قصة قصيرة
وقفت سعاد وحيدة ضامرة على باب شرفتها العالية في أطراف خور مكسر .. أطلقت بصرها في الآفاق البعيدة كأنها تنتظر رؤية شيء قادم من هنا ، أومن هناك .السماء الزرقاء فارغة ، صافية ؛إلا من بعض السحب البيضاء ؛ تبدو كثوب عرس طائر في الآفاق ... وبعض طيور النورس ذاهبة آيبة ؛ من وإلى الساحل ، كمن يبحث عن شيء غال ... أو ينتظر شيئا نفيسا ، لكنه لا يعلم أين يلقاه أو متى ؟ . منذ أيام طويلة ’ سعاد لا تكاد تأكل ، أو تشرب ، إلا ما يعلق الروح ، ولا تكاد أن تتكلم إلا مع أمها المقعدة ، وفي أضيق نطاق .في صباح هذا اليوم ، طلبت من أمها مسجلها الصغير الخاص ..ومع أن أمها ظلت سنوات طويلة حريصة على هذا المسجل ؛ إلا أنها أعطته لـ(سعاد)بدون تحفظ ..قالت في نفسها :(بلكي تريِّح على قلبها .. بلكي تخرج من هذه الأزمة ...).أخذت المسجل ، وذهبت به توا إلى شرفتها ..شغلته .. انطلق الصوت :أنت ساكن وسط قلبي يا حبيبي من زمانْ بعتني .. ضيعت قلبي بعت عطفي والحنانْ لم تستمع طويلا .. عيناها غدتا نهرين من الدموع .. أغلقت المسجل بعنف .. انكبت على الأرض .. انخرطت في نشيج عميق .. أسرعت إليها أختها الصغرى .. أخذت المسجل .. حاولت ان تحتضنها . . أن تواسيها .. لكنها دفعتها .. عادت إلى غرفتها .. أغلقت الباب متذرعة بحاجتها للنوم .أكل القلق والخوف أفئدة أخواتها ، وأخوتها ..الأسئلة سهام متطايرة بين قلوبهم ، وعيونهم .. ألحيرة تحطم صبرهم :ـ أيش جرى لها ؟ـ أيش قصتها؟اشتد الحال مع مرور الأيام .. بدت للناظر كصورة قديمة متحركة ، ولكنها لا تنطق ، تنظر ، ولكنها لا تتكلم .. خطواتها العجلى مترنحة ، مضطربة .. جسدها الذاوي يبدو كقشة لا تملك القدرة على التماسك والثبات وفي صباح هذا اليوم .. تركت أختها الكبرى زوجها ، وأولادها دون فطور .. ودون أن تشعر أنها خرجت .. ثمة نار تشتعل في قلبها .. لم تدرك إلا بعد أن جلست بجانب أمها .. نفثت تيارا محرقا من الأسئلة المرعبة .. بكت بكاء شديدا .. قالت لها أمها ؛ وهي تشاركها عاصفة البكاء:ـ ليش ما تجلسي معها ؟أنتي تحبيها وهي تحبك كثير..ليش ما تسأليها هي؟ بلكي تفيدك وتفيدينا ..نحن تعبنا دون فائدة ..أختك ما تشتيش تتكلم .ـ طيب أيش الحل ؟ مش معقول نسيبها تضيع ...ـ والله يا بنتي أني محتارة .. وكلنا كما تشوفي ..نهضت الأخت الكبرى شعرت كأن شيئا يمنعها .. يخيفها .. تماسكت .. توجهت نحو غرفة (سعاد) ..قرعت الباب .. نادتها بلطف .. رفعت الصوت .. نهضت الأسرة .. تعالت الأصوات : ـ يا سعاد افتحي الباب ! !لم يجب أحد سوى صدى أصواتهم .. كسروا الباب .. لم يجدوا سوى سرير فارغ .. ورسالة مقتضبة تعلمهم فيها أنها قد خرجت للبحث عن قلبها في البحر .. وأنها لن تعود أبدا .