قصة قصيرة
صفوان الشويطرترتيبات مسبقة للحديث عن صديقيإلى لطف الصراري ... مع المعزوفة نفسها التي تستدعي عندي خيبة تولتني ذات مساء ملبد بموجة سخط أثارتها صديقتي بسبب ما يمكن تسميته “تجاهلي المتعمد لمسرات متاحة”, يومها لعنت تهافتي على بناء علاقات إنسانية خالصة مع إحداهن, حتى عندما يكون ذلك التهافت لمجرد تعزيز ثقتي بنفسي وفتح حساب نرجسي ينفع وقت اللزوم لكوني محط اهتمام امرأة.عندما اختلفت معها ذلك المساء استهلكت ثلاثة كروت شحن دفعة واحدة لا لشيء سوى تذكيرها بالتغاضي المتعمد الذي أتقنته تجاه حماقاتها, و رغم نبرتي المندفعة ظاهريا نحو التصعيد فقد كنت في دخيلتي أتمنى أن ترخي هي الحبل هذه المرة حتى لا اخسر أنثى مدربة جيدا على مزاجي الذي أصبح لا يحتمل تدريب أخرى جديدة .الجيتار في المعزوفة ذاتها يذكرني بالشارب الكث لصديقي الذي أهداني ذات المعزوفة!!, الشارب الذي اجزم أن عازف الجيتار يملك مثله تماما, لكني استمر برفقة الجيتار في محاولة التهوين من غيظي غير المبرر بشأنها و هي التي تسعى دائما لتفهم طبيعتي وتخصيصا لأني قد حدثتها كثيرا عن صديقي الذي - بالإضافة إلى الشارب , يدوزن أوتار تفكيري بمهارة حرفي . أخبرتها, في غير ذلك المساء, عن صديقي الكاريزمي الذي أشفق على النساء من رجولته المشعة بتلك الجاذبية التي لدى عمر الشريف مثلا, حيث لا يتعلق الأمر بالوسامة بمقدار ما يتعلق بكثافة عناصر أخرى . النظرات المسرفة في تحفيز متلقيها لتجميع أشياء مبعثرة داخله,مظهره الذي يبدو أنيقاً جدا رغم تلقائيته, وابتسامته التي تشعرك انك أمام فرصة لا تعوض وماذا أكثر من غموضه الأخاذ بكيفية تدفعك للاستمتاع بمشاهدة كل حركاته وسكناته و كأن المرء في حضرته يعيش لحظة تاريخية !بدت صديقتي تجد في أحاديثي عنه مادة لذيذة بما تشكل من سديم أسطوري حول شخصية هي لا تعرفها و لكنها تستشعر مدى نفاذها , و ربما لان حديثي أضاف لتصورها عن الرجل النموذجي نكهة أخرى أكثر إمتاعا ًوإشباعاً. كان علي - حتى ذلك المساء- إسباغ طابع خلاب على توقعاتها حول صديقي , فقد شعرت أن المسألة أصبحت تمسني شخصيا فصديقي - عند هذه المرحلة تحديدا- أصبح ممثلي الشخصي و الحارس الذهني لدى رجلها المتخيل الذي نمثل أنا و صديقي جزءاً من مكوناته الحسية , بالإضافة إلى بنائي على افتراض إني أشابه صديقي في جوانب معينة , و ألا كيف صار صديقي ؟؟ كان إصراري على الحديث عن طباعه وشخصيته و مواهبه نوعاً من رمي الإيحاءات و إلقاء الإسقاطات التي لا بد أنها تدور عني , و بقدر ما كنت أغار من صديقي كلما أبدت إعجاباً به, كنت أتمادى في الكلام عنه لأني بدأت اشعر من طرف خفي أن إيجاد كائن افتراضي بيننا سيجعلها تتعلق بي أكثر كما سيضيف مساحة كافية تسمح لها بالتخلص من سلبياتي من خلال ملء الفراغات الناقصة بالفائض الرمزي الممتلئ لصديقي , لكني ذلك المساء قبل وأثناء مكالماتي معها , كنت أمر بأحد أطواري الشاذة - باعتبار أن لكل ابن آدم شذوذاً و قاعدة فيما يخص منطقية تصرفاته-إذ لم استطع أن أؤثث للحوار بشكل يخفض منسوب التوتر عند كلينا أو حتى على الأقل امتصاص اللون الفاقع لعصبيتها عبر استخفاف مضبوط القدر بحجم المشكلة , لكني عندما كنت استدعي تفاصيل الشجار معها على خلفية المعزوفة الموسيقية, كنت واثقا بالقدرة على مصالحتها و تقديم ضمانات عاطفية كافية لإرضائها من خلال اختلاق مستجدات في حياة صديقي تكفي موضوعا لحديث يتزامن مع اعتذاري لها أو يبرر لسوء سلوكي معها حين حدث الشجار. بالخلفية الموسيقية ذاتها و في مساء مشابه حيث لا إعداد مسبق لشيء , أفكر بصديقي الذي يعيش في مدينة أخرى فلا يدري بما يفعله بي و لا ما افعله به, لكني عندما استجوبت نفسي لاحقا, لا أجدني قد ابتعدت عن حقيقة أن صديقي من طراز نادر طالما انه يضبط بدقة إيقاعاتي الخفية التي تكومت عليها ضوضاء الأشياء وضجيج الآخرين.