هذه مقالة خلافية وحتى حساسة قد تُثير حفيظة بعض إخواني من المسلمين، ونحن عادة في منتهى الحساسية فيما يتعلق بديننا، والذي هو جزء مهم من هويتنا، بل إن حساسيتنا تزداد هذه الأيام في الوقت الذي يزداد فيه الهجوم على الإسلام والمسلمين وضرب الحصار حولهم، ولكن ماذا نفعل لفك هذا الحصار، بدلاً من الاستسلام له وحتى مساعدته؟موضوع المقالة مستوحى من رسالة زميلة فرنسية مستعربة لكنها غير مسلمة، ولم تكن فقط متعاطفة مع قضايانا من فلسطين إلى العراق، ولكنها جاهدت ضد الرسوم الدنماركية وكانت في مقدمة صفوف المنتقدين لبعض مظاهر العنصرية الأوروبية.ورغم هذا التعاطف، بل وربما بسببه، فإن رسالتها غاضبة، وسبب غضبها هو تصريح الشيخ اللحيدان حول إباحة دم بعض أصحاب الفضائيات التي يعتقد أنها تحض على الإباحة والإفساد. وقد يكون كثير من الإعلام الغربي -الذي هو غالباً في البحث عن أخبار مثيرة- قد قام بتحريف هذه الفتوى أو وضعها في غير سياقها، لكن زميلتي الفرنسية أصابتها الدهشة والصدمة للطريقة التي تكلم بها عضو هيئة كبار العلماء السعوديين ورئيس مجلس القضاء الأعلى، واعترفت بأنها وللمرة الأولى، لم تستطع أن تبرر هذه الفتوى أمام جيرانها، والذين أصروا على نقطتين أساسيتين:1 - إن بعض كبار المسلمين وقادتهم لا يستطيعون المصالحة مع الخلاف في الرأي، في وقت تتجه فيه معظم المجتمعات في زمن العولمة إلى اعتناق آراء مختلفة ومناقشتها، وهذا هو جوهر حرية التعبير.2 - إن بعض هؤلاء الكبار يعطون الانطباع بأن الوسيلة المثلى لإدارة الخلاف هي التخلص جسدياً من الخصم، أي قتله وذبحه، بدلاً من منازلته ومقارعته حجة بحجة، وبالتالي يصورون ويُسوِّقون الإسلام على أنه دين دموي، ويدعمون بالتالي مقولات معادية للإسلام بأنه لم ينتشر إلا بقوة السيف، وأن الجهاد ما هو إلا الحرب المقدسة لإجبار الآخرين على تغيير معتقداتهم.ومن الواضح أنه في مجتمع مدني عالمي تتصدر بنود أجندته قضايا مثل حقوق الإنسان وحرية التعبير، فإن هذه الصورة السلبية عن الإسلام التي يساعد عليها بعض أئمتنا، تعتبر أكبر نصير لخصوم هذا الدين.ما العمل إذن؟1 - يجب أن نعترف بداية أن قدسية القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة لا تنتقل بالضرورة إلى ما يقوله بعض الأئمة، وبالتالي يجب أن تكون «فتاواهم» محل جدل وخلاف، وحتى تفنيد، وخير مرشد لنا في هذا هو سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وتفرقته بين «المقدس» من أمور الدين الذي لا يجب المساس به، وأمور الدنيا التي يجب أن تناقش وتتطور.2 - إن عملية التطور هذه تأتي من داخل أروقة الإسلام نفسه وفتح باب الاجتهاد، ليس بين الـ17 مليون مسلم في أوروبا، أو مسلمي أميركا أو كندا، بل في الدول الإسلامية أولاً وأساساً، وعلى أساس أن العالم في السنة الأولى الهجرية، كان مختلفاً عن العالم في سنة 1429 هجرية، وأن التحدي الأكبر للمسلمين هو كيفية التكيف والتغير مع المحافظة على الثوابت.ويا حبذا لو قامت منظمات إسلامية أو عربية -مثل المؤتمر الإسلامي، الأزهر الشريف، منتدى الاتحاد... بمواجهة تحدي التكيف مع المحافظة على الثوابت.3 - أن يرتبط هذا التكيف بإستراتيجية واضحة فيما يسمى «حوار الثقافات»، والذي يستمر لسنوات دون نتيجة واضحة.باختصار، لا يستطيع أي منا - مسلمين وأجانب متعاطفين- أن يحمي صورة الإسلام عالمياً دون أن يكون هو في الأصل نفسه مساعداً لهذه الصورة.[c1]--------------------------* باحث وأكاديمي عربي[/c]
|
فكر
الإسلام: الأصل والصورة!
أخبار متعلقة