رائـدقاسـمنعم أساءت الصحيفة الدنمركية للنبي العظيم محمد (ص) الذي ينضوي تحت يرسالته السماوية أكثر من مليار ومائتين مليون مسلم في أرجاء المعمورة. قبل سنتين رفضت نفس الصحيفة نشر ما اعتبرته رسوماً مسيئة للسيد المسيح (عليه السلام) في تناقض مريب يكشف ازدواجية معايير الغرب وممارسته لونا محكماً من التمييز والنظرة الدونية ضد الشرق تحت عنوان عريض "حرية التعبير". في الدانمرك، يتداول خبراء القانون قوانين تحد من نقد العائلة المالكة وشخص الملكة، وهذا إنما يدل على لبس دستوري وتناقض قانوني وعدم شمولية القوانين المرعية لاحتياجات الإنسان. فنقد الملكة يحده القانون والتدخل في شئون العائلة المالكة محدود، إلا أن اهانة الأنبياء والرموز الدينية التي تمس مشاعر الملايين مسموح بها خاصة إذا ما كانت موجهة لأمة ضعيفة مغلوبة على أمرها عاشت في الهوان وتمرغت به حتى أصبح جزءاً من ثقافتها ونزعتها الإنسانية!!! في احتفالات عاشوراء طالب الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله البرلمان الأوربي بسن قوانين تجرم اهانة الرموز الدينية في الإعلام الغربي، وهذا مطلب مشروع. ولكن في المقابل أين نحن كمسلمين بمختلف انتماءاتنا الطائفية من سن قوانين في نطاق عالمنا الإسلامي تجرم أيضا الاهانة والنيل بمختلف أنواع القدح للآخر المخالف؟! عند الشيعة "بحار الأنوار" وهو سفر عظيم يحتوي على آلاف الأحاديث والمرويات عن النبي(ص) وأهل بيته وخيار الصحابة إلا انه يحوي 3 مجلدات عن سير الخلفاء الثلاثة ويتناولهم بالنقد المريع ويتغاضى عن أية انجازات ومحاسن في أشخاصهم وفترات حكمهم ويصفهم بأشد أنواع النقد وضروب العداء. وأسفار أهل السنة قلما تخلو من وصف أتباع المذهب الشيعي بـ"الروافض" وتصف مذهبهم بالمبتدع ويخرجهم آخرون عن ملة الإسلام. فإذا ما كان الغرب يتشدق بحرية التعبير ويتخذها وسيلة لاهانة الرموز الدينية فان المسلمين بمذاهبهم يتخذون من "الحقيقة المطلقة" التي يجدها كل مذهب في نظامه العقائدي والفقهي مبررا لقدح مخالفيه وتخطئتهم وإخراجهم من الملة كما برع في ذلك السلفيون. أليس وصف الشيعة بالروافض هو اهانة وتنقيص؟ اوليس النيل من شخصيات دينية محترمة قديمة ومعاصرة دون وجه حق لونا غير مشروع من حرية التعبير والبحث الحر في العقائد والملل والنحل؟؟ او ليس استهزاء عامة الشيعة بالخلفاء الثلاثة تعديا على مقدسات الآخرين؟؟.. قبل سنتين سمعت عن طريق خدمة" البلوثوف" مقطعا صوتيا ساخرا ينال من الخليفة الثاني ويصفه بمذل المؤمنين ومعز الكافرين!! صحيح ان علماء الشيعة وخاصتها غير مسؤولين عنه. ولكن ألا يدخل في إطار الاهانة والتعدي والعمل الذي من المفترض أن ينبذ ويؤاخذ؟؟ اوليس نيل السلفيين من الشيعة في كل محفل يصب في نفس الإطار؟؟ من ناحية أخرى لا بد أن نتساءل بواقعية عن مسببات اهانة نبينا الكريم (ص). لقد صورت إحدى الرسوم النبي(ص) وهو يستقبل الانتحاريين في الجنة ويعتذر منهم فـ"الحور العين" قد نفدت ويعدهم بجلبهن حال توافرهن!!! او لسنا نحن من طبعنا هذه النظرة في أذهان الآخر؟ إن كل فتنة يصعب تصور عدم وقوف مسلم خلفها في هذا العالم المترامي!!.. في تايلاند هناك اضطرابات في الجنوب يقف وراءها متشدّدون إسلاميون. وفي الفلبين هناك حركة مسلحة تطالب بالانفصال وقيام دولة للمسلمين هناك.وفي الشيشان يرفض المقاتلون المسلمون أية حلول مع الدولة الروسية ويصرون على الانفصال ويقومون بشن هجمات لا استطيع وصفها سوى بـ"الإرهابية" على المدنيين الأبرياء، كما حدث في احد المسارح في موسكو وانتهت نهاية مأساوية. وكذلك احتجاز أطفال أبرياء في مدرسة في إحدى المقاطعات الروسية مما أسفر عنه مقتل المهاجمين وعدد كبير من الأطفال والأهالي الأبرياء الذين لا علاقة لهم بسياسات الدولة الروسية من قريب أو بعيد. وفي بنجلادش تلك الدولة الإسلامية الفقيرة ظهرت مؤخرا جماعة متشددة تهدد بقتل المسؤولين الحكوميين إذا لم تطبق الحكومة الشريعة الإسلامية. وتشهد باكستان مجازر سنوية ضد الشيعة واشتباكات طائفية رعناء بين الطائفتين. وكذلك في أفغانستان حيث تشهد ما بين الفترة والأخرى صراعات قبلية وطائفية ويتعرض الشيعة هناك لاعتداءات دموية أثناء أدائهم لطقوسهم الدينية كما حدث في ذكرى عاشوراء لهذا العام. وفي العراق بعد سقوط النظام السابق قتل أكثر من اثني عشر ألف مواطن عراقي من الشيعة والمسيحيين واليزيديين في اعتداءات إرهابية دامية ذات بعد طائفي، فيما تتعرض فئات عديدة أخرى للإرهاب من قبل الإرهابيين السلفيين والتفكيريين وغيرهم، وحدث أن نشبت معارك محدودة بين أتباع الحركات الشيعية نتج عنها عدد من القتلى والجرحى.عندما فتح الغرب أبوابه للإسلاميين ومن ضمنهم المتطرفون الذين تحولوا فيما بعد إلى"إرهابيين" وفرت لهم الحكومات الغربية كافة وسائل العيش الكريم وحق التعبير عن الرأي وممارسة العقيدة بعيدا عن إرهاب و قمع حكوماتهم إلا إنها حصدت رمادا من جراء أنظمتها المتسامحة. فقد هاجم الإرهابيون الذين استغلوا القوانين المرنة أبراج نيويورك بطائرتين مدنيتين يستقلها أبرياء مدنيون أسفر عنها سقوط أكثر من 3000 ضحية. وهاجمت الحركات الإرهابية قطارات برلين ولندن سقط جراءها المئات. وقامت بشن هجمات متفرقة في أنحاء أوربا. أو ليس ما تقوم به حركات الاسلام السياسي مسببا رئيسيا ودافعا جوهريا لكي ينظر الغرب بهذه النظرة السلبية القاتمة للمسلمين؟ .. كيف له أن يقرا شخصية النبي (ص) باتزان وموضوعية، كيف له أن يرى الإسلام كدين سماوي كريم يهدف إلى بث قيم النبل والسماحة والإخاء. عندما يقرأ الباحث الغربي في فقه المسلمين سيجده يعج بالآراء التي لا تتفق ما مع ما توصلت إليه البشرية من منظومة حقوقية أصبحت من المسلمات في القرن الجديد والألفية الثالثة كإباحة الرق وقتل المرتد والمعاملة على أساس الدين لا المواطنة واضطهاد المرأة والتمييز ضدها بعناوين عريضة في العقيدة والفقه والسيرة النبوية.نعم.. نحن نطالب الغرب بسن قوانين تلجم اهانة الرموز الدينية. ولكننا بحاجة ماسة أيضا إلى سن منظومة دستورية وقانونية ودينية وعقائدية وفقهية جديدة تؤسس لأرضية عيش مشترك واستيعاب تام لكافة التباينات المذهبية والأيدلوجيات المتشاحنة في العالم الإسلامي. وعندما ينظر المسلم سواء كان شيعيا أو سنيا إلى الآخر المسيحي واليهودي يجد أن العديد من الأحكام والآراء الفقهية والعقائدية تشهر سيف العداء لهم بل وتحظر كافة وسائل الاتصال بوسائلهم الثقافية ، وتبيح الدعاء عليهم في المساجد ، فيما يعاقب المخالفون بدعوى المحافظة على الشباب المسلم وعدم تأثّرهم بالديانات المخالفة للإسلام؟ كيف للآخرين المخالفين أن ينظروا للمسلمبن إلا بنظرة ايجابية وواعية ينم عنها احترام الآخر ومشاركته في الإنسانية والمواطنة والقيم النبيلة والمصالح العليا للجنس البشري على هذا الكوكب،عندما يكون واقع المسلمين بائسا تفوح منه روائح الإرهاب و التعصب والاستبداد ؟؟. كيف ل يمكن لغرب أن ينظر للمسلمين بغير نظرته السوداء الداكنة؟؟ .. فلا بد إذن من بلورة نظام جديد لحياة إنسانية مشرقة تسودها الحرية واحترام الذات الإنسانية ورموزها الإصلاحية العظيمة وعلى رأسها النبي الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم).
|
مقالات
ونحن أيضا أسأنا للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)
أخبار متعلقة