أضواء
في مستهل شهر شعبان نشرت «الرياض» خبراً جعلك تضع في آن واحد دمعة في عينيك وابتسامة على شفتيك.. فمأساة أسرة السعدي تكاد لا تماثلها مأساة أخرى خصوصاً ونحن أمام حقيقتين.. جماعية المرض تقريباً بإصابة ثلاثة من الأطفال، ثم تقرير الأطباء الأولي بأن الحالة متمكنة والمرض غريب ووراثي يعرف باسم «تحلل الجلد الفقاعي».. مرعب جداً مجرد التخيل لنفسية الأم أو الأب وهما يشاهدان في كل الزمن الباقي من حياة الأطفال كيف يذوب الجلد انقشاعاً كلما حرك الطفل ملابسه.. جميعنا متألمون معهم للغاية بل هم يقتربون بنا نفسياً إلى حالة رعب لم نكن نتصورها، وتتكاثر الصعوبة حين نعلم أن الأسرة فقيرة للغاية أحضرها الزميل العوفي من ممر مظلل إلى شقة مفروشة.. وسط هذا الهلع تجد أن هناك مبرراً لابتسامة رضا.. ابتسامة اطمئنان نفسي حين تلمس ذلك التكاثر من الناس العاديين.. غير الأغنياء يتدافعون للإعلان عن تبرعاتهم ودون حاجة إلى مزايدة فهم يقدمون الاسم الأول ورقم المبلغ دون أي تفاصيل أخرى.. وهذا التبسط في حد ذاته فضيلة، بل إن الزميل الذي كتب الخبر قال إن «الرياض» أوجدت لهم سكناً مؤقتاً والصحيح أن من فعل ذلك هو الزميل كاتب الخبر وليس الجريدة التي ستسدد لاحقاً ما دفع وتكافئه على ذلك.. توج ذلك التعاطف الإنساني الرائع من مجتمع فاضل ينكر الذات ويجسد المشاركة الإنسانية ما أمر به خادم الحرمين الشريفين من توفير رعاية شاملة لكل شيء يخص الأسرة فور علمه بالخبر.. وهكذا من قمة قدرات المجتمع يأتي رجل الدولة الأول.. الرجل الذي جعل بلاده تستحق لقب «مملكة الإنسانية» كي يؤكد أن التعاطف والرعاية والمساندة مسؤولية اجتماعية أكدها معه مواطنون وليس هناك أروع ولا أكبر دلالة في شمول التعاطف من أن يتوفر هذا الامتداد الإنساني الهائل.. بقيت لدي ملاحظة.. في جميع ما يمر علينا صحفياً من بعض حالات العجز الصحي أو الاجتماعي التي فيها كثير من الوهن والضعف ما يستدعي أن تكون جميع الفئات الاجتماعية قريبة من مصادر الشكوى ومن مجالات البر والرحمة بحثاً عن الثواب الجزل.. إلا أنني لم ألاحظ في الصحف نشر أي خبر ما عن مساهمة بعض الذين يكفّرون غيرهم ممن يكتب بأسلوب وفكر لا يفهمونه فيفسرونه بشكل خاطئ ثم يكفّرون كاتبه، علماً أن الإقدام على تكفير أي إنسان ينطق الشهادتين ليس بالأمر السهل.. هذه الملاحظة ربما لا تتوقف عند حدود المشاركات الإنسانية التي تعكس وجود شفافية روحية سعت جميع الأديان إلى مباركة تواجدها لأن فيها رمز توثيق التعامل الصاعد برؤية الإنسان بعيداً عن العدائية والاستباحات المحرمة.. هذا الجانب الجاف الذي يكفّر ولا يعطي غيره إحساناً هو في ثقافته ومدى مداركه الإنسانية والمعلوماتية يتزامل.. رغب أم رفض.. مع تكون جاف آخر لا يقر التكفير فقط ولكنه يتجاوز ذلك، خصوصاً وقد خرج معيشياً عن نطاق حياة الآخر، يتجاوز نحو إباحة استباحة الدماء وهو ما يتكرر فعلاً عبر العمليات الانتحارية التي يذهب ضحيتها أبرياء لا علاقة لهم بالعلم الراقي أو السياسة ولكنه تأكيد العزلة والفروق المخيفة في نوعيات المفاهيم..[c1]*عن / جريدة (الرياض ) السعودية[/c]