قصة قصيرة
في تلك الليلة لم ينم، لم يغمض له جفن، لقد أمضى الليل ساهراً مع كتبه يقلب صفحاتها وينتقل بعينيه بين سطورها دون أن يقرأ منها كلمة واحدة. كان قلقاً مهموماً، حائراً .. لقد مرت ثلاثة أسابيع على حفل تخرجه في الجامعة.كان يقف في صفوف المتفوقين حيث أراد له والده أن يكون منذ أن حصل على المنحة الدراسية قبل أربع سنوات. وترك الحفل مهرولاً إلى مكتب البريد ليزف الخبر السعيد ببرقية عاجلة إلى أسرته .. وجاءته التهاني من أمة ومن إخوته . أما هو .. أما والده فقد شاء أن يكافئه بصورة أخرى فأرسل إليه مبلغاً من المال. ولكن ما أن تسلم الأوراق المالية الكبيرة من أبيه حتى ألقى بها جانباً ..مال أي مال؟إن لديه ما يكفيه ويزيد .. إنه لا يريد مالاً، فالجامعة تتولى الإنفاق عليه، لقد كان طالباً متفوقاً دائماً حتى قبل أن يسافر في هذه المرحلة الطويلة التي حقق فيها بعض آمال والده.لم يكن هكذا حديثه معه وهو يجلس إليه ويحلم معه بالمستقبل الذي يريده له. كان الأب محامياً ناجحاً، وكان هو أكبر أبنائه، وكان يعده لأن يخلفه في مكتبه بعد أن يكمل دراساته العليا.كان الشاب يريد أن يسمع صوت أبيه .. يريد أن يكلمه كان يتمنى لو أنه استطاع أن يرى وجهه في تلك اللحظة. لقد بحث عنه بين مقاعد الضيوف الذين دعتهم الجامعة لحضور حفل التخرج .. كان يراه في كل أب جاء ليشد على يد أبنه مهنئاً ويأخذه بين ذراعيه. إنه لم يكتب له، ولم يبعث إليه برسالة ينقل إليه فيها مشاعره، بل اكتفى بإرسال هذا المبلغ الكبير من المال، وكأنه يدفع له أجره عن عمل كلفه به ..