورية اليمنية الاحترام والتقدير على الصعيد الدولي ووسع من دائرة أصدقاء اليمن في الساحة الدولية، وأوجد تفهما لأوضاعها وظروفها.ثانيا: انعكس تمسك اليمن بثوابت سياسته الخارجية في بعدها الدولي وفي قدرته على مواجهة الأزمات والتطورات الإقليمية، وسهلت إلى حد كبير حركة نشاطه الدبلوماسي والتعامل الإيجابي مع تطورات الأحداث الإقليمية والدولية، ويتضح ذلك من :- تأكيد اليمن وحرصها على ان تكون عنصرا دوليا فاعلا، فيما يتعلق بالحفاظ على الاستقرار والسلام العالمي، و تجسد ذلك من خلال الالتزام بمبدأ التعايش السلمي ،وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وانتهاج سياسة الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية، فقد أنهت اليمن جميع خلافاتها الحدودية مع السعودية وعمان واريتريا بالطرق السلمية، كما أسهمت ومازالت في جهود التسوية السلمية للصراعات الاقليمية، كما في القرن الأفريقي بالنسبة للنزاع الاريتري - الاثيوبي والازمة الصومالية.- اكدت اليمن التزامها بكل ما يضمن ويحقق السلام العالمي، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة( حققت اليمن نجاحات كبيرة في مسألة مكافحة الإرهاب من خلال الجهود الوطنية، أو بالتعاون مع التحالف الدولي)، والعمل مع المجتمع الدولي من اجل نزع فتيل الأزمات الدولية ونزع أسلحة الدمار الشامل، وفي إطار الالتزام بالقانون الدولي والشرعية الدولية وتفعيل دور الأمم المتحدة.- على ضوء التغيرات الكبيرة التي شهدها النظام الدولي دعت اليمن الى إعادة النظر في منظومة العلاقات الدولية،لكي تقوم على أساس من الثقة والحوار والتعاون، وذلك في إطار نظام دولي عادل متعدد الأقطاب وفي إطار الشرعية الدولية والقانون الدولي والأمم المتحدة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.- سعت اليمن الى تقديم صياغة جديدة لمضامين العلاقات بين الشمال والجنوب من خلال المطالبة بإعفاء دول الجنوب من ديونها، ومناشدة دول الشمال الإسهام في عملية التنمية في دول الجنوب، ودعوتهاالأمم المتحدة الى القيام بدور في تضييق الفجوة بين الشمال والجنوب من خلال ترشيد العولمة، وإصلاح هياكل الأمم المتحدة بما يعزز دورها على الصعيد الدولي وجعلها أكثر ديمقراطية واستقلالية.- حرصت اليمن في تعاملها مع الدول الكبرى على ان تكون علاقاتها مع هذه الدول متوازنة في اطار الاحترام المتبادل وتحقيق المصالح المتبادلة، بالاضافة الى حرص اليمن على تطوير وتوسيع نطاق علاقاتها لتشمل دول جنوب شرق أسيا وفي مقدمتها اندونيسيا وماليزيا بالإضافة الى كوريا الجنوبية.- في مواجهة مايعرف بالعولمة والاتجاه السريع نحو التجمعات والتكتلات الإقليمية، ومن منطلق ان الدخول في العولمه يجب ان يبدأ من باب الشراكة الاقليمية، عملت اليمن على تطوير العلاقات بدول مجلس التعاون الخليجي باتجاه الانضمام الكامل إلى التنظيم الخليجي، وفي الوقت نفسه رعت اليمن مبادرة دعم الشراكة في القرن الافريقي ليظهر تجمع صنعاء، الذي يضم اليمن واثيوبيا والسودان ومؤخرا الصومال، مشكلا نواة للتعاون الإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، كما واصلت اليمن دعم وتطوير جهود واشكال واليات العمل الجماعي العربي.ثالثا: التزمت اليمن خلال مواقفها وسلوكها الدولي بالثوابت الوطنية والقومية لسياستها الخارجية ويتضح ذلك من جوانب عدة ابرزها:- كانت كل تلك السياسات والمواقف نابعة من حاجة وطنية لايمليها أي طرف او ضغط خارجي،فعلى سبيل المثال جاء موقف اليمن من مسألة مكافحة الارهاب منطلقا من تضرر اليمن اقتصاديا وسياسيا من جراء العمليات الارهابية التي تعرض لها فقد تضرر الاقتصاد الوطني وبرامج التنمية، وتوقفت السياحة وشح تدفق الاستثمارات الخارجية إلى اليمن، كما أدت تلك العمليات الى الاضرار بسمعة اليمن ومكانتها الإقليمية، لاسيما عندما روج البعض بانها اصبحت ملاذا لاعضاء تنظيم القاعدة وانصاره، ولذلك كله جاء التحرك الدبلوماسي سريعا لاسيما على مستوى القمة لتحديد وتأكيد موقف اليمن الرافض للارهاب والذييقف إلى جانب المجتمع الدولي لمحاربة هذه الظاهرة بشكل ادى الى ان اليمن نجحت في استعادة المبادرة والمكانة الإقليمية والحد من تأثيرات هذه الظاهرة على مصالحها الوطنية العليا.-وهي بصدد تعاونها مع التحالف الدولي ضد الارهاب حرصت اليمن على ان لا يكون هذا التعاون متنافيا ومناقضا لمظاهر السيادة الوطنية، وفي اطار القوانين والتشريعات اليمنية دون أي تفريط بالحقوق القانونية والدستورية، لكل مواطن يمني شمله أي اجراء في هذه القضية.- رفضت اليمن ربط ظاهرة الارهاب بالدين الاسلامي أو الثقافة العربية، كما دعت الى الربط بين مسألة الجهود الدولية لمكافحة الارهاب وايجاد حلول عادلة للقضاياالتي تشكل بؤر توتر اقليمي ودولي كالقضية الفلسطينية والفقر.- اكدت اليمن رفضها لوسيلة الحرب في مواجهة هذه الظاهرة، ودعت الى اتخاذ الاساليب الامنية والمخابراتية وكذلك اسلوب الحوار.- رفض أي اجراء في اطار أو بحجة مكافحة الارهاب يستهدف استقرار وسلامة أي دولة عربية او اسلامية.- ظلت اليمن وفية لالتزاماتها القومية والاسلامية ففي إطار ثوابت السياسة الخارجية اليمنية في بعدها القومي،والتي تلزم اليمن العمل من اجل خدمة القضايا العربية والتفاعل الجاد مع طموحات الأمة العربية حرصت اليمن على تطوير علاقاتها مع كافة الدول العربية، وعملت وبشكل فاعل من اجل صياغة نظام عربي جديد من خلال إصلاح وتطوير آليات ومؤسسات هذا النظام، فكانت المبادرة اليمنية في فبراير2000 والداعية الى تثبيت آلية الانعقاد الدوري للقمة العربية بهدف تفعيل أهم آلية من آليات عمل الجامعة العربية، ثم المبادرة اليمنية لتطوير النظام الإقليمي العربي والتي أعلن عنها في أغسطس 2003 والداعية إلى إنشاء كيان عربي جديد يسمى “اتحاد الدول العربية”، كما أكدت اليمن وظلت ملتزمة بدعم القضايا العربية المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث اكدت على ان تحقيق السلام في منطقة الشرق الاوسط لن يتم مالم يتم التوصل الى تسوية شاملة وعادلة للصراع العربي الإسرائيلي يحفظ للشعب العربي الفلسطيني حقه في تحرير أراضيه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وكذلك إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية المحتلة، ووقفت اليمن الى جانب الدول العربية التي تعرضت لتهديدات وإجراءات دولية ظالمة، فوقفت الى جانب الشعب العراقي رافضة الحصار الذي فرض عليه لأكثر من أربعة عشر عاما، كما اتخذت الموقف الداعم نفسه لكل من السودان وليبيا إزاء التهديدات والاعتداءات والعقوبات التي تعرضت لها الدولتان، وفي البعد الإسلامي سعت اليمن من اجل تعزيز التضامن والتعاون بين الدول الإسلامية وتفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي في مناصرة القضايا الإسلامية وتعزيز ثقافة التسامح والحوار بما يوضح الصورة الحقيقة للإسلام.واخيرا، وكنتيجة لتلك السياسة باتت اليمن تتمتع بمكانة وحضور فاعل، واصبحت الدبلوماسية اليمنية تقوم بدور نشط وفعال في المجالات والمحافل الإقليمية والدولية، ونالت تقدير المجتمع الدولي واهتمام الدول المانحة، لتقديم المزيد من الدعم لبرامجها وخطط التنمية مع الحفاظ على وحدتها وامنها وسيادتها واستقلال قرارها السياسي.