قصة قصيرة
تتشبث الجبال بعضها ببعض كحصن يخفي خلفه أمور الدنيا بما فيها..ترقد خلف زجاج نافذتي المتحركة أكوام من الصور تخللتها لحظات حية عشتها..ستائر الباص الرمادية لم تمنع أمواج المكان البعيد من الارتطام بوجهي وأخذت قوافل الأشجار تبتعد غير مبالية.وراء ذلك الطريق البعيد أرسيت شيئاً من عواطفي ذكرى عني ومني تذكرني وتذكرني رحلة في دروب الوطن،ومن خلف زجاج نافذتي أيضاً مسحت عيناي إمتدادات الأفق وتأثرت أذناي ببعض النغم وانهمر المكان بلا زمن، توقف النشيد وتطلع النشيد ورفرف العلم رجلا وقف على الشمس لا تسد ظلاله الجبال ولا السحب ولا حاجب محتجب،من زجاج نافذتي أتأمل تقاسيم وجهه المبتسمة..تقاسيم أخرى غير التي ظهر بمجرد النظر،تدافعت كأصوات الربيع وحفيف أوراق الخريف،فتحت الزجاج فشاغلتني أصابع الريح الباردة كأنها قصة حب جديدة تكتشف،اضطربت الستائر الرمادية وبدأت تخبط وجهي بقوة،أطل رأسي من النافذة ولم يكن أحد يطل أو يهتم للمنحدرات السحيقة،فقد كانت الصخور العتيقة على مشارف السقوط لكنها لا تقع أبداً منذ دهور ودهور مضت،هي هكذا ليست في الأمان وليست في الخطر،مددت يدي أتحسس الريح فأجدها باردة وقوية.فالباص يتحرك وستائر نافذتي تولول وتصفعني في خدي،خفت أن تجرحني أو أصاب فعدت إلى الداخل وأغلقت الزجاج وأسدلت إلا من قليل أنظر منه إلى ما شغفت به فجأة في رحلةٍ لمسافر في دروب الوطن.فهل أهديه للنسيان هكذا فجأة؟.طالتني حرارة في جو الباص المكيف ربما الآن لم يعد نافعا إغلاق نافذة أو ستائر عادية،أبعدت السترة وفتحت النافذة لكن الريح اندفعت إلى الداخل فتطاير الورق الذي في دفتري وفتحت الريح صفحة مكتوباً فيها رقم هاتف مهم..أحد كنزين عدت بهما من رحلتي،فخفت أن تقذفه الريح خارجاً،لكن الرحلة انتهت.توقف بنا السائق وهدأت الريح في تلك اللحظة فقط،فعندما نزلت من الباص اشتدت الريح مرة أخرى وبعثرت الأوراق وأربكت ردائي ونثرت كل الصور الحية والتقاسيم الخفية لمعالٍ وشمسٍ جلية لا تحجبها أبداً أسمال الظلام،نثرت الرياح أرقام الهاتف في كل السماء،حملت أغراضي وقبل أن أصعد إلى سيارة الأجرة التي استوقفتني سمعت السائق يقول للبائع المتجول:أصعد إلى الباص فهذا باص للمسافرين وزجاج النوافذِ لا ينفتح.