إعداد / مروان الجنزير“اللهم إني عرفتك على مبلغ إمكاني .. فاغفر لي فإنّ معرفتي إياك وسيلتي إليك”[c1](عمر إبراهيم الخيام)[/c]زخرت الحضارة الاسلامية بكم كبير من الشعراء والادباء من غير العرب، وحظوا بشهرة عالمية وشهد لهم القاصي والداني لما قدموه من ابداع اثرى الثقافة والادب الانساني.والشاعر عمر الخيام احد هؤلاء الشعراء الذين خرجوا من باطن الثقافة الاسلامية وهو من خراسان في بلاد فارس، ارض الاكاسرة والحضارة الضاربة في اعماق التاريخ ويبلغ امدها خمسة آلاف عام تقريبا.ولد عمر ابراهيم الخيام في بلاد فارس بمدينة (نيسابور) سنة 1050م تقريبا، وكان مولده في عهد قوة الدولة السلجوقية التي قامت في فارس.[c1]ما قيل عن عمر الخيام[/c]قيل عنه في بعض المراجع انه امام خراسان، وعلامة الزمان وهذا ما جعل الحركات الصوفية تنقل اشعاره الى طرائقهم، وتحاضروا بها في مجالسهم وخلواتهم.وقد وصفه ابن الاثير في كتابه (الكامل في التاريخ) الذي الفه سنة 628هـ وفي احد المواقف ذكر “ان السلطان شاه جمع عددا من اعيان المنجمين حيث وضع النيروز – وهو نوع من التقويم يعرف عند حلول الشمس في فلك معين – وكان ضمن المنجمين عمر الخيام الذي خرج بالكثير من المال بعد ان انشأ مرصدا فلكيا.هكذا كان عمر الخيام شاعرا وعالما في النجوم والحركات الفلكية، كما كان سياسيا بارعا من الدرجة الاولى حيث قضى معظم حياته في العمل بهذه المساقات الثلاثة.ففي السياسة استطاع شاعرنا النفوذ الى نفوس السلاطين حيث عين وزيرا في عهد الملك الطوسي في عاصمة خراسان (نيسابور).[c1]الخيام والسلاجقة [/c]ارتبطت حياة الخيام بالملوك السلاجقة في فارس وهم في الاصل من الاتراك الغزازنة الذين راحوا يغزن المدن تلو المدن حتى وصلوا الى عاصمة خراسان فاحتلوها سنة 1038م ولم يكتف ملكهم (ارطغرول) بذلك بل قام بارسال خطاب للخليفة العباسي القائم بأمر الله ببغداد يؤمنه على حياته فدخلها ارطغرول ظافرا سنة 1055م واصبح ملك الشرق والغرب حيث انتعشت الحضارة الاسلامية في بلاد فارس تحت الخلافة التركية وامتدت لتصل حدود الصين شرقا وحتى شاطئ البحر الابيض المتوسط غربا.في هذا العصر الذهبي نما شاعرنا وعاش في (نيسابور) وسافر منها الى اكثر بلدان العالم المتمدنة حيث حج البيت الحرام بمكة واقام في (مرو)، وزار بلخ وبخارى ونزل في اصفهان، الا انه لم يستقر في أي منها بقدر ما عاش في (نيسابور) يصول ويجول بين اوساط العلماء فقد درس الخيام العلوم الإلهية والفلسفية والمنطق وعلوم الطبيعة وراح ينتقل من جامعة الى جامعة اسلامية في ذلك العهد.[c1]حياته واشعاره[/c]كان عمر الخيام شاعرا مجيدا وقد اشتهرت من اشعاره (الرباعيات) (رباعيات الخيام) التي تضمنت خمرياته ورؤيته الصوفية معاً حيث وصف الخمر بانها تسمو بروحه حتى تصبح في نجوة من الجسد، ولم يقتصر وصفه لها على اثرها وانما وصف طعمها المر ولونها الصافي كما جاء في مقدمة كتاب احمد رامي الذي ترجم الرباعيات الى العربية حيث يرد في المقدمة ان الخيام قال في وصفها :[c1]سمعت في حلمي صوتا أهابما فتق النوم كمام الشبابافق فان النوم صنو الردى وأشرب فمثواك فراش التراب[/c]عاش الخيام متأملا ما آلت اليه اوضاع البشر في ذلك الوقت، فمن ملوك ينالون الحظوة وهم جهلاء وبين ادعياء الزهد والصلاح يجهرون بالتقوى وهم اخبث الناس طوية.فمن هذا كله اخلص الخيام وترك حياة الترف وراح ينظر الى العالم فخرج بعدد من الرباعيات هي رباعيات الخيام التي اشتهرت كأهم عمل ادبي في عصره.[c1]الخيام في رباعياته[/c]عرف شاعرنا بانشاء رباعياته لاصحابه في مجالس الملوك وجلسات السهر فتحفظ عن ظهر قلب دون ان يعرف ان ابيات شعره ستنتشر ذات يوم على صفحات كتاب عرف فيما بعد بـ(الرباعيات).[c1]عمليات البحث[/c]ظلت رباعيات الخيام غائبة في بطون الكتب الى ان تمكن استاذ في جامعة (اكسفورد) بالمانيا بالتوصل الى احدى النسخ الخطية الواصلة بذلك العهد وقام بنشرها مع نبذة من حياة الخيام وذلك في مجلة (كلكتا) سنة 1858م بعدها عرض (فتزجرالد) خمسا وسبعين رباعية وترجمها الى الانجليزية في العام 1859م.وفي العام 1867م قام مترجم السفارة الفرنسية في فارس (ايران حاليا) بترجمة بعض الرباعيات الى الفرنسية وحوت الترجمة اكثر من اربعمائة واربعة وستين رباعية.وهكذا بدأت رباعيات الخيام ترى النور وانتشرت بشكل واسع ولقيت شهرة واسعة حتى انه تأسس ناد باسم الخيام في لندن سنة 1892م، وفي العام 1930م تم اكتشاف اول مخطوط مصور للرباعيات التي نعرفها الآن وذلك بخط احد سكان مدينة (مشهد) سنة 911هـ .. حيث يشير معظم الباحثين الى نسخة (ابو دليان) بانها اقدم المجموعات عهدا والتي كتبت بعد وفاة الخيام بـ 350 سنة.وهكذا بدأت الدراسات لهذه الرباعيات من قبل الكثير من الادباء امثال المستشرق الروسي (زوكفسكي) والدانمركي (كريستنست).[c1]الترجمة الى العربية[/c]يعود الفضل الكبير في ترجمة نصوص (الرباعيات) من الانجليزية الى العربية الى الشاعر المصري احمد رامي حيث درس في باريس سنة 1923م وهناك اطلع على رباعيات الخيام وكرس جهده في تجميع الرباعيات فدرس اللغة الفارسية بمدرسة اللغات الشرقية ثم قام بالتنقل بين باريس والمانيا للاطلاع على النسخ الخطية والصور حتى تمكن من اصدار الطبعة الاولى سنة 1924م واخرجت الطبعة الثانية سنة 1931م.يعتبر احمد رامي الشاعر العربي الاول الذي قام بترجمة الرباعيات مع مراعاة الاوزان العربية للشعر في عملية التعريب حيث ان جميع الترجمات التي نشرت قبله بالعربية كانت خالية من الاوزان الشعرية وطغى عليها الطابع النثري.فمن الابيات الموزونة التي جاءت في الرباعيات كالبيت الشعري القائل :[c1]سمعت صوتا هاتفا في السحرنادى من الحان : غفات البشرهبوا املأوا كاس الطلى قبل انتفعم كأس العمر كف القدر[/c]
|
ثقافة
عمر إبراهيم الخيام .. حياته ورباعياته
أخبار متعلقة