صبـاح الخـير
كانت الصدمة عنيفة وأنا استمع إلى نبأ استشهاد الإعلامية الشابة أطوار بهجت، لم تمهلها رصاصات الغدر حتى تكمل عقودها الثلاثة.. ولا حتى من تحقيق "عراقها المستقل"..أطوار بهجت تلك المذيعة الجسورة التي لم تقل "لا" أبداً وهي تخوض مع رفاقها الإعلاميين غمار التسابق الخبري في لجة المعارك التي قدر للعراق الأبي أن يقاسي مرارتها تحت وطأة الاحتلال الأمريكي والعالم يتفرج صامتاً، صمت تماثيل بوذا التي حطمت فوجدت من يكشر عنها أنيابه ويهدد ويتوعد.. وقامت الدنيا ولم تقعد حينها.أطوار بهجت حاملة الرسالة الإنسانية كانت وأدتها باقتدار، رغم ما قيل عنها ورغم ما ألصقت بها من أكاذيب مست عرضها وشرفها.أطوار بهجت لم تمنعها قذائف الاحتلال ولا اللغم الذي انفجر تحت حافلة جنود محتلين لأرضها من رصد الحادث لحظة وقوعه فتسبب في اعتقالها والتحقيق معها، وذلك عام 2003م حين كانت مراسلة قناة "الجزيرة" الفضائية.. ولم تستكن ولم تخف حملت رسالتها بفكرها وقلبها، وكانت تدرك جيداً انها جندية لا تقل مكانة عن الجندي المقاتل في ساحة المعركة.. وحملت روحها على كفها.أطوار بهجت عشقت العراق وكانت تذرف الدمع وهي تشاهد مآسي وطنها المسلوب وشعبها المذل وتاريخ أمة يداس تحت أقدام أحفاد رعاة البقر الذين لا يعرفون غير السلاح وسيلة لتحقيق الديمقراطية التي قلبوا العالم من أجلها.. وهكذا كانت ديمقراطيتهم العوجاء والعمياء.. ولكنها كانت تتحاشى، بقدر المستطاع، إظهار ما يجيش في صدرها من صرخات.. لأنها كانت تحمل رسالة إعلامية حيادية تنقل الواقع كما هو للمتلقي الذي يترك له الحكم في الأول والأخير.أطوار بهجت ليست الأخيرة من الإعلاميات المقدامات إذ سبقتها "شيرين أبو عاقلة" حين اصيبت في قدمها وهي في موقع الحدث وسط الهمجية الإسرائيلية، ثم تلتها "مي شدياق" التي كانت تجري حوارات سياسية نهاراً ضمن برنامج نهارك سعيد من القناة اللبنانية ( الفضائيةLBC) ونشرة الأخبار مساءً.. وبسبب مواقفها الجريئة استهدفت وحاولوا تكميمها وإلغائها من الحياة.تحية للمرأة الإعلامية العربية التي خرجت من شرنقة الإعلام الذكوري لتؤكد للملأ أنها أيضاً تختزن الملكات الإبداعية في مهنة البحث عن المتاعب وأنها أيضاً لا تقل اهتماماً بقضية وطنها وشعبها وبشرف الرسالة الإعلامية.