يثير بين الحين والآخر الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي الذي يعتبر من أكثر الكتُاب السلفيين في مصر والعالم الإسلامي افتعالا للمشاكل التي تثير مشاعر الغضب والاحتقان من أقباط مصر حول ما يكتبه سواء في كتبه أو في تصريحاته الصحفية أو مقالاته بالصحف القومية التي يمتلكها الشعب المصري كله، سواء المسلم أو المسيحي . والسؤال الملح: هل ما يقوله محمد عمارة يحدث هفوة أو يحدث لمرة واحدة أم أنه منهج دائم له؟!!. أي ما يقوله محمد عمارة-وكثيرا ما يكون بالاسترشاد بمفكرين غربيين مسيحيين- عبارة عن هفوة باحث –وهذا غير وارد في البحث العلمي ولكنه أضعف الإيمان أو أضعف مبرر له- أم أنه منهج يطوعه لخدمة عقيدته أو أفكاره السلفية الجامدة. من الواضح أن ما يفعله محمد عمارة يكون عن قصد متعمد بداية من مقاله بجريدة الأخبار وكتبه وأحاديثه الصحفية وانتهاء ببرنامجه “الرد الجميل” على بابا الفاتيكان الذي يذاع على قناة النيل الثقافية وهو عبارة عن رد سيء وبه كم من المغالطات التاريخية والفلسفية. آخر ما أثاره عمارة كتابه:” فتنة التكفير ما بين الشيعة والوهابية والصوفية” الذي نقل فيه آراء الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه :”فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة”، وهو كتاب منتشر في مصر والعالم العربي كله ويوزع بشكل علني. في هذا الكتاب يوضح الإمام الغزالي أن:”اليهودي والنصراني كافران لتكذيبهما للرسول، وهذا الكفر حكم شرعي ...إذ معناه إباحة الدم، والحكم بالخلود في النار، ومدركه شرعي، فقد وردت النصوص في اليهود والنصارى، والتحق بهم البراهمة والزنادقة، فإنهم مكذبون للرسول، فكل كافر مكذب للرسول، وكل مكذب فهو كافر”. وهنا يُطرح سؤال هل نقل الكفر كافر أم لا؟ أي أن نقل هذا التعريف للكفر يندرج وينسحب ضمن تعريفات محمد عمارة أم لا؟ إذا كان لا، فأين تعريف عمارة للكفر ولماذا لم يعلق على تعريف الغزالي أو لماذا أورده من الأصل؟!!. فلا يخفى على عمارة أن هذا التعريف سوف يثير غضب الأقباط أم أنه يريد ذلك؟!!. ولا يخفى على عمارة أيضا- وهو مفكر إسلامي- أن الكفر لا يعني التكذيب للرسول وإنما يعني (الإخفاء أو عملية زرع البذو )بالطبع المقتبس يندرج تحت فئة المقتبس منه، أي أن عمارة المقتبس من آراء الغزالي هو بشكل من الأشكال مثل المقتبس منه وهو الإمام الغزالي الذي على يديه خرج تكفير الفلسفة أم العلوم وتكفير العلوم الدقيقة والنسبية التي أقرتها الفلسفة اليونانية وذلك في كتابه الشهير “تهافت الفلاسفة” أي سقوط الفلاسفة، وعلى يديه خرج ابن تيمية شيخ الإسلام أكبر مكفري العالم كله. فالغزالي ألف كتابه تهافت الفلاسفة-توزعه في مصر دار المعارف ومن تحقيق الدكتور سليمان دنيا- وبه تكفير للفلاسفة ولليهود والنصاري، وجاء بعده المجدد الفيلسوف ابن رشد وأصدر كتابه “تهافت التهافت” دافع فيه عن الفلسفة اليونانية وعن النسبية وعن العلوم الدقيقة وبيّن خطر أفكار الغزالي واصطدم ابن رشد ببعض الأفكار السلفية الظلامية، ثم ظهر في الأفق تلميذ الغزالي ابن تيمية(المتوفى عام 1328م) الذي إليه يعود جميع ما نحن عليه من جهل وإرهاب وفكر ظلامي تكفيري لا يعترف بالآخر بل يطالب بالجهاد الدموي لمسحه من على الأرض. وخرج من ابن تيمية وفكره محمد بن عبد الوهاب(1703- 1792) صاحب الفكر الوهابي فقد وجد عبد الوهاب في فكر ابن تيمية ملاذا لتطبيق أفكاره الإرهابية و سندا لدعوته و أفكاره و تبنى آراءه المتشددة حيال الصوفية و اتباع الطوائف الإسلامية الأخرى و رفع السيف في وجه المخالفين و عد الخارجين على نهج التوحيد الذي يدعو إليه كفاراً يحل قتالهم و قتلهم.(لمزيد من الإطلاع راجع مقاله وجهة نظر في ابن تيمية لإحسان طالب –شفاف الشرق الأوسط)كما وجد أسامة بن لادن في أصولية وسلفية ابن تيمية منهجا إسلاميا صرفا و دعوة شرعية مستندة إلى الكتاب و السنة فأحيا مشروعه الجهادي و تمسك باجتهاداته في وجوب مقارعة الكفار من الصليبيين و اليهود و قتالهم و إعلان حالة الجهاد العامة المفروضة على كافة المسلمين في كل بقاع الأرض. حتى غدا ابن تيمية الاسم رقم واحد في أجندة الفكر الأصولي الجهادي العنيف، الذي عد إرهاب الكفار وعملائهم وأعوانهم عملا مستحبا يتقرب به إلى الله و يستعجل به طريق الجنة.كما وجد بعض المفكرين السلفيين أمثال محمد عمارة ملاذا في أفكار الغزالي وابن تيمية. هذه هي ذهنية الدكتور محمد عمارة، ذهنية سلفية لا تعرف الآخر وإن عرفته أو أدركته لا تعترف به وإنما تحاول أن تقلل من شأنه تارة و أن تتطاول على معتقداته تارة أخرى. منذ عدة سنوات كتب الصحفي والباحث سامح فوزي مقالا:” التطاول على عقيدة مواطنين مصريين لا يفيد مصر” ردا على مقالتين لعمارة بجريدة الأخبار بعنوان:” الديانات السماوية.. والحروب الدينية (10) و (11)”، انطويا على هجوم وتطاول غير مبررين على المسيحية التي يدين بها قطاع من المواطنين المصريين الذين يجب أن تتمتع العقيدة التي يدينون بها–بحكم الدستور والميراث الحضاري المصري - باحترام تفرضه الأسس التي تقوم عليها المواطنة في مجتمع تعددي، كما قال فوزي. وللحديث بقية حول ضرورة مجاوزة الفكر السلفي كما قال المفكر الإسلامي جمال البنّا وموقف عمارة من الفكر الإسلامي المستنير، وأهم ملامح الذهنية السلفية وما تقرره.----------[c1]* كاتب مصري[email protected][c1]
|
فكر
في ذهنية محمد عمارة
أخبار متعلقة