قصص من الغموض والخيال
(ادجار آلان بو)في احدى ليالي الصيف ذهبت الى شمال النرويج واقمت في احدى الجزر وتدعى ( لوفتن ) وكان هناك الرجل الذي قابلته في هذه القصة التي سوف ارويها لكم . وقد عرض علي بان يرشدني الى اعلى قمة على اكبر صخرة في هذه الجزيرة وخرجنا ذات صباح ووصلنا المكان في منتصف اليوم ولدقائق معدودة كان الرجل العجوز لاهثاً من شدة التعب والارهاق بحيث لم يستطع الكلام وقفت ونظرت مباشرة الى اسفل فرأيت سلسلة جبلية ممتدة الى البحر بمسافة خمسمائة متر الى الاسفل بعدها قال الرجل العجوز :" قبل مدة ليست ببعيدة استطعت تسلق هذه الجبال بسرعة كبيرة كولد شاب . ولكنني الان لا استطيع ذلك انت تعتقد بأنني عجوز . انني لست كذلك فعمري هو ستة وثلاثون عاماً فقط ولكن جسدي وروحي قد تخطاهما الشيب قبل الاوان " وكنت مندهشاً لسماع ذلك لانه كان يبدو عجوزاً فعلاً واعتقدت بأن عمره هو حوالي الخامسة والستون . قال الرجل : قبل ثلاث سنوات حدث شيء رهيب لي اسفل هذا المكان " استمر في كلامه مشيراً الى البحر الهائج والمظلم في الاسفل قائلاً لا اعتقد بأن شخصاً قد مر بتجربة اسوا من تلك التي مررت بها وعاش بعدها استمرت تلك التجربة الرهيبة ست ساعات كاملة في ذلك الوقت تغير لون شعري من اللون الاسود الى الابيض وفقدت قوتي وشجاعتي للابد والان انا خائف من فحص هذه الصخور التي ترى من خلالها الى اسفل . من خلال هذه الصخور تستطيع ان ترى المكان الذي حدثت الواقعة الرهيبة لي . ولكن لننزل قليلاً الى الاسفل لانه اكثر امناً من هنا خصوصاً عندما يبدأ الاضطراب بالحدوث كما انني لن اشعر بالخوف " نزلنا بضع خطوات الى الاسفل وجلسنا نتطلع الى البحر استطعنا ان نرى جزيرتان : كانت الاكبر تبعد حوالي الخمسة كيلومترات اما الاصغر فكانت تبعد حوالي الكيلومترين من الساحل وكان البحر بيننا وكانت الجزيرة الابعد تبدوا غريبة ارتفعت الاف الامواج هنا وهناك وفي كل الاتجاهات وقال رفيقي . " تدعى الجزيرة الكبرى " فورى " اما الاخرى فتدعى " موسكيو " اتستطيع سماع أي شيء الان اتستطيع ان ترى أي شيء غريب في الماء " كان هناك صوت يتداعى الى اذناي كما لو انها مائة خيل تركض وتقترب منا . ارتفعت الامواج اسرع واسرع ولكن الان في اتجاه واحد باتجاه الشرق وفي دقائق قليلة -كما كنت اراقب - بدا ماء البحر بالغليان كان الجزء الاكثر اضطراباً يقع بين الجزيرة الصغرى ( موسكيو ) والشاطئ وهناك ارتفعت الامواج وتلاطمت فيما بينها مكونة الاف الحلاقات الدائرية وكانت دائماً باتجاه الشرق تغيرت الصورة بسرعة تحرك البحر بصورة اسرع من ذي قبل ولكن سطحه كان مازال منبسطا انتشرت الدوامات البحرية الصغيرة بعيدا وبدأت بتكوين دوامة واحدة ضخمة وفجأة راينا بوضوح تلك الدوامة الضخمة من المياه المتلاطمة وكان عرضها حوالي الكيلومترين وكان طرف تلك الدوامة الضخمة عبارة عن خيط عريض من الماء ذي اللون الابيض يلتف بسرعة جنونية وكان اسفل تلك الدوامة حائط كبير متوهج ومسطح من الماء الاسود . ولكنني لم استطع رؤية قاع تلك الدوامة دارت تلك الدوامة بسرعة كبيرة محدثة صوت رهيب وقد اهتزت الصخرة التي كنا قائمين عليها بشدة نتيجة لارتطام تلك الدوامة بها فتمسكت بتلك الصخرة بشدة وقد تملكني الخوف من اقع الى الاسفل على وجهي . صرخت في وجه صديقي قائلاً " أهذا هو الاضطراب العظيم ؟ " . نعم ولكن هنا نطلق عليه اعصار الموسكيو " . كنت قد قرأت حولها في حوالي كتابين او ثلاثة لكني لم اتصور ابدا بأنها بمثل هذه البشاعة . سألته ما سبب هذا الاضطراب ؟ اجاب صديقي " ان هذا يعتمد على المد والجزر عندما يكون البحر هادئاً " فسألته " وكم يستمر هذا الاضطراب ؟ فاجاب ؟ من البداية الى النهاية حوالي الست ساعات عندما يبدأ المد بالارتفاع وست ساعات اخرى عندما يبدأ المد بالانخفاض وبين الاثنين يكون البحر هادئا لحوالي خمس عشرة دقيقة . اهو دائماً بهذا الشكل الرهيب ؟ فأجاب في الشتاء يكون اسوأ والمئات من السفن البكبيرة والصغيرة قد فقدت في هذه المنطقة بسبب هذا الاضطراب فاذا اقتربت هذه السفن فانها تنجذب اليه وتسحب بقوة الى قاع البحر . وهناك فانها تتحطم الى قطع صغيرة على الصخور المتناثرة هنا وهناك ولا يستطع احد مساعدتهم ولا شيء يمكن ان ينقذهم وعندما يهدأ المد ترمى القطع الصغيرة لبقايا السفن على سطح البحر . بعدها ببرهة مسك رفيقي ذراعي وقال " حسنا لقد رأيتها الان لنذهب الان خلف هذه الصخرة بعيدا من هذا الاضطراب وسأخبرك ماذا حدث لي انني الوحيد الناجي من اعصار الموسكيو " تحركنا خلف الصخرة وبدأ يروي حكايته : - " كان لدي - واثنان من اشقائي - قارب صغير وكنا نصطاد به قرب هذه الجزر . وكان هناك الكثير من السمك وكنا الوحيدين الذين يمتلكون الشجاعة الكافية لنصطاد هنا وكنا دائماً نبحر بالقرب من اعصار الموسكيو في الوقت القصير عندما يكون هادئا وكنا وانا واخوتي نعرف تماما متى يتغير المد : لذلك استطعنا الابحار بجانبه بأمان وكنا متأكدين من موعد الرياح منذ خروجنا من منزلنا وقد حدث ذلك منذ الست او السبع سنوات ولكننا ارتكبنا خطأين بخصوص الطقس . وكان باستطاعتنا الانتظار في مكان آمن حتى تهدأ العاصفة ودائماً ما كنا نمر من خلال اعصار الموسكيو بدون أي حوادث ولكن كان علينا ان نكون حذرين ان خمس عشرة دقيقة لم تكن بالفترة الطويلة لتمر سفينة بمحاذاة ذلك المكان الخطر . واحيانا كنا نتأخر او نأتي مبكرين لدقيقة او اثنثين ولكن بعدها كنا نشعر بالخوف لان الاعصار خطر كما رأيت بأمن عينيك قبل ثلاث سنوات وبالتحديد في الثامن عشر من شهر تموز قررنا الاصطياد كالمعتاد وطوال فترة الصباح كانت الرياح هادئه من اتجاه الجنوب الغربي وكانت السماء صافية فأبحرنا الى ما وراء العاصفة في حوالي الساعة الثانية ظهراً وقد اصطدنا الكثير من الاسماك في ذلك اليوم بل كان اكثر مما أصطدناه من قبل وكان لدينا تقريبا ساعة زمنية لنمر من وراء الاعصار بأمان وكنا آمنين لبرهة من الوقت ولكن وفجأة تغير الطقس وازدادت سرعة الرياح وظهرت وراءنا غيوم غريبة وقاتمة وفجأة خيم الظلام الدامس تلك المنطقة ولم نعد نرى بعضنا البعض وبعدها مباشرة بدا الاعصار وكان رهيبا بل كان اسوأ اعصار شاهدته طيلة حياتي في البحر بعدها مباشرة وبفعل الحركة الشديدة للاعصار سقط اخي الاصغر الى البحر ولم نراه كما لم نعد نسمع صراخه وهو يغرق وكدت انا ايضا - بفعل الاعصار الشديد - ان اسقط الى البحر ولكنني كنت معلقا ومتشبتا بحلقة حديدية مثبتة في منتصف القارب كانت هناك موجات بحرية ضخمة قد تولدت مع الاعصار وكانت تقذف بأي شيء وكل شيء غير مثبت وقد غمرتني المياه كليا لنصف دقيقة بعدها - وكنت لا زلت متشبتا بالحلقة المعدنية - ناضلت طويلا كي ارفع رأسي ولو قليلا عن الماء وكنت اتنفس بصعوبة بعدها ببرهة احسست بيد تمسك ذراعي كان اخي الاكبر فشعرت بالسعادة لانه لا يزال على قيد الحياة صرخ اخي قائلاً انه اعصار الموسكيو تلاشت سعادتي برؤية اخي بسرعة وحل محلها الرعب وكنت اعي تماما ما يعنيه اعصار الموسكيو كما كنت ادرك تماما ما كان يقصده اخي وكان الاعصار يدفعنا بقوة نحو دوامة كبيرة ولم يكن بوسعنا عمل شيء حيال ذلك وكل الاشرعة كانت قد طارت بفعل الاعصار الشديد وكان القارب يتأرجح كثيرا في الماء وكأنه يسير على الجبال وبالرغم من وجود الظلمة تحسن الطقس قليلا وتطلعت الى السماء لبرهة فرأيت حلقة من السحاب الصافية مصحوبة بضوء القمر فصرخت قائلا لاخي " لقد ظهر النور ثانية وتبدد الظلام ولكنني كنت مخطئا فلقد بدا المد لتوه كما ان الدوامة كانت في اقصى قوتها . ارتطمت موجة ضخمة بالقارب فرفعته الى الاعلى فنظرت حولي بسرعة مستعينا بضوء القمر وكانت نظرة واحدة تكفي وادركت بعدها اين نحن بالضبط كان اعصار الموسكيو امامنا بحوالي اربعمائة متر وكنت اسمع صداه من فوق الرياح فاغلقت عيني وادركت عندها بأنها النهاية فشعرت بخوف شديد لم اشعر به من قبل لقد تجاوزنا هذه الاميال الاربعمائة في اقل من ثلاث دقائق بعدها دخلنا النطاق الابيض للماء الابيض المحيط بالدوامة انحرفت السفينة الى الوراء قليلاً وبعدها مباشرة اندفعت مسرعة نحو الدوامة اشتدت العاصفة وكانت تطلق صوتا مرعبا وايقنت بعدها ان قاربنا سيسقط الى اعماق الدوامة لا محالة ارتفع الماء بشدة في الجانب الايسر من القارب مكونا حائطا ضخما من الماء حولنا وكانت سرعة دوران قاربنا حول الدوامة تزداد بشدة بعدها لم اكن اعلم كم من الوقت سيستغرق تحطيم الدوامة لقاربنا وبالتالي هلاكنا في اعماق البحر . كان قاربنا يدور بعنف حول الدوامة لمدة ساعة تقريبا وكنا نتجه صوب مركز الدوامة الرهيب وكنت حينها لا زلت متشبتا بالحلقة المعدنية الموضوعة في منتصف القارب وكان اخي الاكبر ممسكا ببرميل صغير كان مربوطا باحكام بحبل كبير وفجأة ترك اخي البرميل وقذف بنفسه نحوي وحاول ان يبعد يداي عن الحلقة المعدنية وان يتشبت بها لوحده شعرت حينها - بالرغم من الخوف الذي كان يعتريني - بالاسف الشديد عندما كان اخي يحاول انقاذ نفسه على حساب حياتي ولكن سرعان ما ادركت الحقيقة بان كلانا هالك لا محالة لذا تركت له الحلقة المعدنية واتجهت انا صوب البرميل . بعد وصولي للبرميل استدار قاربنا بشدة للوراء وبدأ بالغوص الى اسفل الدوامة اغلقت عيناي وبدأت اردد بعض الصلوات وتوقعت بنهاية سريعة وحاسمة ولكن النهاية التي توقعتها لم تاتي بعدها ببرهة قصيرة توقف القارب عن السقوط الى الاعماق فتحت عيناي ولن انسى طيلة حياتي المشهد الذي رايته . كان القارب يقف عند حافة الدوامة التي كبرت وتشكلت على هيئة حرف V وكان حينها كل شيء مضاء بضوء القمر حينها شاهدت شيئاً غريبا كان جانب من الدوامة قد انخفض الى الاسفل وكان قاربنا لا يزال في الاعلى ولم تصلنا الدوامة وبالرغم من ان قاربنا كان مسرعا في حركته فقد كان بامكاننا انا واخي الوقوف وكان عندها بامكاني الرؤية فادركت مباشرة بان قاربنا لم يكن الشيء الوحيد الذي كان يدور حول الدوامة فلقد رايت اجزاء كثيرة لقوارب وسفن متناثرة وكذلك رأيت اشجار وصناديق وبعض البراميل فرأيت كل ذلك حولي وبدأت اخمن من هذه الاشياء ونحن معها بالطبع سوف يغرق اولا فقلت لنفسي ستغرق تلك الاشجار اولا ولكنني كنت مخطئا لقد رايت قاربا اخر اكبر من قاربنا ضربته الدوامة بشدة وجذبته معها الى الاسفل وبعدها توارى القارب عن الانظار وغاص الى الاعماق . وفجأة خطرت لي فكرة حماسية فراقبت الدوامة بحذر بعدها بدقيقتين بدأت قدماي بالترنح ولكن لم يكن ذلك بسبب الخوف انما بسبب الامل الذي برز فجأة بداخلي نتيجة تلك الفكرة الحماسية التي خطرت لي فلقد ادركت من خلال مشاهدتي للاجسام التي تغرق بفعل الدوامة الرهيبة بانها الاثقل وزنا من غيرها بمعنى ان الدوامة تجر فقط الاجسام الاثقل وزنا اما الاجسام الاقل وزنا مثل القطع الخشبية والصناديق فان الدوامة تبقيها في الاعلى وعلمت بان المد سوف يبدأ ونتيجة لحركته سوف يوقف الدوامة ماذا سيحدث للاجسام الاقل وزنا التي تدور بفعل الدوامة ؟ فاستطعت ان اخمن بان هذه الاجسام سوف يتم قذفها الى سطح الماء . راقبت عندها برميل اصفر كان يدور بعنف بفعل الدوامة كان بالقرب منا اما الان فانه مرتفع عنا وكان قاربنا ينزل للاعماق بصورة اسرع من ذلك البرميل . لم اتأخر دقيقة بعدها لتنفيذ الفكرة التي خطرت لي فقمت بفك حبل البرميل المائي لقاربنا فارسلت بعض الاشارات لاخي واشرت له لبعض الاشياء الاقل وزنا التي كانت تطفو في الاعلى ولم اكن اعلم بأن اخي كان قد فهم ما كنت اقصده ام لا فقط هز اخي رأسه رافضا ان يترك الحلقة المعدنية التي كان يتشبت بها . لم يعد هناك وقت لنضيعه فبسرعة ربطت نفسي بالبرميل وكان هناك حبل كاف لأمده لاخي ففعلت ولكن وللمرة الثانية هز اخي راسه رافضا ترك الحلقة المعدنية المثبتة في منتصف القارب لهذا كان علي ان اتركه ليواجه مصيره ففي اللحظة التالية قذفت بنفسي وبالبرميل الى البحر . كانت النتيجة مثلما توقعت تماما انا اليوم حي يرزق كما ترى لقد استطعت الهروب من اعصار الموسكيو بالطريقة التي شرحت لك اياها استمر القارب والبرميل لفترة طويلة بالدوران العنيف حول الدوامة بعدها غاص القارب - واخي بداخله - لخمسين متر الى الاعماق ولم ار اخي من ذلك الحين اما البرميل الذي كنت بداخله استمر بالدوران لساعة اخرى وبدأ بالنزول الى الاسفل بفعل الدوامة ولكن ببطء ولكن كان البرميل لا يزال بعيدا عن الاعماق لانه - وكما اسلفت - من الاجسام الاقل وزنا وبدأ جانب من منحدر الدوامة اقل ارتفاعا وبعدها قلت سرعة دوران البرميل وكان المد لا يزال موجودا فخفت سرعة دوران الدوامة الى ان هدأت . كانت السماء صافية وكان القمر يشع بنوره من جهة الغرب بدأ البرميل و كذلك انا بالصعود ببطء الى سطح الماء وكانت هناك الرياح لا تزال قوية وكان البحر لا يزال هائجا فقدفت بي الرياح العاتية صوب الساحل قريب ولقد راني بعض الصيادين فقاموا بانتشالي من الماء وكان هؤلاء الصيادين لحسن الحظ من ابناء قريتي بل كان بعضهم اصدقاء لي ولكنهم لم يعرفوني فلقد تحول شعر راسي الى اللون الابيض كما تراه الان ولم استطع الكلام معهم لأكثر من ساعة وعندما اخبرتهم بقصتي لم يصدقوني وانا الان قد اخبرتك اياها واتمنى من ان تصدقني .