عمر السبع :يُعاني اليمن صعوبات جمّة في عملية جمع وتصريف المخلفات الصلبة، وهي من القضايا الآنية التي لا يمكن السكوت عنها، لعَلاقتها المباشرة بصحة الإنسان وبتحسين مستوى عيشه، فعمليات جمع وتصريف المخلفات هدفها النظافة وصحة المجتمع، وهي بوابة رئيسة للتطور والرقي وتحقيق التنمية الشاملة والتنمية المستدامة، فلم تُعد النفايات والمخلفات الصلبة عقبة كأداء للمجتمعات المتطورة، بل أصبحت مصدراً مهماً يُضاف إلى المصادر الأخرى التي تعزز الدخل القومي والدخل المحلي، لتطور عمليات الجمع والتصريف كاستنباط الطاقة من هذه النفايات والمخلفات، أو إعادة تدويرها والاستفادة منها في مجالات الزراعة والصناعة.إنّ عمليات جمع القمامة والمخلفات الصلبة في اليمن بدأت تأخذ شكلاً متطوراً من خلال تغيير أساليب الجمع وفقاً لظروف كل منطقة، ففي محافظة عدن تمّ تجرِبة إلغاء براميل القمامة في بعض المديريات ونقل القمامة مباشرة من المنازل وفي أوقات محددة، كما تمّ تكثيف نقل القمامات وتنظيف الشوارع بشكل يومي، ومع هذا فإنّ المخلفات الصلبة مازالت تؤرق صحة البيئة لعدم تجاوب المواطنين لإرشادات البلدية من ناحية ولعدم تنفيذ القوانين الرادعة من ناحية أخرى.ورغم وجود إستراتيجية وطنية لإدارة المخلفات في اليمن، ورغم تحديد هذه الإستراتيجية إحدى عشر مصدراً للمخلفات الخطرة وهي : المخلفات الصناعية، الزيوت، المخلفات الصحية، مخلفات بقايا مبيدات زراعية أو تالفة الصلاحية، ومخلفات البطاريات المنتهية الصلاحية، مخلفات معامل التصوير الفوتوغرافي، مخلفات أغذية تالفة ومنتهية الصلاحية، مخلفات حيوية، مخلفات صيدلانية، مخلفات منزلية، ومخلفات صرف صحي وصناعي.. إلا أنّه لا يوجد تعامل آمن مع كافة أنواع هذه المخلفات، بل ولا توجد رقابة عليها، ناهيك عن عدم وجود رصد دقيق لهذه المخلفات الخطرة .. لا من قبل الهيئات والشركات المعنية مباشرة، ولا من قبل المؤسسات الحكومية كل في مجال اهتمامها، ولا من قبل الجامعات المحلية، وكل المؤشرات عن كمية المخلفات الصلبة في اليمن لا تزيد عن كونها مؤشرات تقديرية لا ترصد ما هو على الواقع بل هي مستوحاة أصلاً من مؤشرات تقديرية عالمية وعربية وإقليمية.فلو أخذنا ظاهرة انتشار المخلفات البلاستيكية، كأحد أهم المشكلات المتعلقة بالمخلفات الصناعية والتي تشكل أحد أهم المخاطر البيئية في البلاد والذي صدر بها قرار مجلس الوزراء رقم (46) لعام 1998م، بأن يكون الحد الأدنى لسمك الأكياس البلاستيكية هو (60 ميكرون) والمستورد من خارج اليمن بـ (70 ميكرون)، لوجدنا أنّ الأكياس البلاستيكية، المستخدمة بكثرة في عموم الوطن، هي الأكياس البلاستيكية المصنَّعة والمستوردّة، التي سماكتها تتراوح ما بين (10 – 15 ميكرون)، وهذا مخالف لقرار مجلس الوزراء وكل الجهات الحكومية المعنية لا تتعاون بتنفيذ القرار، كما أنّ الأكياس المستوردة المخالفة للمقاييس تدخل إلى الوطن بكل يُسر .. فلا وزارة الصناعة ولا هيئة حماية البيئة ولا الاتحاد العام والمصنِّعين المحليين للأكياس والمشمعات ولا الجهات الحكومية الأخرى عملت حلولاً عملية استنداً لقرار مجلس الوزراء الآنف الذكر.ورغم حساسيتي من المؤشرات الرقمية لأية مشكلة بيئية عن اليمن، فلا بأس أنْ أذكر إنّ ما يستهلكه المجتمع اليمني من الأكياس البلاستيكية يقدر بستين ألف طن سنوياً، وهذا رقم كبير يومي بحجم المشكلة البيئية في الساحة اليمنية.والأكياس البلاستيكية بل وكل المواد البلاستيكية بكافة أنواعها وأشكالها تشكل ضرراً كبيراً على البيئة لاحتوائها على مادة البولي ايلين غير القابلة للتحلل والتجزئة في طبقات الأرض والتربة، بل تبقى مئات السنين قبل أن يصيبها جزءاً من التحلل، فكم من الأحياء البحرية تنفق بسبب هذه الأكياس، فما بالك بأضرار التربة الزراعية، وتطاير الأكياس في كل مكان مأهول بالسكان.إنّ الإستراتيجية الوطنية لإدارة المخلفات في اليمن تعرف الإدارة الكاملة بأنّها التعامل فنياً وإدارياً مع المخلفات خلال دورة حياتها الكاملة من المهد إلى اللحد مع مراعاة الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتخطيطية والتشريعية والمؤسسية.. وأن يكون التعامل آمناً مع مختلف حركتها عبر الحدود، إذ وقعت اليمن في يونيو 1992م مع مائة وستة عشرة حكومة، مُضاف إليها المجموعة الأوروبية على اتفاقية بازل الدولية في سويسرا بشأن التحكم في النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود لحماية البيئة وصحة الإنسان بسبب التلوث الخطير الذي تشهده البيئة العالمية بفعل المخلفات الخطرة.والجدير بالملاحظة هنا أنْ صدر قرار جمهوري بالانضمام إلى الاتفاقية في 3 ديسمبر 1995م واليمن – في حقيقة الأمر – تواكب المتغيرات العالمية وتُسارع في التوقيع على كثيرٍ من الاتفاقيات الدولية في مجال صحة وسلامة البيئة العالمية، وهي بهذا الأمر تبدو أكثر حضارة ووعياً وإدراكاً فيما يجري على المستوى الدولي من بروتوكولات واتفاقيات وندوات وإجراءات من شأنها الحد من التلوث والإضرار بالبيئة، لكنها على المستوى المحلي تجد صعوبة في فرض كثير من قوانين التوازن البيئي والصحة البيئية وتنفيذها، وكأنّ القوانين سُنَّت لتبقى على الورق.فمتى يتم الخروج من هذا المأزق، لنخطو الخطوة الأخرى في البحث عن أساليب جديدة تتناسب ومعطيات العصر واستحداثاته للتعامل مع المخلفات الصلبة وتدويرها والاستفادة منها بدلاً عن طمرها ودفنها تحت الثرى دون جدوى.
|
ابوواب
المخلفات الصلبة في اليمن وإجراءات تصريفها!
أخبار متعلقة