يتكرر الحديث ويدور كل عام حول احداث ووقائع معينة كثيرة من تاريخ الثورتين “سبتمبر وأكتوبر”، وهي احداث ووقائع مهمة ومهمة جداً في بعضها من دون شك.. غير ان هناك احداث ووقائع بعينها لا تلقى الاهتمام اللائق بها، بل ان منها لا تجد احداً يذكرها رغم اهميتها، مثل: واقعة حريق “المحوى” والدور الغير هين لسكان منطقة “المحوى” في حرب التحرير.. واذكرها هنا تحديداً ونحن نحتفي اليوم بالعيد (43) لثورة “14أكتوبر” المجيدة.ولعل فيما اذكره هنا القدر الممكن من الدقة، خاصة وانني عايشت فترة دور “المحوى” النضالي على الارض ولمدة زمنية طويلة منذ بداية الستينيات في اطار نشاط حزب الشعب الاشتراكي بتبنيه تكوين “الشباب الكشفي” من طلبة الاعدادية وقتها كمنافس وبديل وطني للطلاب الكشافة الحكومي.. وكانت بعض “عشش” وأكواخ “المحوى” اماكن تجمع لتوعية الطلاب باشراف الفقيد/ ادريس حنبلة.. وبعد ذلك عايشت دور “المحوى” خلال فترة نشاط التنظيم الشعبي القوى الثورية حتى 6 نوفمبر 1967م.أهمية الموقعتتمثل اهمية موقع “المحوى” في انه كان مخبأً مثالياً وآمناً لسلاح وذخيرة وآلات طبع عدد من فرق التنظيم الشعبي للقوى الثورية لجبهة التحرير- ايضاً- بدءاً من فرقة “النصر” ثم فرقة “سند والرسول” وبعد ذلك فرقة “النجدة”.. منذ بداية تكوين الفرقة في أغسطس 1966م.[c1]طبيعة الموقع[/c]“المحوى” كان عبارة عن مجموعة “عشش” وأكواخ خشبية متلاصقة تتلوى بداخلها أزقة ضيقة ومتداخلة تشبه المتاهة، فضلاً عن ان المنطقة كانت بعيدة عن طرق السيارات المعبدة المسفلتة، وكان يحدها جنوباً تلال من الرمل، اضافة الى حارة “ الإيمتي” وهذه تسمية انجليزية تعني “الخالي” وقد كانت خالية من السكان الا من بعض “المنبوذين” وتقع خلفها منطقة موحشة عبارة عن تجمع اشجار شبه برية شوكية هي اشجار “السيسبان” وكانت تشكل شبه غابة صغيرة موحشة عازلة تمتد حتى “ جولة سينما مستر حمود” التي كانت بها نقطة مراقبة عسكرية لجنود الاحتلال البريطاني.والى جانب ذلك فمنطقة “المحوى” لم يكن قد وصلها التيار الكهربائي، وبالطبع لم يكن بها اي خط هاتف.. وبذلك كانت منعزلة وموحشة، لاسيما في الليل.ولعل لهذه العوامل، الى جانب مؤازرة السكان فيها للثورة صارت منطقة “المحوى” موقعاً مثالياً يلتجىء اليه رجال حرب العصابات، وقد كانت فعلاً ملجأ لرجال فرقة النجدة، بل وكانت احد اهم القواعد والدعم اللوجستي.[c1]معارك في العشش[/c]كان جنود الاحتلال قد وصلتهم معلومات حول “المحوى” عن طريق مخبريهم، فشنوا عدة هجمات على المنطقة، لكن مداهماتهم تتحول دائماً الى مواجهة شرسة مع الفدائيين من “النجدة”، وخسائر في القوة البريطانية المهاجمة.اذكر منها الواقعة الاشهر.. عندما داهمت المنطقة قوة من “الكومندوز” البريطاني، في احدى الليالي، فكان ان تحولت مداهمتهم الى معركة حامية الوطيس مع رجال النجدة بقيادة المناضل الجسور/ علي محمد سعيد البيحاني “هارون” وقد كان نائباً لرئيس الفرقة الشهيد/ سالم يسلم الهارش “استشهد في معركة فك طريق تعز/ صنعاء في نقيل يسلح بتاريخ 12 ديسمبر 1967م اثناء حصار صنعاء.. فيما عرف بحرب السبعين.ومرة ثانية، وكانت الاكثر ضراوة، حدث ان قامت قوة بمركبات مدرعة “صلاح الدين” في محاولة لاعتقال/ علي محمد البيحاني- شخصياً- وكان ذلك في 10- 11 فبراير 1967م، ودارت معركة حقيقية قوية، هزمت فيها القوة البريطانية المداهمة.[c1]الحرائق[/c]وبعد كل تلك المحاولات الفاشلة، لجأ الانجليز بمعاونة بعض الخونة الى احراق منطقة “المحوى” بكاملها.. كان ذلك بعد خسارتهم الاخيرة الفادحة ليلة 10-11 فبراير 1967م بأيام قليلة.. وكانت قد بدأت عملية اضرام النار من منزل دعارة غربي “المحوى” يديره ما كان يسمى “أبو جعشة”.ولعلي اجد فرصة اخرى للحديث بالتفصيل عن واقعة حريق “المحوى”.
(الشيخ عثمان) .. مخبأ السلاح والقاعدة اللوجستية
أخبار متعلقة