آخر ما يتوقعه سكان دبي أن يترك "شيخ" الرياض ليأتيهم محذراً من "الغلو في التكفير"، وكأن أهلها بلغوا التكفير، فجاءهم ناصحاً من الغلو فيه. هالني عنوان محاضرة لشيخ سعودي يزور دبي، اختار - أو اختير له - جامع يقع في منطقة الجميرا، المصنفة كأرقى أحياء المدينة، وسكانها خليط من مواطنين وعرب وغربيين. وهذه دبي، قد تعرف أشياء كثيرة محرمة، لكن ما لا يعرفه الشيخ المحاضر أن التكفير لم يصل دبي بعد. والتكفير ومصدره ومنابعه، معلوم مكانه الجغرافي ومن يروّج له ومن يتبناه، ولا أظن ذلك بجاهل على الشيخ المهذب، الذي أخطأ العنوان بلا شك. وما يبدو أنه تناهى إلى مسامع الشيخ المهذب أن التكفير "يتشمس" على شاطئ الجميرا، وأن فتاوى "أبو محمد المقدسي" وكتيبات "سيد قطب" احتلت أكشاك "الإمارات مول"، فجاء فارضاً عباءته محذراً. لا أنكر أن العنوان والمكان دفعاني لأغادر العمل مبكراً وأكون بين الحضور. ثنيت ركبتي عند الشيخ ونهلت من معينه. وجدته متحمساً ويحاضر في قوم ليسوا قومه. لا يعون ما يقول، وعقولهم شاردة من هول ما يسمعون. ثلاثمائة طالب علم تربعوا تحت طاولته في قلب المسجد، وأنصتوا جيداً - أو هكذا بدا لي. حدثهم الشيخ "في ليلة خميس في دبي" عن التكفير، بعد أن أمضى ساعتين في الحديث عن "الأصول من علم الأصول". واحد بين الحضور تكفل بالسجال آخر المحاضرة. حاول أن يطيل النقاش مع الشيخ، الذي بدا أنه لم يحتمل سجاله، فاختتم المحاضرة مودعاً، ليلتف مقبِّلو الرأس، حتى اختفى في الزحام. كنت منصتاً إلى الشيخ طوال المحاضرة، التي لم يبتسم خلالها قط (طبيعي، فالمقام هنا لا يحتمل المزاح: تكفير وتكفيريون، بل وغلو فيه). لكن الشيخ ابتدأ حديثه بما ليس له علاقة بالعنوان. حدثنا عن ظهور المشائخ تلفزيونياً، واصفاً ذلك بالعلم الذي لا ينفع، كما لم يغفل اللمز من قناة الشيخ سلمان العودة، حينما قال "من يشيعون فقه الواقع". كارثة الشيخ التحريضية بحق دبي وأهلها من المواطنين الحضور، عندما تساءل: "كيف ننشغل بعلوم أخرى ونغفل علم التوحيد؟"، فالشيخ المهذب، الذي تكبد عناء السفر، لم يكتف بالتحذير من التكفير - عفواً، الغلو فيه - بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فهو يريد منهم، وهم الذين نجحوا في بناء مدينة عصرية، اقتصادية، تنموية، ينظر لها بعض العرب بعينين تحملان كل معاني الحسد، يريدهم أن يتجنبوا كل العلوم الدراسية، والالتحاق بالجامعات والمعاهد الدينية. كان على الذين دعوا الشيخ إلى دبي، أو الآخرين الذين سمحوا له بهذه المحاضرة، أن يتجولوا به في مناحي الإمارة، عله ينتقي عنواناً آخر لمحاضرته، أو يحسن اختيار الجغرافيا، ليبث فيها تحريضه ضد العلوم الدراسية غير الدينية. من قراءة الإعلان، مروراً بالحضور، وصولاً إلى كتابة هذا الهذر من الكلام، وأنا أتساءل كيف لدبي أن تستقبل هكذا محاضرة؟ ألم تجد موضوعاً آخر للشيخ ليحدث أهل الجميرا عنه؟[c1]* صحفي سعودي[/c]
|
فكر
التكفيريون وصلوا دبي
أخبار متعلقة