أضواء
أشرطة الفيديو التي عثرت عليها القوات الأميركية في العراق وعرضت على الفضائيات الإخبارية وتظهر أطفالا عراقيين ينفذون هجمات مصطنعة وهمية على أهداف عسكرية أميركية في العراق لم تشكل لدى عرضها صدمة على نحو ما يفترض لحقائق من هذا النوع أن تُحدثه. أو لنكن أدق لم تشكل صدمة جديدة لدى الرأي العام العربي والعراقي.. صبيان لم يتجاوزوا الثانية عشرة من العمر مقنعون ويحملون رشاشات وبنادق حقيقية يقتحمون البيوت ويحملون أسلحة حقيقية ويوجهونها إلى رؤوس سكان مفترضين. بل ظهرت لقطات لأطفال وهم يعلنون ذبح رهائن. وهذا ما أعاد إلى الأذهان مشاهد إقدام طفل افغاني بتشجيع من عناصر من طالبان على ذبح شخص أمام الكاميرا فعلا وليس تدريبا..مشاهد تدريب القاعدة لأطفال عراقيين مرت سريعاً في شريط يبدو أن القاعدة تستخدمه للترويج لأساليبها وقد عثرت عليه القوات الأميركية في مداهمة شمال شرقي بغداد. ويبدو أن تقنية التدريب عبر الفيديو تستخدمها القاعدة لا سيما في العراق، إذ تردّنا هذه الأشرطة إلى شريط قديم كانت بثته الحكومة الكردستانية وفيه أحد مسؤولي القاعدة الأكراد يقوم بذبح مختطفين فعلاً بهدف تدريب عناصر من جماعته على تقنية الذبح وتعويدهم على مشهد الدم.في الشريط الأخير لأطفال القاعدة أيضاً يظهر طفل يرتدي صدرية من العبوات الناسفة. لقد حالت الأقنعة دون أن نرى وجوه الأطفال وإن سمعنا أصواتهم يرددون عبارات: الله أكبر، أو يهددون ضحاياهم المفترضين بالقتل.لم يثر هذا الشريط في الرأي العام العربي ما يفترض أن تثيره وقائع من هذا النوع، بل هو لم يتصدر نشرات الأخبار أو الصحف، بل إن بعض القنوات الإخبارية البارزة لم تعرضه أصلا.يبدو أن تنظيم القاعدة لا يزال يسعى بإصرار للتأثير على جيل كامل من الأطفال العراقيين وإلحاقهم بالشياطين.أمر لم نعد نتوقف عنده كثيراً وكأننا سلمنا له.يبدو أن التصدعات التي أصابت مجتمعاتنا باتت أعمق مما يمكن للمرء أن يتخيل. فأبسط ركائز انسانيتنا تتداعى على نحو مرعب.قبل أيام قليلة ورد خبر استخدام القاعدة لامرأتين متخلفتين عقلياً لتفجير عبوات ناسفة. واليوم مشاهد أطفال بالجملة يتدربون على الموت والقتل.ماذا أحدثت مثل هذه الأخبار والمشاهد؟لا شيء!.وهنا نعود للإعلام الذي يبدو أنه وببثه هذه المواد أو بنشره إياها يكتفي بدوره كناقل للأخبار والمشاهد بينما الأمر يتعدى مجرد النقل. لا بد أن هذه الأخبار وهذه المشاهد أثرت على نحو واسع في جماعات وفي أجيال وفي فئات وعلى نحو متفاوت. ربما بات مطلوباً منا أن نبحث عن أثرها فينا ونرى هل أن تكرار هذه الأخبار والمشاهد يحوّل هذه الافعال إلى أفعال عادية في وعينا كمتلقين لهذه الصور والأخبار. إن كان ذلك صحيحاً فالأمر يستحق التوقف عنده لأن هذه الأفعال ليست عادية واستثنائية بفداحة نتائجها. فلا بد أن نفكر قبل عرض هذه الصور للمشاهدين كيف يمكن أن نحافظ على تأثيرها حتى لا تتحول إلى مشاهد عادية وهو ما يبدو أنه حاصل فعلا.[c1]- عن / صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية .[/c]