المرأة و الصحافة
دبي / العربية-نت: استطاع فريق قناة "العربية" اثناء تغطيته للحرب اللبنانية، الدخول إلى مناطق خطرة تعرضت لقصف إسرائيلي شديد ، وتمكن من نقل معاناة اللبنانيين إلى المشاهد العربي، ولكن ما يخفى على متابعي شاشة العربية هي تلك المشاعر التي تنتاب هؤلاء المراسلين وهم يعدون تقاريرهم الصحفية تحت النيران الإسرائيلية.. الزميلة ريما مكتبي تحدثت عن هذا الجانب وكشفت عن ما كان ينتابها واللحظات العصيبة التي مرت بها وهي تتوجه إلى الجنوب اللبناني.وقالت ريما "لم يكن قرار الذهاب إلى الجنوب لتغطية الحرب على لبنان سهلا... كان فضولي يجذبني إلى أرض المعركة، ولكن قلق الأهل والأقارب خلق بداخلي صراعا قويا". وتابعت في تقرير نشرته في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية "في أيام الحرب الأولى كنت من بين الذين غطوا فظاعة القصف على الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعد ذلك رويت القصص الإنسانية المبكية من مراكز النازحين، وآثار العدوان الإسرائيلي على البيئة في لبنان، اجريت حوارات مع بعض السياسيين، ولكن كل ذلك كوم وجنوب لبنان الذي بقي أرضا لم أطأها في زمن الحرب هو كوم آخر".توجهت ريما في 3 أغسطس/آب إلى الجنوب، حيث امضت 12 يوما، لتعود في اليوم الثاني لوقف إطلاق النار. وتقول ريما "على الطريق إلى الجنوب راودتني اسئلة وأدعية عدة: هل سأموت هنا؟ يا رب لا تجعلني أتألم، إذا كنت سأقتل هنا على طرق الجنوب فليكن ذلك سريعا.... أفضل ان أموت على أن أصاب بإعاقة... وإذا ارتأيت يا رب لي إعاقة فلا بأس، ولكن أبق لي نظري وذهني".[c1]هواجس الموت[/c]الزميلة ريما كانت وعدت أمها أن تعود بسلام من الجنوب وأن "لا تحرق قلب" والدتها، وتقول "وجدت نفسي اتساءل كيف ستتحمل والدتي الأمر ان قتلت هنا... قبل المغادرة اوصتني أن اعود بسلامة وأن لا أحرق قلبها مرة أخرى، وعدتها بأن لا أجازف، ولكني تخطيت الوعد". وتابعت "ماذا أقول لامرأة أفنت عمرها لأجلي، ولكننا لا نختار لحظات الموت بكل حال... سأصلي وحسب!".وتمضي قائلة "وجدت نفسي اتساءل عن مصير من حولي، فماذا لو أصيب محمد خليل (مساعد المصور)؟. هو أب لخمسة اولاد، كيف أتسبب بيُتم عائلة، وأنا من تمنيت أبا... سأصلي له ولهيثم المصور الذي لا يزال في أول العشرينات من عمره ويعمل في قسم الأخبار للمرة الأولى". وأضافت "ذهبنا إلى بلدة معروب التي تبعد حوالي 15 كلم عن مدينة صور. مللت حصار إسرائيل ومنع التجول، وأردت أن أرافق خليل موسى ذلك الرجل الذي طمرت عائلته تحت الركام قبل أربعة ايام.... سمع أصوات استغاثتهم، نادوه لينقذهم من الموت، كذلك فريق الدفاع المدني الذي تفقد المكان في اليوم التالي.... لم يستطع أحد ان يجلب معدات الإنقاذ لأن إسرائيل فرضت منع تجول".مضت أربعة ايام وخليل موسى ينتظر على أحر من الجمر ريثما يجري الصليب الأحمر الدولي اتصالات مع جهات دولية للحصول على ضمانات من إسرائيل بعدم قصف الموكب. وما أن قرر الصليب الأحمر الدولي واللبناني والدفاع المدني اللبناني التحرك باتجاه بلدة معروب برفقة خليل موسى حتى كانت حوالي ست سيارات لصحافيين خلف الموكب. وتقول ريما "ثار جنون فريق عمل الصليب الأحمر.... قالوا: حصلنا على ضمانات بعدم قصفنا ولكن لم نحصل على ضمانات بعدم قصف الصحافيين، لا يمكنكم أن ترافقونا... لم يسأل الصحافيون بعضهم البعض فقط تبادلنا النظرات وقررنا ان لا ننصاع للأوامر".[c1]البحث عن معجزات في زمن الموت[/c]وتتحدث ريما عن مشاعرها أثناء عمليات البحث عن عائلة موسى "بقيت اتساءل هل سيجد خليل موسى عائلته؟ تخيلوا لو وجدنا امرأة وثلاثة أولاد على قيد الحياة بعد أن ظلوا ثلاثة أيام تحت الأنقاض، معجزة في زمن الموت". وتضيف "نكمل السير، وأنا أبدأ بالصلاة والتفكير. مرت ايام وليالي تسعة وعشرين عاما في ذهني خلال لحظات.... ثم ذكرت نفسي بالشجاعة وبقراري بان اعود سالمة إلى أهلي وأحبائي.... وصلنا إلى بلدة معروب، خلال أقل من نصف ساعة تقع قذائف إسرائيل على مسافة امتار قليلة.... هل نغادر؟ لا، تقول إحدى المسؤولات في الصليب الأحمر الدولي، سأبلغ فقط المركز الرئيسي... تبدأ الفرق بعملها... ويذهب فريق آخر من الصليب الأحمر والدفاع المدني لانتشال جثة رجل دين قتل قبل اكثر من عشرة ايام ولم يتمكن أحد من سحبه.... تحللت جثته والتهمتها الكلاب.... أزعجني هذا المشهد، لم أكشف على الجثة، فقط رأيتها ملفوفة.... فكرت كم أنه يمكن ان تكون هناك لا قيمة للإنسان... ولا حرمة للموت ولا للشهداء".وبعد نحو ساعة حضر فريق آخر للصليب الأحمر ناقلا حوالى 17 لبنانيا أرادوا الهرب من بلدة أرزون، لم تتمالك ريما نفسها "فأجهشت بالبكاء". ولم تكن هي وحدها التي تبكي، فثمة طفل في الرابعة من عمره يبكي أيضا لأن أمه تبكي، كان الطفل يقول "حرقت قلبي يا ماما، ليه عم تبكي؟". وتقول ريما "سألت نفسي كيف لطفل ان يحترق قلبه؟، لماذا على أبناء بلدي ان يستفيقوا على الحياة ناضجين يعرفون الحزن واللوعة والخوف". في هذه اللحظات تأتي شقيقة الطفل لتقبل الزميلة ريما على كل وجهها، وتعلق ريما "كانت تتابعني على التلفزيون ولكنها لم تتذكر اسمي، هي في السابعة من عمرها، كانت تقول: انا لم أخف من الصواريخ، أنا قوية".وتقول الزميلة ريما "خجلت من نفسي لأني كنت ضعيفة امام هذا المشهد، والدة هذين الطفلين انتظرت خمسة عشر عاما ليرزقها الله اياهما". وتقول الوالدة "انا لم اخف على نفسي.. ولكن ماذا افعل بطفلين؟ انتظرتهما خمسة عشر عاما، لن أسمح بأن يقتلا، لن احتمل ذلك".[c1]تهديدات بقصف موكب الصحفيين[/c]في طريق العودة إلى استراحة صور، كانت لحظات الخوف.... فبعد انطلاق الموكب، ترجل أحد عناصر الصليب الأحمر وخاطب سيارة لفريق صحافي أميركي ثم توجه إلى سيارة فريق العربية وطلب من الزميلة ريما ان تنضم إلى سيارة للصليب الأحمر لأن الموكب الصحافي سيقصفه الجيش الإسرائيلي، بحسب ما ابلغتهم به مصادر. رفضت ريما المغادرة، وتقول "كيف لي ان اترك فريق العمل، قدري من قدرهم... لم يكن امامنا سوى المناشدة عبر العربية بعدم قصف الموكب لأننا صحافيون نقوم بمهامنا".وتتابع "ما أن وصلنا إلى استراحة صور، الذي كان مركزا للصحافيين، حتى علمنا ان التهديدات لم تصل إلى الصليب الأحمر فقط وإنما ابلغ بها صحافيون أجانب وعرب، وأفادت أن إسرائيل ستقصف سيارة لصحافيين تجول في طرق الجنوب... ولكننا عدنا سالمين، وبعدها بساعات نسيت لحظات الخوف تلك، وعدت إلى العمل".[c1]المرأة والصحافة[/c]وتعلق ريما على تجربتها قائلة "كان مما فاجأني خلال التغطية هو ردة فعل بعض الصحافيين الرجال عندما وصلت إلى الجنوب. قالوا لي: ليس المكان لامرأة. قلت: لا أوافقكم الرأي، وتابعت العمل. آخرون، منهم أجانب، قالوا بأنهم يفاجأون بأن ترسل قناة عربية امرأة إلى الجبهة. يومها تأكدت أن المرأة ما زالت قضية في الشرق". وتضيف "النساء الأجنبيات كنٍِّ بعدد غير قليل ضمن فرق وسائل الإعلام، مصورات وتقنيات ومنتجات وصحافيات. ولكن المرأة العربية ما زالت قصة". وتتابع "لم أكترث لما قيل ويقال لأني لم اشعر ولا لحظة أني أقل شجاعة او مهنية أو حرفية من أي رجل.. وفي الحرب شعرت بإنسانيتي فقط. كثيرة روايات أيام الحرب الثلاثة والثلاثين، ولكني أكتفي بهذه اللمحات. لم تكن الحرب الأولى لي فمنذ ان تفتحت عيناي على هذه الدنيا تنشقت رائحة البارود والدماء، مثلي مثل السواد الأعظم من اللبنانيين. خسرت أحباء وأنا طفلة، وذقت طعم الخوف من القصف والموت مرارا، ولكنها المرة الأولى التي أنقل فيها الحرب إلى العالم كصحافــية... كــنت شاهــدة هذه المرة".