انيس حسن يحيى في حديث ذي شجون إلى صحيفة ( 14 اكتوبر ):
أجرت المقابلة : نادرة عبد القدوس[c1]استهلال : [/c] عندما كلفني رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير الأخ أحمد الحبيشي لإجراء حوار مع الشخصية السياسية الوطنية أنيس حسن يحي ، وافقتُ دون أي تردد بعكس رأيي في شخصية اقترحها عليّ قبلاً ورفضتُها ، ذلك لأنني أتوجس الصدق دائماً في ما يقوله المناضل أنيس ولأن التعامل معه خالٍ من أي ترفع أو استكبار، فتخال نفسك أمامه وكأنك في مجلس يضمك بأخيك الأكبر أو بأبيك ، فهو دائم الابتسام ومفعم بروح الفكاهة والتفاؤل ما يجعلك تنسى إنك أمام قامة من قامات النضال السياسي المترَع بالقهر الاستعماري في جنوب الوطن .. وعَلَم من أعلام الفكر النضالي التقدمي العربي والعالمي ..و مجاهد يمني وحدوي مذ عرف ذاته واستمات من أجل إعادة اللُحمة اليمنية إلى جسد الوطن الذي ناله التمزق والتشطير جراء الاحتلال العثماني والبريطاني .. بيد أني حدثتُ نفسي أسائلها كيف لو رفض أنيس المقابلة؟ لعلمي بإجرائه عملية جراحية في عينه اليسرى لشفط المياه البيضاء .. ومنعه الطبيب لذلك عن القراءة والكتابة ! إلا أن الرجل كان كريماً معي ووافق على الفور إجلالاً ، كما قال للأخ رئيس التحرير في مكالمة هاتفية معه ، للمناسبة العظيمة التي تحتفي بها بلادنا اليوم .. وتجاوباً مع الصحيفة لإجراء هذه المقابلة . وكانت هذه المقابلة التي تمت بالهاتف وأرسل بعض إجاباتها بالفاكس ، ذلك لأنه مقيم في منزله في العاصمة صنعاء [c1]وميض النضال السياسي[/c] * في البدء كان السؤال الذي بادرت محدثي به عن دوره السياسي النضالي المناهض ، تحديداً ، للمرسوم البريطاني الصادر في مطلع عام 1955 م ، والذي قضى بمنع أبناء الشمال والمحميات من حق الانتخاب والترشح للمجلس التشريعي في عدن ؟ فأجاب قائلاً : " يصح لي القول بأن منتصف عام 1955 م كان نقطة البداية في إعادة تشكل الحركة الوطنية اليمنية في الجزء الجنوبي من اليمن .. هذا العام هو البداية للإعلان عن توجه سياسي جديد ، ولمشروع وطني مغاير يختلف عن مشروعي الجمعية العدنية وحزب الرابطة .. " ويردف قائلاً " كان رأيي منذ وقت مبكر أن الجمعية العدنية وحزب الرابطة تنظيمان سياسيان وطنيان .. واختلافنا ، مع هذين الحزبين ، لا يسمح لنا بأن نعتبرهما تنظيمين غير وطنيين لمجرد أننا افترقنا عنهم واختلفنا معهم. وكنت ضمن عشرات من الوطنيين الذين حملوا مشروعاً سياسياً جديداً في توجهه .. وكان في مقدمة هؤلاء الأخوة : محمد عبده نعمان ، محمد سالم علي ، عبد الله الأصنج ، عبده خليل سليمان ، إدريس حنبلة ، حسين باوزير ومحمد سعيد مسواط " . التقط محدثي أنفاسه المرسلة إلى أذني عبر الأثير ليضيف : " كانت عدن تحديداً قد شهدت في هذا العام وفي السنوات اللاحقة اتساع القاعدة العمالية في مجالات اقتصادية عديدة .. في الميناء وفي مصافي عدن وشركات النفط الأخرى وفي مجال البنوك وفي قطاع التجارة .. كما إن في هذه المرحلة شهدت منطقتنا تنامياً متسارعاً لتأثير الثورة المصرية في وعي صف واسع من الوطنيين ، فتجذّر لديهم الإحساس بالانتماء الوطني والقومي . وعلى الصعيد الشخصي كنت أمتلك حيوية في نشاطي السياسي .. ولعبتُ ، مع آخرين كثيرين ، دوراً فاعلاً في الدعوة إلى مقاطعة انتخابات المجلس التشريعي انطلاقا من رفض واسع في صفوف الوطنيين للمرسوم التشريعي البريطاني الذي صدر في مطلع عام 1955 م المذكور آنفاً .. لقد كان بالفعل مرسوماً جائراً بكل المقاييس" .[c1]*هل هذا يعني أن القوى الوطنية اليمنية الأخرى التي شاركت في الانتخابات كانت موالية للاستعمار ؟ [/c] كلا .. ما قلته لا يفهم من كلامي أن القوى الوطنية التي شاركت في تلك الانتخابات كانت تحمل مشاريع سياسية غير وطنية .. المسألة لا تعدو أن تكون اختلافاً في اجتهاداتنا السياسية .. ولكنه اختلاف نتج عنه ميلاد حركة وطنية يمنية بتوجه يمني يطرح الوحدة اليمنية كقضية استراتيجيه .. ويسعدني أن أشير هنا إلى أن التسامح كان هو الطابع السائد في العلاقات بين مختلف أطراف الحياة السياسية رغم وجود قدر من التباينات في الرؤى السياسية والتوجهات الفكرية بين هذه الأطراف . لقد انتصرت عدن وأهلها بمقاطعتهم انتخابات المجلس التشريعي، وانتصروا لهوية عدن اليمنية ، وهذه مسألة أخرى تستحق مني الكتابة حولها في وقت لاحق . [c1]* عندما شاركت ، مع آخرين ، في الدعوة إلى مقاطعة انتخابات المجلس التشريعي ، هل قاطعتها بصفتك الشخصية أم الحزبية ؟ [/c]ـ عندما شاركتُ ، مع آخرين ، في الدعوة لم تكن قد نضجَتْ عندي فكرة الانتماء الحزبي لأسباب كثيرة ، لعل أهمها أن الحزبين القائمين في الساحة السياسية حينئذ ، وهما الجمعية العدنية وحزب الرابطة ، لم ترق لي توجهاتهما السياسية ، فالجمعية العدنية تبنت الدعوة إلى قيام حكم ذاتي لعدن ، ويرتبط بالكومنولث البريطاني .. وهو مشروع سياسي ضيق الأفق ، وليس له مستقبل . كان عدد من أبرز دعاة هذا المشروع أساتذة لي ولجيلي في المدرسة الثانوية ، وكانوا وطنيين قطعاً ، ومع ذلك بقي هؤلاء مشدودين إلى مشروعهم السياسي الذي ضاقت قاعدته الاجتماعية في أوساط أبناء عدن تحديداً ، في ضوء التطورات السياسية التي كانت تشهدها منطقتنا العربية إجمالاً بفعل تأثير ثورة يوليو 1952 م وبروز عبد الناصر كقائد قومي . من جهة ثانية ، لم أستطع أن أتجاوب مع المشروع السياسي لحزب الرابطة ، رغم اتساع قاعدته الاجتماعية وحضوره السياسي الفاعل في الجنوب . لقد تفتح وعيي الوطني مبكراً ، على القبول بمشروع وطني سياسي أرحب ، وهو المشروع الذي انطلق من وحدة اليمن كقضية استراتيجيه ، وتبلور هذا المشروع أكثر في سياق تطور الحركة الوطنية في الجنوب . مما تقدم يتضح أنني عندما شاركت في الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات للمجلس التشريعي ، كنت غير منتمٍ حزبياً .. وهذا شأن صف واسع من الوطنيين الذين حملوا لواء مقاطعة تلك الانتخابات . [c1]الانطلاق نحو آفاق العمل السياسي* كنتَ واحداً من أبرز مؤسسي الجبهة الوطنية المتحدة .. هل يُعد ذلك بداية انطلاقك نحو آفاق العمل السياسي ؟ [/c] ـ أود ، أولاً ، وأنا أجيب عن هذا السؤال الهام ، أن أتوجه بالتحية إلى كل الأخوة المناضلين الكبار ، الذين لعبوا دوراً أساسياً وفاعلاً في تأسيس الجبهة الوطنية المتحدة ، وفي مقدمة هؤلاء محمد عبده نعمان ، محمد سالم علي ، عبده خليل سليمان ، إدريس حنبلة ، حسين باوزير، وهؤلاء جميعاً رحلوا بعد أن سجلوا مواقف وأدواراً وطنية مشرفة . ومن بين الفاعلين في تأسيس هذه الجبهة من الأحياء أنا و الأخ والزميل عبد الله الأصنج . وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن المقاطعة الشعبية لانتخابات المجلس التشريعي ، قد خلقت حالة ثورية استثنائية ، وولدت زخماً شعبياً عارماً سمح بالتفكير في كيفية الاستفادة من هذا الزخم الشعبي العارم . ولذلك جاء تأسيس هذه الجبهة تلبية لحاجة موضوعية استشعرها صف واسع من المناضلين الرواد الذين اضطلعوا بهذه المهمة الوطنية النبيلة . وأتذكر جيداً أنني تداولت فكرة تأسيس هذه الجبهة مع الأخ المناضل الكبير الراحل محمد عبده نعمان ، عندما كنا ندرّس معاً في المدرسة الابتدائية في حي التواهي . وأتذكر ، أيضاً ، أن بعض الأخوة من زملائنا في هذه المدرسة قد شهدوا جانباً من هذه الحوارات بيننا .. ولا أحب أن أتعجل في ذكر أسماء هؤلاء حتى أتحقق منهم شخصياً . كما أتذكر جيداً ، أيضاً ، أنني تداولت هذه الفكرة ، وللاعتبارات نفسها ، مع الأخ المناضل الكبير الراحل محمد سالم علي ، في مكتبه في صحيفة البعث ، ولقيت الفكرة لديه تجاوباً مطلقاً ، وهو نفس موقف المناضل الكبير محمد عبده نعمان . وما أود التأكيد عليه ، هنا ، أنني لست ممن يهوون إدعاء مواقف وأدوار ليست لهم .. وعرفني الكثير من أبناء جيلي ، وأجيال لاحقة ، بأنني إنسان صادق . وفي ما يتعلق بسؤال الصحيفة المشار إليه أعلاه ، أقول نعم ، كانت هذه بداية انطلاقي نحو عمل وطني أرحب .. وأرجو من الله أن يطيل من عمري ، وأن يمدني بالصحة والعافية لأواصل دوري الوطني لمصلحة شعبنا ووطننا الغالي. [c1]فك الارتباط بحزب البعث القومي وتأسيس حزب الطليعة الشعبية* ماهي ، في رأيكم ، حيثيات ودوافع تأسيس حزب الطليعة الشعبية ، في الجنوب ، تحديداً ، وفي اليمن عموماً ؟ وهل ترى في حزب الطليعة الشعبية امتداداً للبعث ، أم إنه مثّل حالة نوعية جديدة ، ومغايرة للبعث تماماً ؟ [/c] لم يجب على السؤال مباشرة ولكنه قدم قراءة شخصية لهذه التجربة قائلاً : " نشاطي في الحقل الوطني ، على نحو متواصل ، يمتد إلى أكثر من اثنين وخمسين عاماً .. وما زلت قادراً ، إن شاء الله ، على مواصلة عطائي في الحقل الوطني العام .." ، دعوت له ، مقاطعة ، بأن يحقق الله ما يصبو إليه .. بعد توجيهه الشكر لي استطرد قائلاً : " تجربتي ، في إطار البعث القومي تمتد لحوالي عشر سنوات ، من أواخر عام 1959 م حتى نوفمبر عام 1970 م . لقد نضجَت لديّ فكرة فك العلاقة مع البعث القومي عبر محطات عديدة . وهذه الفكرة لم تنضج عندي وحدي ، وإنما نضجت عند رموز وقامات أخرى هامة من أبناء جيلي من البعثيين اليمنيين ، وأذكر منهم : يحي الشامي ، عبد الجليل سلمان ، سيف أحمد حيدر وزين السقاف ، الثلاثة الأخيرون رحلوا عن عالمنا قبل الأوان " وبعد هنيهة صمت أضاف قائلاً : " كما نضجت فكرة فك العلاقة مع البعث القومي عند عناصر مهمة من جيل لاحق لنا ويأتي في طليعة هؤلاء الأخوة حسن شكري ، أحمد قائد الصايدي ، عبده علي عثمان ، نصر ناصر علي ، عبد الغني عبد القادر ، عبد العزيز محمد سعيد وسعيد الخيبة . هذه الإشارة تتناول فقط الأخوة الذين أكملوا دراستهم الجامعية في الخارج وعادوا إلى الوطن ، وانخرطوا بفعالية في صفوفنا . وهناك قطعاً آخرون غيرهم لا يسع المجال لذكرهم .. أما الأخوة الذين شاركوا في إحداث هذه النقلة النوعية ، في داخل الوطن ، فهم أيضاً كثيرون ، وجميعهم ساهموا في تأسيس حزب الطليعة الشعبية في اليمن عموماً ". ويؤكد في سياق حديثه معي : " هنا تجدر الإشارة إلى الأخوين المناضلين الكبيرين سيف حيدر وزين السقاف اللذين شقا لأنفسهما طريقاً مختلفاً ، إذ اختار الأول بعد فك العلاقة مع البعث القومي أن يعمل مع آخرين ، من تيارات مختلفة ، وأسهم معهم في تأسيس حزب العمل اليمني ، أحد مكونات الحزب الاشتراكي اليمني ، في حين اختار الثاني البقاء مستقلاً عن الجميع ، محتفظاً بالعلاقات الراقية مع الجميع كما احتفاظه بتوهجه وتألقه والتزامه الفكري اليساري الاشتراكي العلمي حتى لحظة وفاته " . ويواصل المناضل أنيس حسن يحي حديثه الشيق في رده على السؤال الآنف : " كنا ، أقصد ، أنا والزملاء من جيلي متفقين ، في الجوهر ، على فك العلاقة بحزب البعث القومي ، ولكننا اختلفنا في كيفية ترجمة هذا التوجه .. فحرصنا ، يحي الشامي وعبد الجليل سلمان وأنا ، أن نواصل عملنا مع البعثيين في اليمن ، وأن نُنضِج معهم ، وبالتدريج ، فكرة تأسيس حزب جديد . وكان هذا الحزب هو حزب الطليعة الشعبية ، وكان المناضل والمثقف حسن شكري هو من اقترح هذه التسمية من خلال سلسلة مقالات نُشِرت له في النشرة الدورية التي كانت تصدرها منظمة البعث في شمال الوطن .. ولم يقتصر دور حسن شكري ، وهو من الجيل الثاني من البعثيين ، على اقتراح هذه التسمية وإنما تعدى ذلك إلى لعب دور فاعل في تأسيس حزب الطليعة الشعبية ، إلى جانب آخرين من الجيلين الأول والثاني .. من الجيل الأول يحي الشامي وعبد الجليل سلمان ، ومن الجيل الثاني أحمد الصايدي وعبد العزيز محمد سعيد .. وقطعاً كان هناك آخرون غيرهم ومن الجيلين " . " كانت البداية ، بالنسبة لنا جميعاً ، أي أفراد جيلي ، من القاهرة ، بعد استلام حزب البعث السلطة في كل من بغداد ودمشق .. فقد تكونت لدينا قناعة بأن البعث في السلطة ، هو غير البعث في المعارضة .. في السلطة أخذ البعث القومي يُضيّق الخناق على مخالفيه في الرأي والتوجهات السياسية ، من الناصريين والقوميين العرب والشيوعيين . في القاهرة أصدرنا ، نحن البعثيين اليمنيين ، بيناً أدنّا فيه قيام سلطة البعث في بغداد باضطهاد الشيوعيين العراقيين . ولقي هذا البيان استحسان البعثيين عموماً في القاهرة ، من عرب ويمنيين . ورفعنا هذا البيان ، بصيغة مذكرة احتجاج إلى القيادة القومية لحزب البعث . [c1]جيل جديد من مناضلي البعث اليمنيين[/c] في القاهرة ، وفي صيف عام 1962 م تشكلت فرقة حزبية خاصة بالبعثيين اليمنيين . وهو إجراء غير مألوف في الحياة الداخلية لحزب البعث في القاهرة ، إذ كان البعثيون العرب في القاهرة يتواجدون ، ومعهم البعثيون اليمنيون ، في خلايا مشتركة . وكان استحداث فرقة حزبية خاصة بالبعثيين اليمنيين يُعد كسراً للمألوف وإلغاء للقاعدة المتعارف عليها سابقاً في أوساط البعثيين العرب في القاهرة . هذا الاستحداث كان البداية في الخروج من عباءة البعث فكرياً وتنظيمياً . ثم جاءت أزمات البعث القومي الداخلية ، وانقساماته لتنضج لاحقاً ، فكرة فك علاقتنا بالبعث القومي . الفكرة لم تكن ناضجة بنفس القدر من الوضوح عند الذين أسهموا ، فيما بعد ، بعملية فك الارتباط والتوجه نحو تأسيس حزب الطليعة الشعبية في عموم اليمن . وعلى صعيد تجربتنا في الجزء الجنوبي من الوطن ، كانت منظمة البعث ، منذ ديسمبر 1966م، تشهد انخراط مناضلين شباب في صفوفها ، وتلقى هؤلاء ، في الغالب ، ثقافة فكرية مختلفة تجعل من الفكر الماركسي ركيزة هذه الثقافة الفكرية الحزبية . في هذه الأجواء تكوّن جيل جديد من المناضلين ليست لهم أية علاقة بالبعث القومي . هذا الجيل الجديد من المناضلين الشباب هو القوام الفعلي لحزب الطليعة الشعبية . ومن بين صفوف هذا الجيل برزت قيادات شابة اضطلعت بدور فاعل في توسيع القاعدة الحزبية والاجتماعية لحزب الطليعة الشعبية ، حتى أصبح لنا حضور فاعل ومؤثر في خمس محافظات هي عدن ولحج وأبين وحضرموت وشبوة . وفي طليعة هذا الجيل الجديد من المناضلين تبرز أسماء عديدة تألقت في فضاءات العمل الوطني ، أذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر عبد الكريم شمسان ، نجيب محمد إبراهيم ، محمد ناجي سعيد ، محفوظ هادي محفوظ ، سعد سالم ، محمد العوش ، عبد الله صالح فضل ، سعودي علي عبيد ، سالم فضل ، عبد الرب العطاش وصالح باصرة .. وهناك آخرون غيرهم ، وهم كثيرون ، ولا يتسع المجال لذكرهم هنا " . ويسترسل المناضل أنيس حسن يحي قائلاً : " وفي هذه الأجواء،المواتية ، أصدرت قيادة منظمة البعث في الجزء الجنوبي من الوطن في نوفمبر عام 1969 م تعميماً داخلياً اعتمدت بموجبه التزام المنظمة بالفكر الماركسي ، وفي نوفمبر عام 1970 م عقدنا مؤتمراً للمنظمة أعلن فيه فك العلاقة مع حزب البعث القومي فكرياً وتنظيمياً ، واعتمدنا نظاماً داخلياً جديداً بقواعد وأصول حزبية أكثر تطوراً . ولم يكن في وسعنا اعتماد تسمية جديدة تنسجم مع الواقع الجديد الذي كان قد نشأ وتكوّن قبل انعقاد هذا المؤتمر ، والذي تكرس أكثر بعد انعقاده في نوفمبر عام 1970م . الاسم الجديد للمنظمة لا يملكه شخص ، ولا تملكه اللجنة المركزية ، فهو من اختصاص مؤتمر عام للحزب . [c1]دعوة لقراءات أخرى [/c] كان البعثيون في شمال الوطن ، بعد إعلانهم فك العلاقة مع البعث القومي ، قد اختاروا تسمية حزب الطليعة الشعبية كتعبير عما قد تكوّن منذ زمن في الشمال . وبحكم التقاليد الكفاحية المشتركة للبعثيين على امتداد الوطن ، وهو تقليد ظل محل احترام قيادات وقواعد البعثيين حتى بعد فك علاقتهم بالبعث القومي ، كانت هناك ضرورة لعقد مجلس وطني ( كونفرنس ) للمنظمة في الجنوب لتدارس مسائل عديدة في مقدمتها تبني التسمية التي أُطلقت على المنظمة الجديدة في الشمال . عقدنا هذا المجلس الوطني في الفترة من 5 إلى 7 أبريل 1974م . واتخذ المجلس الوطني قراراً باعتماد تسمية حزب الطليعة الشعبية كتسمية تعبر حقيقة عن الواقع الجديد للمنظمة التي كانت تتشكل بهذه التوجهات ، وبالتدريج ، منذ أواخر ديسمبر 1969م ، هنا تجدر الإشارة إلى أننا كنا، قبل اختيار هذه التسمية ، نطلق على أنفسنا منظمة البعث في اليمن الديمقراطية . ومن هذه التسمية يتضح تماماً إن هذه المنظمة ليست لها علاقة بالبعث القومي . والجدير بالذكر إن ما يزيد عن 90% من قوام حزب الطليعة الشعبية في الجنوب ، يضم جيلاً جديداً من المناضلين لا تربطهم أية صلة بالبعث القومي . وشكل مؤسسو حزب الطليعة الشعبية ، وهم بعثيون سابقون ، حوالي 10% على الأكثر ، من قوام هذا الحزب ، ما يعني قطعاً ، أن حزب الطليعة الشعبية في اليمن عموماً ليس امتداداً للبعث القومي ، ذلك أن القطيعة التامة مع البعث القومي ، على صعيد الفكر وعلى صعيد التقاليد والأصول الحزبية المعتمدة ، كانت تمت قبل فترة كافية من إطلاق هذه التسمية " . وأنهى محدثي قراءاته الشخصية لتجربة النضال السياسي الغنية التي اجترحها مع رفاق له منذ عقود تناهز الخمسة منوهاً بأنها " لا تنفي وجود قراءات أخرى من الذين ساهموا بفعالية في صنع هذه التجربة ، وأتمنى على هؤلاء أن يسهموا في تقديم قراءاتهم المتعددة والمتنوعة التي ، قطعاً ، ستسلط المزيد من الضوء على هذه التجربة ، لتكتمل الصورة " ، مضيفاً " وإذا كان لي أن أضيف شيئاً فإني أقول إن قرارنا بفك العلاقة مع البعث القومي قد تأخر كثيراً . لكن هذه المسألة ليست محكومة فقط بقرار يتحكم فيه العقل وحده ، بل تلعب العاطفة دوراً مهماً في صنعه. كان البعض منا ، في الصف القيادي ، يأمل في أن البعث القومي مازال قادراً على استعادة توهجه وتألقه اللذين افتقدهما تماماً ، وهو في السلطة , ومن جراء ميل السلطة إلى التفرد بالقرار والرأي والحكم . وبسبب هذه العاطفة أقول إننا تأخرنا كثيراً في اتخاذ ذلك القرار . . .