جاءت زيارة الرئيس بوش في الوقت الضائع في العام الأخير من ولايته. مع تصاعد الاحتقان في أكثر من منطقة في الشرق الأوسط الكبير الممتد من باكستان في أقصى الشرق الى المغرب في أقصى الغرب. ليشهد على نتاج سياسته خلال الأعوام السبعة الماضية. مع تخوف مشروع لدى دول وقادة وشعوب المنطقة من تداعيات سياسته في عامه الأخير على المحورين اللذين قسمتهما ادارته بين معتدلين وهم الذين زارهم ومتشددين وهم الذين انتقدهم وتوعدهم من عواصم دول الاعتدال لإحداث المزيد من الفرز.من باكستان النووية في وضع الدولة المنشطرة عقب مقتل بوتو التي شجعتها الإدارة الأمريكية على العودة. طالبان في أفغانستان عادوا بصحوة ليهددوا وجود أمريكا وحلفائها في الناتو. ووزير الدفاع الأمريكي غيتس انتقد قوات الناتو بأنهم لا يحسنون قتال المتمردين مما أغضب دول الناتو والأمين العام. حرض بوش واطلق تصريحات نارية عن خطر وتهديد إيران “للأمن العالمي” وطالب حلفاءه في كل مكان باحتواء ايران “ أكبر دولة تدعم الإرهاب” قبل فوات الأوان. العراق بالرغم من قانون المساءلة والعدالة لا يزال في وضع الدولة الفاقدة للوزن مع انتظار القوى المناوئة لمرحلة سحب 30000 جندي أمريكي في يوليو القادم. في فلسطين التي تستبيحها اسرائيل صباح مساء مرتكبة مجازرها واغتيالاتها للقيادات في حماس والجهاد وتغلق المعابر في ممارسة سادية للعقاب الجماعي. ضاربة عرض الحائط بمناشدات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان دون مناشدة او تعليق بعد ان يئسنا منذ زمن طويل من الانتقاد من سيد البيت الأبيض وادارته. الى لبنان الغارق بالترقب والذي يلفه الشلل والمخاوف من انزلاق الوضع نحو الهاوية بعد شهرين من حكم الفراغ ولبنان بلا رئيس. خصوم أمريكا وصفوا الزيارة بالفاشلة وحملة علاقات عامة.أتى بوش وغادر والمنطقة على حالها من ترقب وتخوف وتصدع. ولكن هل ذلك التقييم دقيق ويعكس نتائج الزيارة. كان للزيارة أربعة أهداف اختلط المعلن منها بالخفي من سلام الشرق الأوسط المتعثر وتمتين العلاقة مع حلفاء واصدقاء لما بعد عهد الرئاسة واحتواء وتضييق الطوق على ايران والعودة للحديث عن أهمية الديمقراطية واحياء ما يعرف بأجندة الحريات.تفاؤل بوش في غير موضعه بعد نتائج أنابوليس وسعيه لتحويل رؤيته للدولة الفلسطينية إلى واقع خلال عام. وهو ما يثير شكوك الجميع ودفع بعض الساسة من حزب الرئيس بوش إلى الضحك على ذمة الفايننشال تايمز نقلا عن احد المساعدين بالكونغرس عن الحزب الجمهوري. يدفعنا كل ذلك لنتساءل كيف يمكن ان نرى دولة فلسطينية خلال عام! ونحن نرى نتاج العربدة والمجازر الإسرائيلية كل يوم. نجح بوش في إقناع الشعوب والحكومات في المنطقة بأن رؤيته للدولة الفلسطينية ستبقى سرابا.الهدف الثاني من الزيارة كان لاستثمار العلاقات الشخصية مع القادة ورجال الأعمال لحقبة ما بعد تركه البيت الأبيض. مع أصدقاء في المنطقة لتوظيف هذه الصداقات والعلاقات الشخصية في عالم الأعمال والصفقات والمحاضرات المدفوعة الثمن في المستقبل.الهدف الثالث، كان للدفع لعزل وحصار إيران. لقد ضخم الرئيس بوش الخطر الإيراني لمضيفيه وشعوبهم عندما أعلن بثقة كبيرة أن “إيران هي الدولة الأولى راعية الإرهاب في العالم وتشكل تهديدا للأمن العالمي وعلينا مواجهة هذا التهديد قبل فوات الأوان”. الرد الخليجي جاء من مسؤولين خليجيين. الأمير سعود الفيصل الذي رفض “ الاستفزازات”. وكانت زيارة وزير الخارجية الكويتي الدكتور محمد الصباح لإيران لافتة في توقيتها بوجود الرئيس بوش بالمنطقة ومطالبته بتشديد الطوق ومحاصرة ايران قبل فوات الأوان. وكأنها رسالة مباشرة في معانيها وأبعادها وتصريحاتها الواضحة من الطرفين. بتأكيد وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح “أننا لسنا سعاة بريد” وتأكيده على قوة العلاقة مع إيران. ووصف وزير الخارجية الإيراني العلاقة مع الكويت”بالجيدة والراسخة”. في الظاهر لم ينجح بوش في شيطنة إيران وزيادة شعورنا بالقلق منها. ولم نكن بحاجة لزيارة بوش ولا لتحذيراته لتأكيد هواجسنا من إيران ولكننا نؤكد على رفض العمل العسكري في حل ملف إيران النووي.كان الهدف الرابع من الزيارة لإحياء ما يعرف «Freedom Agenda» أجندة الحريات التي تراجعت خلال العامين الماضيين بسبب وصول خصوم أمريكا من الإسلاميين السنة والشيعة عبر صناديق الاقتراع للسلطة أو في قيادة المعارضة في فلسطين والعراق ولبنان ومصر. لذلك لم يكن مقنعا خطاب بوش عن الديمقراطية ولقائه بالناشطات الكويتيات المنتقبات لأن أمريكا عادت لتفضل الشرق الأوسط القديم على الجديد. هل نجحت زيارة الرئيس بوش؟ النتائج التي لدينا اليوم تؤكد فشل الزيارة في حل أو حلحلة أي من الأزمات. لا بل يخشى أن الزيارة أبقت الأزمات على حالها إن لم تزدها سواء خلال العام القادم![c1]* عن /صحيفة (الشرق) القطرية [/c]
عندما يحصد بوش ما زرعه!
أخبار متعلقة