لست شعوبيا، ولا أمتهن حرفة إلقاء الزيت الحارق على الجراح العربية. لن أنثر سكرا على الجراح، لن أدلك النرجسية التي أضاعتنا.«كل يوم يتراجع البحر وتتقدم الصحراء» .. هذه هي الحقيقة في عالمنا العربي.. يتراجع البحر في الثقافة والحب والجمال، وتتقدم الصحراء في الطائفية والعادات والقيم المصنوعة من الجبة، وليس من السماء..كثير مما نعيشه هو دين الحزب، أو دين القس، أو رجل الدين وليس هو من ديننا الإسلامي، لذلك ندعو إلى ترشيد التديّن الشعبي، والعادات الشعبية التي ربطتنا في السرير التاريخي، ومنعتنا من اللحاق بقطار الحضارة، وبركب الحداثة.يجب فتح النوافذ للشمس، وتغيير الهواء وإطلاق الشباب المسلم لفهم الحياة والدين بطريقة اكثر انفتاحا وحداثة وتصالحا مع العصر.[c1]غثيان ثقافي[/c]مايمنع تدفق الحداثة الفكرية في العالم العربي هو التعصب، وانتشار طاعون الأفكار وكلور المفاهيم، من ادعاء «الخصوصية»، وبسبب تأصل البراغماتية المغلفة بالتأدلج على حساب الحياة.هذا يعتاش على منهج «الإعجاز العلمي» في الدين على حساب الدين، ويكدس خلفه جبلا من الكتب الخرافية، وذاك يكتشف علاج السرطان من خلال حديث ملفق، فيوزع أقواله على الفقراء، وهذا ينوّم الناس بعملقة التاريخ، والكل يبيع المخدرات في السوق السوداء والناس في سبات وتخدير.لهذا، أنا أدعو إلى إعطاء بعض الخطب الميثولوجية حبوب منع الحمل..يكفينا شباب مشوه في الثقافة والسياسة..كل شيء يولد عبر الأنابيب. إننا نشكو انتشار ولادة سياسة بالأنابيب، وثقافة بالأنابيب، وكذلك ولادة مثقفين بالأنابيب.عندما نشاهد التلفاز نصاب بالغثيان الثقافي، وخصوصا البرامج المؤدلجة ومن كل الأطراف.. نلحظ حالة الولع بالاستعراض التاريخي، بإيجابياته وسلبياته.إنها مأساة كبيرة. هؤلاء لن يبنوا بناء ثقافيا لهذا الشاب أو ذاك. ركامات من الخرافات تحتاج إلى كنس لاكتشاف جواهر التاريخ كما يقول الإمام محمد عبده.والمضحك المبكي، أن كل واحد يستعرض، وبطريقته الخاصة بعضلاته التاريخية، هذا في وقت تتقدم الشعوب الآسيوية كاليابان والصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة دون حاجتهم إلى هذا «الشو». ماذا سنفعل الآن وقد سقطت ورقة التوت الاقتصادية؟ سنؤدلج المشكلة وسنكتفي بالقول: إنه انتقام إلهي، ثم سننام.كل شعب يقدس تاريخه، ولكن ليس كل شعب يقدس حتى الجانب المظلم منه.هذه الأحاديث «الأنبوبية» الملفقة والضعيفة ستنجب لنا ثقافة مشوهة. تحدثوا في الحاضر أيضا والمستقبل.اسرائيل، وهي خلاصة الأمراض العربية، تتحدث عن التاريخ، ولكنها تستغله للحاضر والمستقبل..ككيان، ينفق على الثقافة والتعليم والصحة أكثر من أي دولة عربية.نحن أمة،تجعل «الثورة» مكان الوطن أو الحزب، ثم تلغى المواطنة، وتلغى الحداثة والمدنية ويتم الاقتصار على المكياج فقط.كعرب،حاضرون لوضع المكياج، والرموش الاصطناعية، والعدسات الزرقاء الكاذبة..تماما كمن يريد كتغيير عيدي أمين إلى انجلينا جولي.الكاتب الأميركي سنكس في «ديانة العرب»يقول:كانت وظيفة النبي محمد (ص)ترقية عقول البشر..في حين أن خطباءنا لا يتكلمون إلا بالعاطفة، حتى الزلازل أدخلوا فيها التأدلج وأصبح عندنا زلزال إسلامي. والغريب أن إسرائيل لم يضربها ولا زلزال. وهناك طب إسلامي يعالج السرطان! .يقول مايكل هارت، في كتابه «رجل من التاريخ»: إن محمدا(ص) رجل نجح على المستوى الديني والدنيوي. وخطباؤنا كثير منهم لايتحدث إلا عن الموت ومنكر ونكير وعذاب جهنم وضغطة القبر، حتى الأزمة المصرفية في أميركا أدخل فيها ضغطة القبر. أصبح شبابنا مضطربا ومصابا بمرض الفوبيا والرهاب. فعلا، بتنا في حاجة قصوى إلى قراءة وعينا ونظرتنا إلى الحياة.يقول محمود درويش «الحياة تستحق أن نعيشها»... لكن ما الفائدة «وكل يوم يتراجع البحر وتتقدم الصحراء»؟[c1]----------------* كاتب بحريني [/c]
|
فكر
كل يوم يتراجع البحر وتتقدم الصحراء!
أخبار متعلقة