قراءة تحليلية لمسار العمل السكاني في اليمن .. نجاحات وإخفاقات (2-3)
بدر الغشمنواصل في هذه الحلقة ما بدأنا في الحلقة السابقة من قراءتنا التحليلية لمسار العمل السكاني في اليمن نجاحات وإخفاقات حيث سنتناول فيها قراءة تحليلية سريعة لأداء الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان ووزارة الإعلام باعتبارهما ركنين رئيسيين في العمل السكاني في بلادنا والى التفاصيل :- [c1]الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان[/c]تعد الامانة العامة للمجلس الوطني للسكان احد تكوينات هذا التحالف والتكتل السكاني المعني بقضايا السكان وقدمت وتقدم الكثير من العمل السكاني من خلال رسم السياسات السكانية وإعداد الخطط والبرامج والاستراتيجيات لإقرارها من قبل أعضاء التحالف السكاني .. حيث تعد الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان الدينامو المحرك والمنسق للعمل السكاني واهم التكوينات في إطار هذا التكتل وفقاً لما القى على عاتقها من مهام العمل السكاني. ولو نظرنا نظرة فاحصة إلى ميدان العمل السكاني والعمل التوعوي في إطار مواجهة المشاكل السكانية والتصدي لها لوجدنا أن الأمانة العامة للمجلس تتصدر قائمة هذا التحالف السكاني الكبير في تحمل أعباء المشاكل وكأنها الجهة الوحيدة المعنية بقضايا السكان وتتحمل بمفردها مسئولية التصدي لكافة المشاكل السكانية التي تواجهها البلاد والذي يدفعنا إلى هذا القول هو أننا نرى اغلب تكتل الجهات الأعضاء في إطار تحالف المجلس الوطني للسكان لا تعير العمل السكاني وتحدياته المستقبلية الاهتمام المطلوب بقدر ما تنظر إليه من باب إسقاط الواجب ليس إلا وإنها - أي الجهات الأعضاء - قد أوكلت هذه المهمة للأمانة العامة للمجلس باعتبار القضية السكانية مهمة سهلة - من وجهة نظر هذه الجهات - وليس كارثة بحجم الوطن تستدعي تكاتف وتعاون وتضافر الجميع. وما نشاهده من أعمال تتعلق بالسكان تنفذها هذه الجهة أو تلك بين الحين والأخر ماهي إلا أعمال لذر الرماد على العيون بأن هذه الجهات تولي المشاكل السكانية اهتماماتها في محاولة للحفاظ على ماء الوجه أما الحكومة التي رصدت موازنات مالية للعمل السكاني في إطار موازنات الجهات الأعضاء في هذا التحالف السكاني هذا من جهة ومن جهة أخرى للحفاظ على المعونات والمنح المالية الخارجية التي تقدم للعمل السكاني من قبل المانحين. لذلك نرى العمل السكاني مشتتاً هنا وهناك وغير موحد الخطاب ولا يلبي ما تسعى إلى تحقيقه السياسة السكانية نتيجة غياب التنسيق بين هذه الجهات وان وجد هذا التنسيق فهو في حدوده الدنيا وبالتالي نحتاج إلى عشرات السنين لنتمكن من السيطرة على الانفجار السكاني الهائل والتصدي لكافة المشاكل السكانية ومترتباتها. وبالعودة إلى الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان وما تقوم به في هذا الإطار فإنها تقوم بإعداد الاستراتيجيات والسياسات والخطط والبرامج والأنشطة التوعوية إلا أنها لن تتمكن من تحقيق ما تهدف إليه نتيجة عدم التعاون وغياب التنسيق بين هذه الجهات .. لذا نرى الأمانة العامة للمجلس تقوم بتنفيذ العديد من المشاريع والأنشطة والفعاليات التوعوية مستفيد بقدر موازنتها المتواضعة وما يقدم من دعم من قبل المانحين. فالجهود التي تقوم بها جهود جليلة تخدم العمل السكاني وفقاً لما هو متاح رغم جوانب الإخفاق والقصور التي ترافق بعض أعمالها وأنشطتها.. ومن جوانب الإخفاق والقصور عدم تمكنها نتيجة ضعف التنسيق بين تكتل أعضاء المجلس - من تحقيق نتائج كبيرة وسريعة في مجال العمل التوعوي السكاني تصل إلى اكبر شريحة في المجتمع فهي تركز فعالياتها وأنشطتها على إقامة الورش والندوات والفعاليات وإصدار البروشورات التوعوية وغيرها. ومقصرة جداً في إعداد المسوحات الميدانية السكانية واستهداف الجماهير في التجمعات السكانية في الأسواق والحدائق العامة وحينها التوعية في مدن وعواصم المحافظات ومراكز المديريات في الأرياف بالإضافة إلى أنها لم تستهدف المدارس بشكل أساسي وبخاصة المدارس الثانوية للبنين والبنات خلال طوابير الصباح ببرامج التوعية السكانية فيما يتعلق بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والأمومة الآمنة والأمراض المنقولة جنسياً وأهمها الايدز باعتبار شريحة الطلاب اكبر شرائح المجتمع والقادرة على استيعاب مفردات الرسائل السكانية وعكسها في أوساط مجتمعاتهم ورغم إدراكنا أن الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان تولي شريحة الطلاب اهتماماً كبيراً في أجندة أعمالها وقد نفذت العديد من الأنشطة والفعاليات التوعوية فيها .. إلا إن ما قامت به في هذا الإطار وبخاصة في مناهج التعليم ليس بالقدر الكافي ولا يتوافق مع حجم وفداحة المشاكل السكانية.ويمكن القول وبمصداقية إن الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان قد نجحت في تحقيق نتائج ايجابية في مضمار العمل السكاني والعمل التوعوي، وينتظر منها تحقيق المزيد من النجاحات وهي قادرة على ذلك إلاَّ أن ما يعاب عليها هو أنها لم تتمكن من التعريف بالمجلس الوطني للسكان رغم مرور أكثر من عقد ونصف على تأسيسها، ونحن على يقين تام بأن أغلب شرائح المجتمع اليمني لا تعرف ما هو المجلس الوطني للسكان وأين يقع ومما يتكون وما هي أعماله أو أنها لم تسمع به، وإن سمعت فسرعان ما تربطه فوراً بالتعداد السكاني الأمر الذي يجعل من المجلس الوطني للسكان في أذهان وأنظار الكثير من شرائح المجتمع يبدو وكأنه تابع وملحق بالجهاز المركزي للإحصاء يقوم بعمل التعداد السكاني فقط وليس كياناً مستقلاً بذاته.[c1]أجهزة الإعلام والتنمية السكانية[/c]وزارة الإعلام: وزارة الإعلام: وزارة الإعلام هي الأخرى تعد من أهم الجهات الأعضاء في تحالف المجلس الوطني للسكان نظراً لما تتمتع به الأجهزة التابعة لها ( من قنوات قضائية وإذاعات وصحافة) من علاقة وارتباط بالجماهير وما تشكله وسائل الإعلام من تأثير في المتلقين في أوساط الجماهير، ولكن وكما هو الحال مع الجهات الأعضاء الأخرى ونتيجة لضعف التنسيق بين الجهات الأعضاء في هذا التكتل وعدم إيلاء المشاكل السكانية الاهتمام المطلوب والاعتراف وبتأثيراتها المستقبلية على الفرد والمجتمع والتنمية في البلاد، فإن وزارة الإعلام رغم علاقتها الوطيدة بالسكان قصرت فيما يتعلق بالعمل السكاني ولم تقم بواجبها على أكمل وجه ولم تعر القضية السكانية الاهتمام الذي يتناسب مع حجم المشاكل والتحديات السكانية ويتجلى ذلك من خلال الآتي:-التلفزيون: برامج التلفزيون المختلفة لا تتناول القضايا السكانية إلاَّ بين الحين والآخر من خلال بعض البرامج التي يستضاف فيها بعض من لهم علاقة بالصحة أو السكان، وبالإضافة إلى التغطية الإعلامية للفعاليات السكانية التوعوية التي تنفذ هنا وهناك من هذه الجهة أو تلك بشكل مقتضب من نشر الأخبار المحلية، وكذلك عرض بعض الفلاشات التوعوية التي تعد عبر الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان بالتنسيق مع قطاع السكان السكان بوزارة الإعلام.. ورغم أهمية هذه الفلاشات التلفزيونية التوعوية في تشكيل الرأي الجماهيري بالقضايا السكانية وتثقيف السكان إلاَّ أنه يتم بثها في أوقات غير مناسبة إطلاقاً ولا يدري أحد أين ومتى وفي أي وقت زمني تم فيه البث لهذه الفلاشات والأعمال المتعلقة بالسكان وكم نسبة مشاهدتها.. ومع ذلك تتضمن التقارير المقدمة لاجتماعات المجلس الوطني للسكان واللجنة الإعلامية العليا المعنية بالسكان ساعات بث إجمالية ضخمة ومهولة، وباعتقادي أنها لو بثت فعلاً وبذلك الكم وسُلطت على أي مجتمع فهي كفيلة بتغيير أفكاره وقناعاته التي اكتسبها خلال فترة حياته، ولو سلمنا جدلاً بمصداقية ساعات البث تلك وأنها بثت في أوقات مناسبة فلماذا لا تزال النسبة الكبيرة من السكان تجهل أغلي ما يتعلق بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة والأمراض المنقولة جنسياً وما يتعلق بالأمومة الآمنة وأهمية الولادات على أيدي القابلات أو في المستشفيات؟!الإذاعة: أما عند الحديث عن الإذاعات المحلية وبخاصة إذاعة (صنعاء) البرنامج العام ودورها في العمل السكاني فإنه لابد من القول إنها تمثل تكتلاً سكانياً بمفردها أقوى تأثيراً وفاعلية من التحالف السكاني الكبير مجتمعاً..فما قدمته وتقدمه الإذاعات وخاصة إذاعة (صنعاء) للعمل السكاني - وبتوجيهات ذاتية ومسؤولية وطنية خالصة إزاء القضايا السكانية منذ ما قبل تأسيس المجلس الوطني للسكان وحتى اليوم - يستحق التقدير والإشادة والتبجيل لهذا الدور العظيم.. ويمكننا القول وبكل أمانة إن ما قدمته الإذاعة للقضايا السكانية يساوي ثلاثة أرباع ما قدمه المجلس الوطني للسكان مجتمعاً منذ تأسيسه حتى اليوم وإذا قيمنا النجاحات التي تحققت للعمل السكاني فالفضل الأول والأخير فيه يعود للإذاعة.الصحافة: وبالنظر إلى الصحافة الرسمية والحزبية والأهلية والمستقلة والمواقع الإلكترونية وما تقدمه للعمل السكاني فإنها لا تقدم ولا تتناول القضايا السكانية إلاَّ بما نسبته 5% فقط وبحسب المزاج.. وأما الصفحات السكانية في صحيفتي (14أكتوبر) و (الثورة) فهي ما نسبته 3.5 من النسبة المذكورة آنفاً في المجال التوعوي.وإجمالاً يمكن القول إن وزارة الإعلام لم تكلف خاطرها ولو بدعوة أو تعميم سكاني توجهه إلى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية توضح فيه المخاطر الناجمة عن الانفجار السكاني على مستوى حياة الفرد والمجتمع وتطالبهم فيه - بل وتترجاهم - بتبني القضايا السكانية والإسهام في إيجاد الحلول المناسبة لها باعتبارها قضية وطنية في المقام الأول ويتحمل مسؤوليتها الجميع.